أهل الرحمة في القرآن العظيم (6)

 

لا نزال مع الصفات التي ذكر الله في كتابه أن أهلها أهل مغفرة ورحمة، ومن تلك الصفات: التوبة، قال الله عز وجل: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الأنعام:54). وقال تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى? نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}..إنه كمال الإنعام والتكريم الذي تفضل الله به على الأمة المسلمة بعد نعمة الإيمان إنه اليسر في الحساب، والرحمة في الجزاء، حتى ليجعل الله سبحانه وتعالى الرحمة كتاباً على نفسه للذين آمنوا بآياته؛ ويأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغهم ما كتبه ربهم على نفسه، وحتى لتبلغ الرحمة أن يشمل العفو والمغفرة الذنب كله، متى تابوا من بعده وأصلحوا، إذ يفسر بعضهم الجهالة بأنها ملازمة لارتكاب الذنب؛ فما يذنب الإنسان إلا من جهالة؛ وعلى ذلك يكون النص شاملاً لكل سوء يعمله صاحبه؛ متى تاب من بعده وأصلح. 

ويؤيد هذا الفهم النصوص الأخرى التي تجعل التوبة من الذنب -أياً كان- والإصلاح بعده، مستوجبة للمغفرة بما كتب الله على نفسه من الرحمة، فما من ذنب يتوب عنه المسلم ويصلح من بعده إلا وهو مستوجب لمغفرة الله، ولعل آية الفرقان تنبئك عن ذلك إذ يقول الله فيها: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا ً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً}. 

وأما عن سبب نزول الآية فيقول عكرمة: نزلت في الذين نهى الله عز وجل نبيه عن طردهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام. وقال عطاء: نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبلال وسالم وأبي عبيدة ومصعب بن عمير وحمزة وجعفر وعثمان بن مظعون وعمار بن ياسر والأرقم بن أبي الأرقم وأبي سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنهم أجمعين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين