شهوةُ النقد

 

أزَماتُ الأمم الأخلاقية هي أسُّ بلائها وعلةُ وبائها، وإذا امتدَّت أمراضُ المجتمع الشائعةُ إلى صفوته من أهل الخير والصلاح فهنا الرزية، إذ دواءُها داءُها. 

 

    إنك لا تكاد تجدُ اليوم عالمًا يهفو هفوةً إلا وترى تهافت النقاد والحساد عليه تهافتَ الفَراش على النار، وكأنهم كانوا ينتظرون منه ما يدعوهم للوقيعة فيه.

 

  ما السرُّ  يا تُرى في فرح المرء بزلة أخيه ثمَّ الاستطالة في عرضه وتسويد الصفحات بذمه والإساءة إليه؟! 

    إنه داءٌ دويٌّ يبعث في نفس المنتقِد شعورًا بالزهو  والاستعلاء على الآخرين،  فذكرُ أخطائهم على الملأ فيه تزكيةٌ للنفس وتبرئةٌ لها مما ينتقدُه فيهم، فيجعل القارئَ أو السامع يقول في نفسه:  ما أجرأ فلان على قول الحق!! 

ما أبصره بالحق!! 

ما أشد غيرته على الدين!! 

وكل ذلك من شهوةٍ خفيةٍ مهلكةٍ قد لا يشعرُ بها. 

 

    إنَّ من أخطر عواقب الوقيعة في عباد الله وأوليائه هو أن يُبتلى الناقدُ فيما انتقدهم به من العيب والثلب ولو بعد حين، فالجزاء من جنس العمل.

    فقلما ترى أحدًا يستهويه نقدُ الصالحين والتشنيع عليهم إلا وقد ابتلاه الله بمثل ما انتقد. 

ومن تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو كان في عقر داره، فكيف إذا كان المطعون فيه ممن عُرف بالعلم والصدق والعمل للدين بالدعوة والتعليم. 

 

    إن كنت أيها الناقدُ الحصيف تعتقد أنَّ صاحبك جانَب الصواب في اجتهاده فناقشه بعلمٍ وتجرُّدٍ جاعلاً الحقَّ رائدك ورضا الله وجهتك، واجعل همك الأكبر تجلية الحقيقة لا أن يتحول الخلاف إلى مسألة شخصية تسعى فيها جاهدًا لإسقاطه. 

 

من لا يعجبه كلامي هذا فسيكون له ما يتأول به لنفسه أنه يريد تعرية الباطل وأهله، وقد يزينُ له الشيطان والهوى أنَّ فعله هذا من جهاد الكلمة وليس من الغيبة والتشهير في شيء. 

 

أما التقيُّ الورع فيصونُ قلبه عن الظنِّ السوء، ولسانه عن قول السوء، ويسأل مولاه العافية والسلامة، ويدعو لأخيه بالصلاح والهداية، فهذا أصلح لقلبه وأبرأ لدينه وعرضه.

 

أيها المبارك:

قل خيرًا تغنم أو اسكت عن سوءٍ تسلم. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين