الزكاة -1-

 

[فضيلة الزكاة وثمرتها]

فريضة الزكاة هي إحدى القواعد الخمس التي بُني عليها الإسلام، والله سبحانه في كتابه الكريم قَرَنَ إقامة الصلاة بإيتاء الزكاة، وبيَّن أنَّ الزكاة تطهِّر الأمة وتنمِّي أموالها، وأوعد الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بعذاب أليم.

[الوعيد لمن منع الزكاة ومحاربتهم]

والرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه قرَّر ما فرضه القرآن من الزكاة، وفصَّل أحكامها، وبيَّن أنها طهرة للمزكي وحصن لماله، وأنذر مانعي الزكاة بالجدب وضيق العيش، فقال: (وما منع قوم الزكاة إلا مُنعوا القَطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا).

والمسلمون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما بدأوا به أن حاربوا مانعي الزكاة، واعتبروا منعهم الزكاة ردة عن الإسلام، وسموا حربهم حرب الرِّدة.

[تطبيق فريضة الزكاة وتنظيم جبايتها]

ومع مكانة هذه الفريضة من الإسلام لم يُعنَ المسلمون بتنفيذها، ولم تعن حكومة إسلامية بتنظيم جبايتها، وصرفها في مصارفها، وإحياء شعائر البر والخير والإحسان التي فرضت لها، مع أنَّ الفريضة لو عُنيت بها حكومات المسلمين وأفرادهم لكانت هي العلاجَ الحاسم لداء الشيوعية والاشتراكية المتطرِّفة، وسائر المبادئ الهدَّامة؛ لأنَّ العلاج الحاسم للمرض إنما يكون بالقضاء على أسبابه.

والأسباب الداعية إلى هذه المبادئ ترجع إلى سببين: 

أحدهما: الحاجة البؤس وضيق ذات اليد، وثانيهما الحسد والحقد ممن حُرم نعمة المال على من آتاه الله من فضله.

فإذا أدَّى الأغنياء في كل عام جزءاً من أموالهم للفقراء والمساكين، ووجوه البر والنفع العام، خفَّفوا عن كثير من المحاويج متاعب حاجاتهم. وإذا شعر المحرومون بأن لهم حقاً في أموال الأغنياء وأنَّ الأغنياء يوفونهم هذا الحق كاملاً غير منقوص، استلَّ ذلك الأحقادَ والأضغان من صدورهم.

[العمل على مشروع قانون تنظيم جباية الزكاة]

وقد كنا عقدنا العزم أن نصدر بمعونة الله وتوفيقه عدداً من مجلة لواء الإسلام خاصاً بالزكاة نستوفي فيه بحوثها من النواحي الدينية، والاقتصادية والاجتماعية، وننتهي فيه إلى وضع مشروع قانون لتنظيم جباية الزكاة وتدبير مصارفها، لنطالب الحكومة بالعمل على إصداره وتنفيذه، ولكن حكومة الباكستان – أيدها الله وسدد خطاها – كان لها فضل السبق في هذا الخير، فقرَّرت سنَّ قانون لتنظيم جباية الزكاة، وتمهيداً لسن هذا القانون طرحت سفارتها بمصر على بساط البحث عِدَّة أسئلة خاصَّة بالزكاة، أحاطت بأكثر شؤونها، وخاصة ما يتعلق بالمعاملات المتداولة بين المسلمين الآن، والأسهم والسندات والديون، والأوراق المالية، والنقود من غير الذهب والفضة، وطلبت من رجال الدين والعلم والاقتصاد أن يجيبوا عنها مما يتفق وأحكام الإسلام، لتستأنس بها في سنِّ قانونها.

وقد رأينا توحيداً للجهود وتحقيقاً للغرض المشترك أن ننشر هذه الأسئلة بمجلة لواء الإسلام، وأن نبدأ في هذا العدد بنشر الأجوبة عن بعضها، ونحن نرحب بكل ما يرد إلى المجلة من أجوبة عن هذه الأسئلة، أو تعليق على بعض الأجوبة، وغرضنا من هذا أن نصل إلى الحق الذي لا يخرج عن نصوص الدين وروحه ومعقوله، وأن نتعاون على سن قانون للزكاة يقيم هذا الركن من أركان الإسلام، ويكون قانوناً عاماً لكل حكومة إسلامية، وكل صعب يهون إذا تعاون المخلصون.

وإلى القراء نص هذه الأسئلة والأجوبة عنها:

السؤال الأول: ما هي الزكاة؟

الجواب: الزكاة في الشريعة الإسلامية هي جزء من مال الغني عَيَّنه الشارع بقدره في بعض الأموال، وعيَّنه بنسبته في بعضها، وفرض أن يُصرف كل عام في مصارف البر والخير الثمانية التي بيَّنها بقوله: [إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] {التوبة:60} .

هذا هو معنى الزكاة المراد في قوله تعالى: [وَآَتُوا الزَّكَاةَ] {البقرة:43}، فإن المراد: وآتوا الجزء المستحَق في مالكم لجهات البر التي تستحقه، وكل نص فيه أمر بإيتاء الزكاة، أو أداء الزكاة، أو أخذ الزكاة، فمعنى الزكاة فيه هو ما بيناه. 

وبعض الفقهاء عرَّف الزكاة بأنها: (تمليك مال مخصوص لمستحقه بشرائط شرعيَّة مخصوصة).

وهذا تعريف الزكاة على أنَّها مصدر بمعنى التزكية، أي: تعريف لفعل المكلف.

وربما يتوهَّم من تعريف الزكاة بأنها تمليك أنها لا تصح شرعاً إلا إذا ملَّك المزكي زكاته لشخص معين أو أشخاص معينين يتملكونها. 

ودفعاً لهذا الوهم أقرِّر: أنَّ الزكاة كما يصحُّ شرعاً أن تملك لشخص أو أشخاص حقيقيين، يصح أن تملَّك لشخص معنوي، فكما يصح شرعاً أن يملك المزكي زكاته لفقير معين أو فقراء معينين، يصح أن يملكها لملجأ الأيتام، أو لمستشفى، أو لمبرة، أو لأية جهة من جهات الخير، ولهذا عدَّ من مصارف الزكاة: [وَفِي سَبِيلِ اللهِ] {التوبة:60}، والصرفُ في تجهيز الجيوش للدفاع أو الجهاد، أو في تيسير سبل الحج أو معونة الحجاج ليس فيه تمليك لشخص حقيقي، وإنما هو تمليك لشخص معنوي، والهبة تمليك، وكما تكون لشخص حقيقي تكون لأية جهة من جهات الخير، والصدقة تمليك، وكما تكون لفقير معيَّن تكون لملجأ أو مبرة، أو أي عمل من أعمال البر.

 

السؤال الثاني: عيِّن الأشخاص الذين تجبى الزكاة منهم، ثم بيِّن حكم الشرع في هذا الشأن بالنسبة للنساء والقُصَّر والمسافرين والمساجين والمجانين والأجانب المتوطنين في البلاد. 

الجواب: لفقهاء المسلمين في هذا الموضوع مذهبان مشهوران:

فمنهم من ذهبوا إلى أنَّ الزكاة عبادة، والعبادات لا تُفرض إلا على المكلفين الذين كملت أهليتهم لأدائها: بالإسلام، والبلوغ، والعقل، ومن هؤلاء: الحنفية، وعلى هذا المذهب لا تفرض الزكاة في أموال الصغار، ولا المجانين، ولا المعاتيه، ولا يطالب الولي على واحد من هؤلاء بأداء الزكاة من ماله، لأنها واجبة عليه، وإنما تجبى من أموال المسلمين المكلفين من الرجاء والنساء.

ومنهم من ذهبوا إلى أنَّ الزكاة مؤونة للمال، أي حق مستحق في المال لحفظه وبقائه واستثماره، وهي فريضة في كل مال بلغ النصاب وتوافرت فيه شرائط تزكيته الشرعية، سواء أكان مملوكاً لصغير أم كبير، وسواء أكان مملوكاً لعاقل أم مجنون أو معتوه، ومن هؤلاء الشافعية.

وعلى هذا المذهب تفرض الزكاة في أموال القُصَّر، والمجانين، والمعاتيه، ويطالب الولي على كل واحد منهم بأداء هذه الزكاة من مال من هو مشمول بولايته، كما تُفرض في مال المسلم المكلف، ويطالب هو بأدائها.

وأرى أنَّ هذا المذهب الثاني هو الأحق بأن يؤخذ به، لأن القُصَّر والمجانين والمعاتيه لهم أهلية وجوب، ولهذا تجب عليهم في أموالهم النفقات والغرامات، ويطالب الولي بالتنفيذ، فلتكن كذلك الزكاة، لأنها مؤونة المال، والحنفية أنفسهم أوجبوا العُشر فيما يخرج من أرض الصبي والمجنون وهو زكاة، ولا فرق بين زكاة وزكاة.

وعلى هذا المذهب الذي أرى أنه أحق أن يؤخذ به تجبى الزكاة من كل مال بلغ النصاب وتوافرت فيه الشرائط الشرعية متى كان مملوكاً لمسلم من الذكور أو الإناث، البلَّغ أو الصغار، العقلاء أو المجانين أو المعاتيه، المقيمين أو المسافرين، المطلق سراحهم أو المسجونين، التابعين للحكومة المحليَّة أو التابعين لغيرها، فالعبرة بالمال المملوك لا بمالكه، فإن كان مالكه أهلاً لأن يطالب بأداء الزكاة وجبايتها منه تجبى منه، وإن كان غير أهل لصغر أو جنون أو عَتَه أو لا تتيسر جبايتها منه لسفر أو سجن، تجبَى من وليه أو وكيله أو القيِّم عليه.

وقد قرَّر الفقهاء أنَّ الزكاة عبادة، أو مؤونة فيها معنى العبادة، ولكونها عبادة أو معنى العبادة لا تفرض على غير المسلم، واتفق الفقهاء على أن لا فرق في فرضية الزكاة بين ذكر وأنثى ومسافر ومقيم، وسجين وطليق.

 

السؤال الثالث: ما هي السن التي يلتزم الفرد عند بلوغها بأداء الزكاة؟ 

الجواب: أما على مذهب الشافعية الذي اخترنا أن نأخذ به، فليس للالتزام بالزكاة سنٌّ معينة، فكل مالك للنصاب في أي سن يلتزم بالزكاة، ويؤديها بنفسه إن كان أهلاً للأداء، ويؤديها عنه وليه أو وكيله أو القيم عليه إن لم يكن أهلاً لأدائها بنفسه.

وأما على مذهب الحنفية فالسنُّ التي يلتزم الفرد عند بلوغها بأداء الزكاة هي سن البلوغ، والمراد بلوغ الحلم لا بلوغ الرشد، لأنَّ الأهلية لأداء العبادات ببلوغ الحلم لا ببلوغ الرشد، فمن بلغت سنه خمس عشرة سنة من الذكور أو الإناث فقد بلغ الحلم، وصار أهلاً لأداء العبادات، ويلزم بالزكاة، وبأدائها من ماله.

 

السؤال الرابع: ما هي قيمة أدوات الزينة التي يجوز للمرأة تتحلى بها دون أن تحتسب في المال الذي يجب عليها أداء الزكاة عنه؟ 

الجواب: إذا كانت الحلى التي تتزين بها المرأة ليست من الذهب ولا الفضة، كالماس، واللؤلؤ، والياقوت، والزبرجد، وسائر الجواهر الكريمة، والمعادن النفسية فلا تجب فيها الزكاة باتفاق فقهاء المسلمين فيما أعلم، مهما بلغت قيمتها.

وإذا كانت الحلي التي تتزين بها المرأة من الذهب أو الفضة فلفقهاء المسلمين في وجوب الزكان فيها مذهبان:

ففي مذاهب الحنفية تجب الزكاة فيها، سواء كانت للتحلِّي بلبسها كسوار وقرط وخاتم من الذهب، أو للتحلي باستعمالها كآنية من ذهب أو فضة، والمعتبر في تقدير الزكاة فيها وزنها لا قيمتها، أي: إذا بلغ وزن الحلي من الذهب عشرين مثقالاً فقد بلغ النصاب وتجب فيه الزكاة، وإذا بلغ وزن الحلي من الفضة مائتي درهم فقد بلغ النصاب، وتجب فيه الزكاة، وعلى هذا المذهب ليس في الحلي مقدار يحتسب في المال الذي تجبى الزكاة منه ومقدار لا يحتسب، بل كل حلي من الذهب أو الفضة يحتسب في المال الذي تجبى الزكاة منه بحسب وزنه لا بحسب قيمته.

ومذهب الشافعية لا تجب الزكاة في الحلي من الذهب والفضة التي تتزين النساء بلبسها.

وأرى أنَّ هذا المذهب أحق بأن يُؤخذ به، لأنه يتفق وما قصد إليه الشارع من أن تكون الزكاة جزءاً من نماء المال.

ولهذا شرط في المال الذي تجبى منه الزكاة أن يكون نامياً ولو تقديراً، والذهب أو الفضة الذي اتخذ حلية لم يبقَ وهو حِلية مُعداً للنماء، فلا تجب فيه الزكاة، وعلى هذا المذهب كل حلي للنساء من الذهب أو الفضة أو أي معدن نفيس أو جوهر كريم لا يحتسب في المال الذي تجبى منه الزكاة.

 

السؤال الخامس: هل تجب الزكاة على الشركات المساهمة، أو تكون الزكاة في حالتها واجبة على حملة الأسهم بصفتهم الشخصية وفقاً لما يمتلكونه منها؟ 

الجواب: الزكاة تجب على حملة الأسهم كل بقدر ما يملكه منها؛ لأنَّ الزكاة إنما تجب على مالك المال المزكي، ومالكُ المال هو صاحب الأسهم، فمتى بلغت قيمة أسهمه النصاب وتوافرت سائر الشروط الشرعيَّة، وجبت عليه الزكاة فيه.

والأساس لأحكام الزكاة أنَّ الزكاة سبب وجوبها المال، وتجب على مالك هذا المال إذا توافرت فيه شرائط الوجوب.

 

السؤال السادس: عيِّن مسؤولية المصانع وغيرها من دوائر الأعمال فيما يتعلق بأداء الزكاة. 

الجواب: الزكاة المفروضة هي زكاة المال، والمسؤول عنها هو مالك المال فإن كان مكلفاً طولب هو بأدائها، وإن كان غير مكلف طولب عنه وليه أو القَيِّم عليه، وأما المصنع أو المعمل الذي يستغل فيه المال فأرى أنه ليست عليه مسؤولية فيما يتعلق بأداء الزكاة، اللهم إلا إذا كان يستخدم في احتساب المال الذي تجب الزكاة فيه. وأكرِّر التنبيه إلى أنَّ الزكاة عبادة محضة على مذهب الحنفيَّة، وعبادة فيها معنى مؤونة المال على مذهب الشافعيَّة، والمخاطب بها هو المكلف المالك للمال، أو مالك المال مطلقاً.

السؤال السابع: على من تجب الزكاة في حالة الشركات التي تكون أسهماً قابلة للتحويل عند حلول موعد أدائها؟ هل يلزم بها مشتري الأسهم أو بائعها؟ 

الجواب: من المقرَّر شرعاً أنَّه لا تجب الزكاة في مال إلا إذا حالَ عليه الحول وهو في ملك صاحبه، لأنَّ مرور حول على المال مظنَّة لأن يكون قد أثمر، فتكون الزكاة من ربح المال وثمرته لا من أصله، فمن بيعت أسهمه حين حلول موعد أدائها إذا كان بيعها بعد أن مضى عليه حول فأكثر وهي في ملكه فالزكاة واجبة عليه، وإذا كان بيعها قبل مضي حول عليه وهي في ملكه فلا تجب زكاتها عليه.

ومن هذا يُعرف حكم وجوب الزكاة على مُشتري هذه الأسهم، فإن بقيت في ملكه حولاً وجبت عليه زكاتها، وإن خرجت من ملكه قبل الحول فلا تجب عليه زكاتها.

والأساس: أنَّ الأسهم مال، ولوجوب الزكاة في المال شرائط فإن توافرت الشرائط في المال وجبت فيه الزكاة، وإن لم تتوافر فيه الشرائط لا تجب فيه الزكاة.

 

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

المصدر : (مجلة لواء الإسلام، العدد الرابع، المجلد الرابع، ذي الحجة 1369، سبتمبر 1950).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين