غزوة بدر ومفاتيح النصر

 

 قبل أكثر من ألف وأربعمئة وثلاثين عاما وفي السابع عشر من رمضان وقعت على أرض الجزيرة العربية أول معركة بين الحق والباطل. وهي لم تكن معركة عسكرية فحسب؛ بل كانت معركة عقائدية وفكرية وأخلاقية واجتماعية.

فالتقى فيها ولأول مرة جيش المسلمين - الذين رفعوا راية التوحيد 

ونبذوا خلفهم كل رايات العصبية والقبلية والجاهلية - في مواجهة أبناء جلدتهم وعشيرتهم ممن رفعوا رايات الشرك والعصبية .

وتظهر هنا عقيدة الولاء والبراء، وأن ولاء المؤمنين لدينهم قبل أرضهم . 

وإذا ما اجتمع الدين والأرض والرحم في كفة واحدة فلاشك أن هذا سيكون من أقوى مصادر القوة .

وبإلقاء نظرة سريعة على تفاصيل المعركة يمكننا استنباط مفاتيح النصر من خلال الآتي:

المفتاح الأول : الإيمان وسلامة المنهج

هذا هو المفتاح الأول الذي تفتح به المغاليق وهو إلى النصر نعم الرفيق .

فالمسلمون خرجوا إِيمَانًا بالله وتصديقًا برسوله ونصرةً لدين الله وليقمعوا مظاهر الشرك ويدفعوا الظلم عن أنفسهم وعن المستضعفين في الأرض.

وفي تصوير حالة المسلمين قبل بدر يقول الله سبحانه :

(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال]

المفتاح الثاني: وحدة القيادة والسمع والطاعة

من أسباب النصر: التفاف المقاتلين تحت قيادة واحدة كما كان المسلمون يوم بدر فقد كان قائدهم النبي صلى الله عليه وسلم وكانت أوامره تلقى السمع والطاعة دون تردد .

فقد امتثل المسلمون خطة النبي صلى الله عليه وسلم والتزموا مواقعهم فكان ذلك من مفاتيح النصر .

وعندما غاب هذا المفتاح يوم أحد - بمخالفة بعض الرماة أوامر النبي صلى الله عليه وسلم - تحول النصر إلى هزيمة .

المفتاح الثالث : التخطيط المسبق لأرض المعركة

كان النبي صلى الله عليه وسلم يقود المعركة بنفسه وينظم صفوف الصحابة ويشاورهم ويستمع إلى آرائهم .

وعندما نزل صلى الله عليه وسلم عند أول ماء من بدر، قال الحُباب : ليس هذا بمنزل ولكن انهض حتى تجعل القُلب "الآبار" كلها من وراء ظهرك، ثم غوّر كل قليب بها إلا قليباً واحداً ، ثم احفر عليه حوضاً فنقاتل القوم ونشرب ولا يشربون حتى يحكم الله بيننا وبينهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أشرت بالرأي، فأخذ بمشورة الحباب.

فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه فأولى بقادة المسلمين اليوم أن يشاوروا في قضايا الأمة ويستفيدوا من أصحاب الاختصاص .

المفتاح الرابع : الحماس والثقة 

التعبئة المعنوية للجند قبل المعركة وترغيبهم في فضل الشهادة والنصر وبث روح الحماس فيهم هو عامل مهم في رفع الجاهزية والقدرة على القتال والاستبسال والشجاعة.

ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : "والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل، فيُقتل صابراً محتسباً، مقبلاً غير مُدْبر، إلا أدخله الله الجنة".[سيرة ابن هشام:?/ ???]

ويقول لهم ترغيبًا : " قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض" [صحيح مسلم]

وهذا ما تحتاجه جيوش المسلمين اليوم من بث روح الإيمان فيهم والتضحية بالنفس ابتغاء رضوان الله .

المفتاح الخامس : الدعاء والتأييد الرباني

معهما كان التخطيط محكمًا وأسباب النصر مهيأة فلا يتحقق النصر مالم ينزل التأييد الرباني الذي يُستمطر بالدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى.

وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر حيث كان يدعو الله قبل المعركة ولم ينم الليل وهو يقول: "اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي.. اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي.. اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإسلام لا تُعْبَدْ فِي الأرْضِ!" [مسلم].

واستمر يناشد ربه ويتضرع إليه حتى سقط رداؤه صلى الله عليه وسلم . 

ولقد أنجز الله وعده ونصر المسلمين يوم بدر وهزم المشركين . فكانت هذه المعركة أول فرز لقوى الإيمان عن قوى الشر.

فأصبح للمسلمين جيش وقوة وأرض ، والأهم من ذلك لديهم دين ومنهج سليم وقائد عظيم يلتفون حوله ويتلقون منه معاني الإيمان والحكمة.

فما أحوج المسلمين اليوم لقراءة السير والمغازي واقتباس أسباب النصر والثبات والعزة.

أسأل الله أن ينصر الإسلام والمسلمين وأن يوحد صفوفهم ويردهم إلى دينه ردًّا جميلًا .

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين