كل ما بني على الباطل باطل -1-

كتب بعضُ المتعالمين الداعين للإصلاح كما يزعمون مقالة بعنوان: (لماذا نستغرب من انتشار الفساد في بلاد المسلمين) وبنى مقالته على حديث أبي ذر في قول النبي صلى الله عليه وسلم له: (ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر) واستنتج معنى الحديث بقوله: عليك بالإيمان بـ لا إله إلا الله واعمل ما شئت فإنك في الجنة، وهاجم شرَّاح الحديث والفقهاء ومن سمَّاهم رجال الدين، وانتهى إلى أن الفساد سببه مجموعة كبيرة من الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، وما بني عليها من أحكامٍ فقهيَّة تشرِّع الفساد. وأن علينا أن نحرر عقولنا من تلك القيود التي حرمتنا من مهارات التفكير، وهذه المقالة مسوقة في الرد على هذا المتعالم المغرور الذي يظن أنه يملك مهارات التفكير ويفهم منهج الله دون كل علماء الأمة من المحدثين والفقهاء.

بداية لابد من ملاحظات ثم أتناول ما كتب فقرة وراء فقرة، ثم نأتي بأقوال راشدة لعلَّ الباحث يستفيد منها:

هذا الطرح لا يساوي قلامة ظفر في مجال البحث العلمي، وليس له ساق يقوم عليه، حتى ولا له است يزحف به، هو صناعة ممن عادى السنة المطهرة، ولبس لتلك العداوة لبوس الدعوة إلى العقل الحر، والتفكير المفتوح!

- ما هكذا أيها العاقل يتعامل مع حديث رسول الله، ولتكن أيها الباحث الغيور على خُبْرٍ أن الكذب على الرسول كبيرة بالاتفاق، وأن إنكار ما ثبت عنه لا يقل عن الكذب إثما، إذ هو تعطيل لما جاء به من شرع، فإن كان عن جهل فإثم مبين، وإن كان إنكار على علم فليس دون قوله: "من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ" ولا يظنن أنَّ إنكاره إن كان بدافع شهرة، أو نكاية بالإسلام، فلا يغني عنه أن يتبوأ في الآخرة مقعدا ينسيه حليب أمه الذي به تغذى رضيعا، بله حليب دنيا ارتضعها من وراء إنكاره الفج! 

- إيراد جديد من الباحث على ميزان وضعه جهابذة العلماء في نقد الأحاديث: وما جاء به الباحث المفتوح عقلا هو أوسع مما قرره العلماء من نقد كلٍ من السند والمتن، يقول الباحث: يجب أن يوزن الحديث بفهم المُسْتقْبِل، ولو كان أبله، لا يقدر على العدّ إلى العشرة، ساقطة قدرته اللغوية، وسطحي في تحليل الظاهرة الاجتماعية القريبة، فكيف بالمعقدة، فهو كذلك الذي يعلل عرَجَ الجملِ مِن شفته المشقوقة!

- في عصر " الوهن " الذي حلّ بالأمة قد كثر الواثبون على مصدر التشريع قرآنا وسنة، وأعملوا سقم وعيهم وإفلاسهم من مؤهلات الفهم، وفقرهم من أدوات البحث الواعي، وفقد المنهج المسدد، وأخذوا يعملون في النصوص ما به يبلبل الجاهل، ويضحك العالم من وهن ما يوردون من أفكار!

ما يطرح من قبل هؤلاء هو لون من التغابي يستر به خبيئة في صدره هي الطعن بالسنة والفقه معا، وقد وظف أحدهم ضيق أفقه ليطعن في جملة من الحقائق المتعلقة بالأحاديث، وفقه الفقهاء، مع كونه ختم بالدعوة إلى التفكير، وما كان أبعده عن التفكير!

- لو كان هذا من الجهل بمقعد، أومِن صغر سنه بمكان، لوجب التعامل معه كالذي كانت تطيش يده في الصحفة، فكان غِرا فعُلم، أما لو كان خبيث التصور، له مقصد العدو للإسلام، فهذا معه شأن آخر، وحوار لعل أمره يستقيم به، ونفسه تتراجع عن الإساءة للنصوص!

تفاءلت بهذا الباحث بداية لما توهمت غيرته على حال الأمة، فقلت قاصد خير، فرد تفاؤلي بهذا الواثب أنه قرر أنَّ ما ذهب إليه من فحش فكري، لا يبرره علماء الحديث الذي ربما لم يطلع على ما قرروه، لأنه وجد ألا فائدة في رد رأسه إلى المسار الصحيح !

ليس لديه منهج يترسم قواعده، بل لديه مقصد يريد الوصول إليه، والذي لم يستر عورة جهله، وخبث مقصده أنه طلع على القارئ بجهل في معنى الحديث ومرماه، ثم بنى على جهله أن أنكر الحديث جملة، وليظهر أنه قد وقف على باعث الوضع قرر بلغة من عاصر الوضاع أنه الحديث وضع ليبرر سرقة الرؤساء والوزراء للأموال العامة !

** وقفة من عمري أخسرها أمام الآراء المطروحة فيما كتب الكاتب:

لماذا نستغرب من انتشار الفساد في بلاد المسلمين؟ 

تساءل الكاتب أمام انتشار الفساد في بلاد المسلمين، وهو دال على أن هم الكاتب الدائب أن يعالج بظاهرة الفساد التي توصل إليها الكاتب عبر رؤى نفسية، ولا أدري من أين أتى بمعلومة " الانتشار " ولا بمسألة " تعميمها " على العالم الإسلامي، فظهر بهذه الجملة على أنه من ورائه مؤسسة تضم عشرات الباحثين الذين أمضوا سنوات لخلصوا إلى هذه المعلومة، والجميل هنا أنه لم يكتف بعلامة استفهام واحدة، بل ثلثها، ليؤكد رغبته الجامحة بالجواب، علما أنه قد حضر الجواب السريع وجبة من وجبات المطاعم " الهمبرغرية " على طريق المارة !!- وللإنصاف يقال: ألا يمكن أن يكون الكاتب المعالج للفساد قد بنى وصفه لانتشار الفساد في العالم الإسلامي على بيئته المحيطة به، ثم قاس العالم الإسلامي عليها ؟! وإن صح هذا التعليل يكون قد قاس حال البيئة على موضوع تركيب الماء! فالعلماء يؤكدون دون الاستقراء التام أن الماء يتكون من ذرتين h وذرة منo  " فظن أن البيئات تدخل في هذه الحقيقة بناء على أن الإنسان قد خلق من الماء، و يا له من أفقٍ كوني!

 - لماذا نستغرب من انتشار السرقة والاختلاس ونهب الأموال العامة في مؤسسات الدولة!

*** يستغرب الكاتب من انتشار هاتين الكبيرتين يمهد لما ركز في رأسه، ولما أراد أن يصل إليه من الإغارة على السنة، لا من سبيل العلماء في النقد الصائب لمتن الحديث، ولسنده، ويقع ثانية في هوة التعميم السابق حيث يقرر بثقة المتابع الواعي لكل مؤسسات الدول الإسلامية، ولو أنصف في الطرح لقال في دولتي! التي لا أعرف والله من أي الدول هو! ولبين لنا كيف وصل إلى هذه الحقيقة، وبين ما موقف الدولة نفسها من هذا الفساد الذي جعله طاعونا لم ينج منه إلا الكاتب وحده، وقد أهلك كل المؤسسات، وبم يعلل من يقف في وجه طاعون الفساد، أيرى أنهم لما أنكروا الحديث الذي من وراء فساد العالم، أو جهلوه سارعوا إلى محاربة الفساد، حالهم كحال الكاتب المحارب، علما أنه لو صدق في وصفه لكان عليه أن يثبت أن كل هؤلاء المنتهبين قد عكفوا قبل الانتهاب على صحيح البخاري، فلما قرؤوا الحديث موضوع المقال! تركوا القراءة لما وقفوا على الحديث المسوغ للسرقة، فيكون بيدهم مبررها " مصدر الفحش " الموضوع كذبا كما يرى الكاتب لخدمة هؤلاء اللصوص !

 - لدينا صك مجاني لدخول الجنة دون تعب، ودون الحاجة للعمل الصالح ...وحتى دون الحاجة لترك الكبائر.

*** لو قال الكاتب " لدي صك " لأنصف، إذ إنه يبرز فهمه للحديث إبرازا يدل على أنه إما جاهل بامتياز، أو أنه ركب رأسه في الطرح ليصل إلى ما يريد من كون الحديث موضوعا لخدمة النهبة والمختلسين، ولو أشفق على نفسه، وأنكر حتى وجود البخاري تاريخيا كما فعل شقيق له من قريب، فكان مثار تندر لدى العقلاء، 

- أين الصك المذكور في الحديث مباشرة أو فهما ؟ أم هي الاستهانة بالعقول التي تعي عظمة الإيمان في إدارة حركة الحياة ؟ 

- ثم لو كان للكاتب أدنى صلة باللغة، وأساليب التعبير، ولو بمستوى الصف الأول الابتدائي، لفهم من جعل كلمة "وإن زنى" في الحديث أنها تفيد النفي، وتعني الافتراض، ولا تفيد الوقوع!

- أما قرأ قوله- تعالى- {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } هل يفهم منها الوقوع أو أنه لا صلة له بالقرآن صلة تدبر، لأنه مشغول الآن بتدبر الأحاديث، والعمل على تنقيتها بعقله المفتوح، ولا أدري على أين فتح، وقد دعا الناس إلى مثل عقله المفتح !

 - لم يفرق بين " إذا " و" إن " في التعبير، ولو كان يقرأ سورة الواقعة لوجد الدليل صارخا، قال- تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} وقال: {فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} قد أتى " بإذا" مع المحقق وهو الموت، وأتى " بإن" مع المستبعد، وهو ألا يكون هناك حساب! فأين أنت أيها الكاتب من لغة العرب، ولعل من البلاء أن يمتلك أحدهم بضع كلمات يحرك بها قلمه كيفما شاء!

- كل ما عليك هو قول " لا إله إلا الله " وتموت على ذلك.

*** ما أخفي هنا أني حاولت بكل طاقتي البصرية، ومن وراء أجهزة التكبير المتاحة، لأكتشف " العور " الذي رآه صاحب البصر الحديد فما وفقت، وقد وجدت أن الجهل الفاضح بقيمة التوحيد، ومنزلته من الرسالات كلها، وأن الدعوة في مكة قبل فرض الصلاة كان محورها: "وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على القبائل أيام الموسم، ويقول: "مَن رجل يحملني إِلى قومه؟ فيمنعني حتى أبلِّغ رسالة ربي، فإِنّ قريشًا قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي" وكان يقول لهم: "يا أيّها الناسُ قولوا: لا إِله إِلَّا الله تفلحوا "

- أخرجه أبو داوود في سننه، وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن أبي داوود ح 3960. والإِمام أحمد، المسند 25/ 404 ح 16023، 16025، 16024. وقال محققه: صحيح لغيره.

 وأن هذه الكلمة بمعناها منهج حياة، وأنها هادمة للشرك، وأن الشرك لا يغفر، وسائر الذنوب في نظر الغفر {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} وأن هذه الكلمة لا يرضى ممن قالها بلسانه كحال المنافق، بل لا بد فيها من مواطأة الجنان اللسان ! فأين العور في هذه الحقيقة التي الجهل بها من وراء إنكار منزلتها، ويا له من جهل فتاك بالعقل! 

 - المصدر: صحيح البخاري 

*** هنا لب القضية، وكأني بالكاتب حرص على تشويه المعنى من خلال فهمه الأشوه له، ليصل إلى التركيز على أن هذا الصك إلى الجنة بلا تكليف! 

وهذا الذي فهمه من الحديث هو في صحيح البخاري الذي أخذ به آلاف من العلماء عبر القرون، وقبل أن تنبت هذه النابتة العجيبة التي لبست طيلسان البحث العقلي المتوهج، ثم أفضت بثمرة بحثها إنكارا لمثل صحيح البخاري، ولو كان هذا العملاق من قبل عدة قرون لوقى المسلمين من الشر المستطير الذي أشاع فيها الفساد الأسود !

- مهما حاول شراح الحديث تبرير وشرح الحديث ...لن يستطيعوا أن ينفوا أن هذا الحديث يشجع على السرقة والزنى...

ويجعل من السرقة والزنى أمرا غير مستنكر- فرق كبير بين قوله : " لن يستطيعوا أن ينفوا أن هذا الحديث يشجع .. " وبين أن يكون هو لم يفهم ما قالوه في بيان المعنى الصحيح للحديث، وهذا يدل على العناد الفكري من عقل مفتوح، ولا أحد يحترم الفكر الذي يخالفه فيقول : إن خصمه لا يستطيع إقناعه! 

وقد أورد القرآن نموذجا ممن فيه العناد الناشف، ولو فهم سياق الآيات التالية لوعى خطر العناد: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا}. 

وقد بيَّن القرآن أن هناك من ينكر ما يوقن به {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} وهؤلاء أنكروا ما تيقنوا منه بدافع شهوي غامر، أو كسب عاجل ! 

وقد بين القرآن نموذجا مثل تحريف الحق مع علمهم أنه حق {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

باختصار معنى الحديث: عليك بالإيمان بلا إله إلا الله واعمل ما شئت فإنك في الجنة!

قد أسقط فهمه الملغوم على الحديث، فأتى بمعناه الذي ليس له علاقة بالحديث إلا في شطره الأول، وهو واضح، وليس شرحا، ثم قال : " واعمل ما شئت " وقد بنى دخول الجنة لا على معنى الحديث، بل على المعنى الذي ارتآه هو من خلال ما قصد إليه من طعن في الحديث تمهيدا إلى خلخلة التصور الذي عليه المسلمون عبر القرون، وهيهات، فمن قبله، ومعه، جيش من الأعداء وفؤوسهم، لم يؤثروا في الحق الذي عليه الأمة!

 - وهذا ما يفعله المسلمون في الواقع 

نتيجة وصل إليها الباحث!! حيث قرر أن الفساد قد انتشر، وتفشى في الأمة، وكان قد قدم أن السبب الرئيس، أو الوحيد، لهذا الواقع الفاسد، هو أحاديث أوردها أئمة الحديث الذين لو وقف على دقتهم في التحري سندا ومتنا، وعلى جهودهم في علم الحديث، بل لو كان يدري كيف وصلت إلينا الأحاديث، كذلك لو كان بعيدا عما نواه من حب المشاركة للواثبين على السنة ابتغاء عرضٍ ما، لما سار في هذا المسار ! والباحث !

- لم يبين لنا أهناك من تيقظ مثله لمسألة الفساد أم هو فارس الميدان اليتيم، ثم بمَ يعلل أنه هو وحده الذي استفاق من سكرة العلم بالحديث، وفهمه على الوجه الصائب، وبالتالي أكد أنه حديث موضوع!

- ثم نتباكى بسبب الفساد المستشري بيننا 

*** ليكن الباحث الغيور !!! على يقين أن الذين يفسدون في الأرض هم الذين لا صلة لهم بقرآن، ولا أحاديث، ولا أخلاق صالحة، ولو وجد فيهم من تظهر عليه بعض سلوكيات الإسلام، فهو من فصيلة من أخبر الله عنهم بقوله- تعالى-: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ } وحتما هؤلاء لم يطلعوا على الحديث موضع الكلام، بل هؤلاء هم من النفاق بمكانة راسخة، و قوله- تعالى- : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا } وهم ممن لا يرضى بالإسلام منهج حياة لأنه يخاف أن تطبق عليه حدوده، فأين ما قرره الكاتب من أن الحديث من وراء الفساد!

- يا ليت أن من وضع الحديث على لسان رسول الله عليه الصلاة والسلام أشار إلى التوبة وعدم الإصرار على الفعل ... أو على الاستغفار  ...ولكنه تعمد تكرار قول" وإن زنى"

*** هنا الباقعة ! حيث تمنى، وربما سال على خده دمعه جراء ذلك، أن لو من وضع الحديث بفهمه تناول التوبة، وهو يرى هذه الإضافة تكف عن الحديث لسان الباحث، فيراه سائغا، ولو وُكِل أمرُ وضع الحديث للباحث لفعل هذا الاستدراك !!

- وقد جهل الباحث هذا أن النص الذي يأتي على الإطلاق يأتي ليرسخ الفكرة الأم في النص، وهي هنا قيمة التوحيد في حياة المسلم، وأنه مركز الاستمداد الرئيس في حياته وسلوكه، وأن المعصية لا تخرج المسلم عن الإسلام، إلا إذا استحلَّ ما حرم الله، فمن شرب الخمر مثلا دون أن يستحلها، يكون مرتكبا لكبيرة، ولا يخرج بمعصيته تلك عن الإسلام، ولكن الباحث على ما يظهر لا علاقة له إلا بالتشويه، والرغبة الجامحة في الهدم، وجهل أن النصوص قد تأتي مطلقة، وتأتي مقيدة، وللعلماء، علماء الأصول ههنا أنهم يحملون المطلق على المقيد، وحيث يأتي مطلقا يأتي لمعنى تربوي رائع، والباحث أبعد ما يكون عنه فهما !- وله هذا المثال، وهي كثيرة، قوله- تعالى- : {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} ففي النص بيان لمصير القاتل عمدا، ولا ذكر لتوبته إذا تاب ! وحرارة النص تركت هنا بلا بيان للتوبة لتأخذ من النفس مأخذا يلجمها إذا اشتعلت غضبا، ولم تذكر التوبة لئلا تبرد حرارة النهي بذكرها، إذ إنها لو بردت لسارع المهتاج إلى القتل لأن باب التوبة مفتوح قبالة وجهه. 

وقد ورد أمر التوبة من الذنوب الكبار صريحا في سياق آخر، من مثل قوله- تعالى- : {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}. 

وفي نص آخر ضمنا، كقوله- تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}! 

- قهل أدرك الباحث أن تمنيه على الواضع للحديث كان ساذجا، لا يخطر ببال طفل في مدارج التفكير!

-  شرع الفقهاء ورجال الدين يقول: إنَّ من يسرق بيضة تقطع يده، بينما من ينهب المال العام ويختلس أموال الدولة فلا تقطع يده وعقوبته يقررها ولي الأمر (حاميها حراميها).

*** الجملة الأخيرة " حاميها حراميها " كشفت عن نفس قد امتلأت ظلمة، وكراهية، وعداء ما أن يلوح لها متنفس إلا ملأت الجو سبّا لا يليق بنقد واع منصف !

- إسناد التشريع إلى الفقهاء يجعله غارقا في التيه، ذلك أن الفقيه لا يشرع، بل يكشف عن الحكم الذي جاء به النص، سواء من القرآن أو السنة، فالباحث لا يدري بديهة من بدهيات الفقه، والاستنباط، ويجهل دور العلماء من الشريعة!.

- وعطفه رجال الدين على الفقهاء يريد أن هؤلاء الفقهاء هم رجال كهنوت، وقد جهل أن الإسلام ليس فيه رجال دين !

- ولو سألت لمَ فعل ذلك؟ لقلت : إنه كشف عن غرضه الأصلي مما كتب، إذ همه الطعن في أحكام الشريعة التي بينها الفقهاء، والصرح الفقهي الشامخ أغاظ من قبله المستشرقون، فأعملوا فؤوسهم فيه من زمن، وهيهات !

- وقد ذكر الحكم المتعلق بالسرقة، وبالاختلاس، وارتضى على ما يبدو حكم السرقة، ووجد في حكم الاختلاس ليبين أن المختلس يعاقب ! ولكن من يعاقبه ؟ يعاقبه ولي الأمر !

- ويقرر ساخرا من هذه الإحالة أن كل الحكام " حرامية " وبهذا يبلغ الكاتب لب تصوره لحياة المسلمين، التصور الذي لم يشرب المسلمون منه، المشرب الذي توارى الكاتب وراء، وحاول ستره بكل طاقته.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين