في فريضة الزكاة-2-

 

السؤال الثامن: ماهي الأشياء التي تجب فيها الزكاة؟ وما هي شروطها مع مراعاة الظروف الراهنة في المجتمع الحالي؟ بيِّن بوضوح الحكم بالنسبة للأشياء الآتية:

أ – النقد، الذهب، الفضة، الجواهر وأدوات الزينة.

ب – العملة النقدية بما فيها الذهبية والفضية وغيرها من المعادن، وكذلك الأوراق النقدية.

ج – الأرصدة المصرفية، الأشياء المودعة في خزائن المصارف أو غيرها، القروض، الأملاك المرتهنة، الأملاك التي تكون موضع منازعة (مقاضاة).

د – الهدايا.

هـ - بوالص التأمين، سندات الادخار.

و – الماشية، منتجات الألبان، الحاصلات الزراعية بما فيها الحبوب والخضروات والفواكه والزهور.

ز – المناجم.

ح – الكنوز التي يعثر عليها.

ط – الأثريات.

ي – العسل الذي يجمع من النحل الوحشي أو الأليف.

ك – الأسماك، اللآلئ، وغير ذلك مما يحصل عليه من الماء.

ل – البترول الواردات والصادرات.

الجواب: أبدأ ببيان أنواع الأموال التي تجب فيها الزكاة شرعاً، وما يشترط لوجوبها فيها حسبما قرَّره فقهاء المسلمين، ثم أطبِّق هذا على جزئيات الأموال الواردة بالسؤال، ليخلص لنا بمعونة الله تعالى وتوفيقه الحكمُ الشرعي بالنسبة لكل جزئية منها.

أما القرآن الكريم فقد ذكر في آياته الأموال التي تجب فيها الزكاة عامة، ولم يخص بهذا الإيجاب نوعاً خاصاً من الأموال، ولا مقداراً معيناً منه، فكل ما يُتموَّل ويعدُّ مالاً للإنسان تجب فيه الزكاة حسب ظاهر آيات القرآن، قال تعالى: [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا] {التوبة:103}، وقال سبحانه: [وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ] {الذاريات:19}، وقال سبحانه: [وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ(24) لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ(25) ]. {المعارج}، فعلى ظاهر هذه الآيات تجب الزكاة في كل مال أيَّاً كان نوعه، وأيَّاً كان مقداره.

ولكن السُنَّة الصحيحة عمليةً وقوليةً، دلَّت على تخصيص هذا العام في القرآن، وبيَّنت أنَّ الزكاة لا تجب شرعاً في كل مال، وإنما تجب شرعاً في أموال خاصة من الأموال، بشرط أن تتوافر فيها شروط مُعينة، في مقدارها، وفي ملكيتها، وفي صفتها.

وهذا بيان أنواع الأموال التي تجب فيها الزكاة، وشروط وجوبها فيها حسبما دلَّت عليه السنة واتفق عليه أكثر الأئمَّة:

أما أنواع الأموال التي تجب فيها الزكاة شرعاً فهي خمسة:

1 – الذهب والفضة، سواء أكانا مضروبين، أي نقوداً، أم غير مضروبين أي سبائك، أو قطعاً، أو غير ذلك، ما عدا حلي النساء منهما فلا تجب فيها الزكاة على المذهب المختار.

2 – عُروض التجارة، أي: البضائع المعدَّة للاتجار بها من أي نوع كانت.

3 – السوائم من الإبل والبقر والغنم، أي: التي ترعى أكثر السنة في المراعي العامة المباحة، ولا يتحمَّل أصحابها مؤونة غذائها، وأما التي يعلفها أصحابها من هذه المواشي فلا تجب فيها الزكاة، كما لا تجب فيما عداها من الماشية، كالخيل والبغال والحمير، ولو كانت سوائم.

4 – الحاصلات الزراعيَّة، وحاصلات الأشجار والكروم.

5 – ما يُعثَر عليه في باطن الأرض من المعادن والكنوز، سواء أكان خِلقياً خلقه الله تعالى في الأرض يوم خلقها، أم كان دفيناً قديماً لا يعرف دافنه ولا مالكه، وسواء أكان سائلاً كالبترول والنفط، أم جامداً كالفحم والحديد والنحاس.

وما عدا هذه الأنواع الخمسة من الأموال لا تجب فيها الزكاة، فلا تجب الزكاة شرعاً في دور السكنى، ولا في الثياب، ولا في أثاث المنزل، ولا في دواب الركوب وأسلحة الاستعمال، والتحف، وأدوات الزينة، والجواهر الكريمة، والمعادن النفيسة غير الذهب والفضة، ولا في آلات الصناعة والزراعة، وكتب العلم إلا إذا اتخذ شيء من ذلك للتجارة، فإنه يكون من عروض التجارة، وتجب الزكاة فيه.

والعِلَّة في تخصيص هذه الأنواع الخمسة من الأموال بإيجاب الزكاة فيها، أنها هي أموال النماء والإنتاج، أي: من شأنها أن تثمر وتربح، والشارع أراد أن تكون الزكاة من ربح مال الغني ومن ثمرته، لا من أصله، حتى يؤديها طيبة بها نفسه، شاعراً بأنه يساهم في أبواب البر والخير بجزء من ربح ماله ونمائه.

والنظرة العامَّة في الأنواع الخمسة تدل على أنَّها تشترك في هذه العِلَّة وتجمعها جامعة النماء، فالذهب والفضة هما للثَّمَنيَّة والمبادلات والربح والإنتاج، ولهذا إذا أخرِجا عن هذه الثمنيَّة، بأن اتخذا حلية وزينة، لم يكونا مالَ نماء، ولا تجب فيهما الزكاة. 

وعُروض التجارة بإعدادها للاتجار بها صارت للربح والنماء.

والسوائم من الإبل والبقر والغنم الشأن الغالب فيها أن تُقتنى لنسلها وأصوافها وأوبارها وأشعارها وألبانها، ولهذا لا تجب الزكاة في غيرها من الماشية التي تُقتنى للركوب والزينة وحمل الأثقال لا لنمائها.

والحاصلات الزراعيَّة وحاصلات الأشجار والكروم هي كلها نماء.

وكذلك ما يُعثر عليه في باطن الأرض من معادن وكنوز.

وأما الشروط التي يجب أن تتوافر في كل مال من هذه الأنواع لتجب فيه الزكاة فهي أربعة:

الأول: أن يكون المال مملوكاً لمالكه ملكاً تاماً، والمراد بتمام الملكية أن يكون المال بيد صاحبه، وأن لا يتعلق به حق لغيره، وأن يكون له حرية التصرف فيه باختياره، وأن تكون ثمرته له، وعلى هذا الشرط فالمال الموقوف لا تجب فيه الزكاة، لأنه غير مملوك لأحد من العباد، وكذلك الديون التي في ذمم المدينين لا تجب فيها الزكاة، لأنها مال ليس بيد صاحبه، وكذلك المال الذي ليس لمالكه حرية التصرف فيه باختياره، كالمال المرهون، والموضوع تحت يد حارس، والقائم بشأنه نزاع.

الثاني: أن يبلغ مقدار هذا المال النصابَ الذي حدَّده الشارع لكل نوع من أنواع هذه الأموال، وعلى هذا الشرط فالمال القليل الذي لا يَبلغ مقدار النصاب عفو لا تجب فيه الزكاة.

الثالث: أن يمضي حول هجري على هذا النصاب وهو مملوك لصاحبه ملكاً تاماً، وعلى هذا الشرط إذا زالت ملكية المالك عن ماله بعد نصف الحول أو أكثر أو أقل، فلا تجب عليه الزكاة فيه.

الرابع: أن يكون المال المملوك ملكاً تاماً البالغ النصاب والذي حال عليه الحول زائداً عن حاجات مالكه الأصليَّة وعن ديونه، وعلى هذا الشرط فالمال المملوك للإنسان ولكنه على قدر نفقة مالكه ونفقة من يعولهم أو مستغرق بديون عليه، لا تجب فيه الزكاة.

وحوَلان الحول شرط لإيجاب الزكاة فيما عدا الحاصلات الزراعيَّة، وما يعثر عليه في باطن الأرض من معادن وكنوز، أما فيهما فتجب فيهما الزكاة حين ظهورهما.

وجميع الشروط التي شرطت في الأموال التي تجب فيها الزكاة المقصود بها توفير نماء المال، وضمان أن تكون الزكاة من الربح لا من الأصل، لأنَّ اشتراط تمام الملكية، وخلوص الملك من تعلق حق الغير به، وحرية مالكه في التصرف فيه، الغرضُ منه التمكن من تنمية المال واستثماره، واشتراط حولان الحول الغرض منه إعطاء الفرص للمالك لاستثماره في شهور السنة المختلفة، واشتراط بلوغه النصاب الغرض منه إعفاء المقدار القليل الذي لا ينتظر منه عادة ربح يشارك فيه، فالأموال التي أوجبت فيها الزكاة شرعاً تجمعها جامعة واحدة، هي أنها أموال نماء، والشروط التي شرطت مرجعها إلى توفير هذا النماء وتمهيد سبله.

وعلى ضوء ما قدَّمناه من البيان نقرر أنَّ الأموال التي تجب فيها الزكاة شرعاً هي ما يأتي:

أولاً: النقود. والمراد بالنقود كل ما تتعامل به الأمَّة وتقره قوانين الدولة ثمناً للأشياء في البيع والشراء وسائر المعاملات المالية، سواء أكانت هذه العملة النقديَّة من الذهب والفضَّة أم من أي معدن آخر كالنحاس والبرنز، أم من أي شيء آخر تتعارف الأمة اتخاذه نقداً، وذلك لأنَّ الشارع ما أوجب الزكاة في الذهب والفضة لذاتهما أي للذهبية والفضية، وإنما أوجبها فيهما لأنهما نقدان مُعدَّان للثمنية، فكل نقد يعد للثمنية حكمه حكمهما.

ولو اتخذت في صدر الإسلام نقود للثمنية من غير الذهب والفضة لأوجبت فيها الزكاة، وحكمة الشارع تأبى أن يوجب الزكاة على من يملك مائة ريال لأن ماله من الفضة، ولا يوجبها على من يملك ألفي قرش لأن ماله ليس من الفضة، مع أنَّ المالين نقود للثمنية والنماء، فكل عملة نقدية من أي معدن هي مال تام تجب الزكاة فيها شرعاً.

وأرى أنَّ الأوراق النقدية، أي أوراق البنكنوت، هي عملية نقدية، وليست سندات ديون، وإن كانت في الصورة سندات ديون، فالورقة هي جنيه أو خمسة أو عشرة أو خمسون أو مائة، وتجب فيها الزكاة شرعاً على أنها نقود؛ لأن الناس يتبادلون التعامل بها على هذا، ولا يخطر لهم أنهم يتبادلون حوالات بديون، ولأننا لو اعتبرناها سندات ديون لفتحنا الباب لإضاعة زكاة المال؛ لأنَّ بعض الأئمة لا يوجب الزكاة في الدين إلا بعد قبضه. 

ولا فرق في وجوب الزكاة بين أن تكون الأموال النقدية في يد مالكها، أو يحفظها رصيداً في مصرف من المصارف، أو يدَّخرها في صندوق ادخار، أو يكونها على أقساط في شركة تأمين أو شركة ادخار، لأنَّ ما دفعه فعلاً لشركة التأمين، وما ادخره فعلاً في شركة الادخار، هو ماله النامي المملوك له ملكاً تاماً.

ثانياً: الماشية، وهي السوائم من الإبل والبقر والغنم، وأما منتجات الألبان فإن كانت للتجارة فهي من عروض التجارة وتجب فيها الزكاة، وإن كانت لطعام أصحابها وغذائهم ومن يعولونهم فلا زكاة فيها.

ثالثاً: الحاصلات الزراعية وثمار الأشجار والكروم، وللفقهاء في الحاصلات الزراعية قولان مشهوران، أحدهما قول الإمام أبي حنيفة وبعض الأئمة: أن الحاصلات الزراعية تشمل ما له ثمرة باقية كالحبوب، وما ليس له ثمرة باقية كالخضروات والزهور، وثانيهما قول صاحبي أبي حنيفة وبعض الأئمة أن الزكاة لا تجب شرعاً في الخضروات والزهور، وإنما تجب فيما له ثمرة باقية كالقمح والذرة والفول والأرز والشعير.

رابعاً: المناجم والأثريات، والبترول، وكل ما يعثر عليه في باطن الأرض ولا يعرف له مالك.

خامساً: عروض التجارة، وهي تشمل كل مال من غير النقود أعد للاتجار به، أيَّاً كان نوعه.

فالجواهر الكريمة والمعادن الثمينة، واللآلئ وأدوات الزينة، إن كانت للتحلي والزينة بها فلا تجب فيها الزكاة شرعاً، وإن كانت للاتجار بها تجب فيها الزكاة، وكل أنواع الماشية، عدا السوائم من الإبل والبقر والغنم، إن كانت للتجارة فهي من عروض التجارة وتجب فيها الزكاة، وإن كانت لغير التجارة لا تجب فيها الزكاة.

والضابط العام: أنَّ كل مال ليس من النقود، ولا من السوائم الخاصة، ولا من الحاصلات الزراعية، ولا من الكنوز والمعادن، إن كان للتجارة تجب فيه الزكاة، وإن لم يكن للتجارة فلا تجب فيه الزكاة.

ولا تجب الزكاة شرعاً فيما يأتي:

أولاً: الديون التي للدائنين في ذمة المدينين سواء كان الدين قرضاً أو ثمناً لمبيع، أو مهراً للزوجة، لأن الديون قبل قبضها ليس لصاحبها حرية التصرف فيها واستثمارها ولا يد له عليها.

ثانياً: الأموال المرهونة، والقائم بشأنها نزاع قضائي، والموضوعة تحت يد حارس؛ لأنها أموال ليس لصاحبها حرية التصرف فيها، وفي الغالب تكون ثمرة المرهون ليست لمالكه.

وأما الواردات والصادرات فتجب فيها الزكاة شرعاً، قال القاضي أبو يوسف في كتابه (الخراج): حدثنا عاصم بن سليمان عن الحسن قال: كتب أبو موسى الأشعري رضي الله عنه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن تجاراً من قِبلنا من المسلمين يأتون أرض الحرب فيأخذون منهم العشر، فكتب إليه عمر رضي الله عنه: خذ أنت منهم كما يأخذون من تجار المسلمين، وخذ من أهل الذمة نصف العشر، ومن المسلمين من كل أربعين درهماً درهما، وليس فيما دون المائتين شيء، فإذا كانت مائتين ففيها خمسة دراهم، وما زاد فبحسابه.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

المصدر: (مجلة لواء الإسلام، العدد السادس، المجلد الرابع، صفر 1370، نوفمبر 1950 ).

 

الحلقة السابقة هــــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين