وسطية الشام وغزو الغلو

 

عناصر المادة

1- سلاحنا القوي هو التزامنا منهج الوسطية والاعتدال 2- أمثلة من الغلو تصدى لها الصحابة 3- وسطية أهل الشام 4- معالم في طريق الوسطية لا بد من معرفتها

مقدمة:

إن أخطر ما تعاني منه الأمة اليوم بعدها عن مسارها الرباني، وإن أعظم ذلة للأمة اليوم، تنكبها عن منهاجها النبوي، لهذا تقاسي اليوم موجات عاتية من الطغاة، وتعاني اليوم من أفكار مدمرة من الغلاة، وينظر المتبصر والمتأمل فإذا بالأمة بين فكي كماشة، فك الطغاة يريد استئصال جذورها والذهاب بحضارتها، وفك الغلاة يريد محو هويتها وتغيير دينها والعبث بتاريخها، فينظر المرء ويبحث عن الحل الناجع والدواء النافع، لدحر الطغاة وإصلاح الغلاة، و يتساءل في حمئة هذا المرجل المتقد بدمائنا و أروحنا  يتساءل هل من حل وهل من دواء؟.

1- سلاحنا القوي هو التزامنا منهج الوسطية والاعتدال

إن من فضل الله علينا، أنه لم تنزل بالأمة نازلة ولم تصب الأمة بمدلهمة، إلا وكان لها من الله حل وعلاج ودواء وشفاء، وإننا نقولها واضحة صريحة: إن سلاحنا القوي المتين في مواجهة غزو الطغاة وغزو الغلاة، هو في التزامنا منهج الوسطية والاعتدال في جميع الأفعال والأقوال.

أيها الأحبة المؤمنون: إن الله عز وجل لما مدح الأمة وزكاها على من سواها من الأمم، اختار لها أحكم المناهج، وأعظم البرامج، وجعلها على أقوم طريق وأهدى سبيل فقال جل في علاه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَةً وسَطَاً لِتَكُونُواْ شهداء على النَّاسِ وَيَكُونَ الرَسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيَداً} [البقرة: 143].

وَسَطٌ نَحْنُ لاَ غُلاَةٌ  غِلاَظٌ        أَوْ جُفَاةٌ مِنْ فِرْقَةِ  الشَّيْطَانِ

وَسَطٌ بَيْنَ مَنْ  يُكَفِّرُ  بِالذَّنْ        بِ وَبَيْنَ الْإِرْجَاءِ فِي الإِيمَانِ

وَبَلِيدٍ  يَرَى   الأَئِمَّةَ   صِفْرًا        مُوغِلٍ فِي الْإِيذَاءِ  وَالنُّكْرَانِ

وَعَلَى مَنْهَجِ الرَّسُولِ  مَشَيْنَا        وَمَعَ صَحْبِهِ أُولِي  الرِّضْوَانِ

إن أشرس معركة وأشد حرب تخوضها الأمة، هو الغزو الفكري فهو خفي الأيادي، شديد التأثير على أفراد الأمة، وقد صدق الإمام الأوزاعي رحمه الله وهو يصف هذه المعركة الشيطانية بقوله: "ما من أَمْرٍ أَمَرَ اللهُ به، إلا عارض الشيطانُ فيه بخصلتين، ولا يبالي أيهما أصاب: الغلو، أو التقصير".

لذلك كان تحذير الله من الغلو والشطط واضحاً جلياً بآيات محكمات قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} [المائدة: 77].

وقد حارب رسول الله الغلو بكل أنواعه وبكل الوسائل فتصدى له بالنصيحة والبيان وحاربه بالسيف والسنان، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلوب المحاورة مع الغلاة، ودحض شبهاتهم إذ رد على ذي الخويصرة بقوله: (وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ) [ 1 ]

    صامتاً ليس يطيل الكَلِمَا     وهو بالصمت يربي الأمما

فلولا احتقار الأسد شبهتها به     ولكنها معدودة في البهائمِ

من ذلك تبين للصحابة الكرام أن أعظم فتنة وأشد محنة تواجه الأمة هو الغلو في الدين، فتصدوا له وحاربه بكل ما أوتوا من قوة ومن بصيرة، وهاكم أمثلة عن الغلو والشطط تصدى لها الصحابة الكرام.

2- أمثلة من الغلو تصدى لها الصحابة

محاربة غلو العقيدة والفكر (أدبني الرجل الصالح):

ظهر في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجل في مصر يقول ببعض الشبهات في الإسلام، فأرسله والي مصر إلى المدينة، وعندما وصل وجده الخليفة متمسكاً بأقواله، فطلب من أحد الرجال أن يضربه بالسياط على ظهره، ثم استدعاه فوجده يقول بنفس القول، فطلب من الرجل أن يضربه بشكل أشد ثم استعاده ولم يكلمه بل نظر إلى ظهره، وطلب من الرجل أن يعود ويضربه مرة ثالثة، فضربه الرجل حتى فقد وعيه، ثم طلبه الخليفة ونظر إلى ظهره، فقال للرجل عد واضربه فصرخ ابن الأصيبغ "لا يا أمير المؤمنين والله لا أعود لمثلها" مضت الأيام ومات الخليفة عمر، وتولى عثمان بن عفان رضي الله عنه فظهرت الفتنة في آخر عهده، فجاء رجل إلى ابن الأصيبغ يطلب منه الخروج على الخليفة، فقد ظهر من سيقول بقوله، نظر ابن الأصيبغ إلى الرجل وهو يحك ظهره ويقول: "أدبني الرجل الصالح". 

فَأُقْسِمُ    بِالجَبَّارِ    إِنَّكَ    خَالِطٌ        وَمَا يُوقِظُ المَخْلُوطَ شَيْءٌ كَصَفْعَةِ

وَمَا لَكَ  فِيمَا  تَدَّعِي  أَيُّ  حُجَّةٍ        وَأَنْتَ   إذًا   عَيْرٌ   بِأُذْنٍ   طَوِيلَةِ

ومن لم يقوَّم بهدي الكتاب     فبالسيف يا صحابي قُمْ

محاربة الغلو في العبادات والطاعات (وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّد):

أخرج الدارمي عن يحيى قال: كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ  عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَإِذَا خَرَجَ، مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ  أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدُ؟، قُلْنَا: لَا، فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ، قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَّا خَيْرًا، قَالَ: فَمَا هُوَ؟، فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصَا، فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً، فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً، قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟، قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتِظَارَ أَمْرِكَ، قَالَ: أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ؟ ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟، قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَصًا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ، وَالتَّهْلِيلَ، وَالتَّسْبِيحَ، قَالَ: "فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ! هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ، أَوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ"، قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ، قَالَ: "وَكَمْ مِنْ  مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ"، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ.  [ 2 ]

ولكنهم ركبوا مسلكاً يحيد عن الجسد المشرقِ

وقد ولي الأمر منهم رجالٌ     يخالف منطقهم منطقي

نأوا عن هدى الله في نهجهم     وساروا وسرتُ فلم نلتقِ

محاربة الغلو في ارتكاب الكبائر والورع عن الصغائر (قتلتم الحسين وتسألون عن دم بعوضة):

روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، وسأله رجل من أهل العراق عن المحرم يقتل الذباب، فقال: أهل العراق يسألون عن قتل الذباب وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هما ريحانتاي من الدنيا) [ 3 ]

وقال: "يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق قتلتم الحسين وتسألون عن دم بعوضة". 

ما هم بأمة أحمد     لا والذي فطر السماء

ما هم بأمة خير خلـ      ـق الله بدءاً وانتهاء

إن يزرعوا فحصادهم      يا حسرتاه كان الهواء

إن يقتلوا فقتيلهم      كان المودة والإخاء

هكذا بكل الوسائل حارب الصحابة الكرام أهل الغلو والعدوان، وصححوا للناس مسارهم في فهم الإسلام، فكانوا نعم الصحب وخير الأنام بعد الأنبياء والمرسلين عليهم السلام.

أولئك آبائي فجئني بمثلهم     إذا جمعتنا يا جرير المجامع

هم الرجال وقد جاءوا على قدر     هم الذين إذا ما عاهدوا صدقوا

هم لنا آباء وأجداد ونحن لهم أبناء وحفدة فلن نرضى أن ينتشر الغلو في الدين أو يمارس في بلاد الشام التي مدحها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عن أبي الدرداء رضي اللَّه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها: دمشق، من خير مدائن الشام) [ 4 ]

3- وسطية أهل الشام

قد عُرف لأهل الشام اعتدالهم في الدين وتوسطهم في الفهم والعلم منذ دخلوا في الإسلام، فكانوا مضرب المثل ومرجع الناس في صفاء الدين ونقاء العقيدة وصدقت فيهم نبوءة رسولنا الأكرم وحبيبنا الأعظم، فعن ابن حَوالة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيصير الأمرُ إلى أن تكونوا جُنوداً مُجَندَةً: جندٌ بالشام، وجندٌ باليمن، وجندٌ بالعراق)، قال ابن حَوَالة: خِرْ لي يا رسول الله! إن أدركتُ ذلك؟ فقال: (عليك بالشام؛ فإنها خيرةُ الله مِنْ أرضه، يَجْتَبِي إليها خِيرتَهُ من عباده. فأما إن أبيتم؛ فعليكم بيمنكم، واسقوا من غُدُركم؛ فإن الله توكل لي بالشام وأهله) [ 5 ]

أيها الأخوة المؤمنون: إذا علمنا هذا فعلى الأمة بكل مكوناتها ومؤسساتها محاربة هذا الغزو بكل الميادين والتصدي له بكل الوسائل، ومما سبق أيها الأحبة نعلم خطورة الفكر الغالي وبلاؤه على الأمة في دينها وديناها، فالغلو هو السبب الرئيس في سفك الدماء المحرمة واستباحة الأعراض المصونة الغلو هو الداء الذي يفتك بالأمة ويضعف قوتها ويذهب شوكتها الغلو هو الذي يودي بصاحبه ليكون من الطغاة الظلام والغلاة اللئام بل إن الغلو مصيره إلى النار وبئس القرار.

وإنني أقول لكم أيها المسلمون المؤمنون: إن أنظار الناس اليوم متوجهة إليكم في الشام تترقب منكم المنهج القويم والنهج السليم، ينظرون إلى الشام وهم يعلمون مكانتها في آخر الزمان، وأنها موطن المسلمين وفسطاط المؤمنين، وأنها مكفولة برعاية الله ومصونة بحماية الله، ينظرون إليكم يا أهل الشام، وهم يقرؤون ويسمعون آيات الذكر الحكيم وأحاديث النبي الكريم في الثناء على الشام، وأنها عقر دار المسلمين وعمود الدين، لهذا كله ندعوكم وأنتم للدعوة أهل إلى التمسك بمنهج الوسطية والاعتدال الذي رباكم عليه أجدادكم الصحابة الكرام، حتى صار وسماً وشعاراً لأهل الشام، فلا يذكر أهل الشام إلا وذكر الإنصاف والوسطية والاعتدال.

يا أهل الإسلام عامة ويا أهل الشام خاصة: والله إنه لن ينقذنا مما نحن فيه من التخبط والضياع إلا عودتنا إلى هذه الآية الربانية {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَةً وسَطَاً لِتَكُونُواْ شهداء على النَّاسِ وَيَكُونَ الرَسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيَداً} [البقرة: 143].

 إنها الوسطية، هي الخيرية لهذه الأمة نعود إلى إسلامنا صاف من أي مكدر فكري نعود إلى ديننا خال من أي معكر خارجي نعود إلى إيماننا نقي كالماء الزلال قوي كالجبال العوال، وهذا معنى قول الله: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُون} [البقرة: 138].

4- معالم في طريق الوسطية لا بد من معرفتها

المَعلم الأول: الوسطية تعني العدل فلا ظلم ولا عدوان بل إنصاف واعتدال، فمن قتل نفساً مكرمة أو انتهك أعراضاً مصونة أو انتهب أموالاً محرمة فقد خرج عن الوسطية وذهبت عنه الخيرية ووقع في الغلو والعدوان وصدق عليه قول الله في القرآن: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ? ذَ?لِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ? وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33].

المَعلم الثاني: الوسطية لا تعني تمييع الشريعة وتضييع أحكام الدين بل الوسطية تعنى الالتزام فلا إفراط ولا تفريط بل ثبات على المنهج ورسوخ في المعتقد فليس من الوسطية تضييع العقيدة بل إني لأسمع نزيل الشام وعالم الإسلام معاذ بن جبل ينقل لنا وصية رسول الأنام عليه الصلاة والسلام لرجل: (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ حُرِقْتَ، وَأَطِعْ وَالِدَيْكَ وَإِنْ أَخْرَجَاكَ مِنْ مَالِكَ، وَلَا تَشْرَبِ الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ، وَلَا تَتْرُكَنَّ صَلَاةً مُتَعَمِّدًا فَإِنَّهُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ، وَلَا تُنَازِعِ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّهُ لَكَ، وَأَنْفِقْ عَلَى أَهْلِكَ مِنْ طَوْلِكَ، وَلَا تَرْفَعِ الْعَصَا عَنْهُمْ، وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ، وَلَا تَغْلُلْ، وَلَا تَفِرَّ مِنَ الزَّحْفِ) [ 6 ]

ليست الوسطية تميع الدين بتضييع فرائضه وإذهاب سننه بل إنها بالحفاظ على الفرائض من صلوات وزكاة وفعل للخيرات وتطبيق لسنة سيد الكائنات، ولسان حالكم يا أهل الشام في ذلك هو لسان نزيل دمشق الشام أبي الدرداء عندما قال: "اعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وَعُدَّ نَفْسَكَ فِي المَوْتَى، وَإِيَّاكَ وَدَعْوَةَ المَظْلُوْمِ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَلِيْلاً يُغْنِيْكَ خَيْرٌ مِنْ كَثِيْرٍ يُلْهِيْكَ، وَأَنَّ البِرَّ لاَ يَبْلَى، وَأَنَّ الإِثْمَ لاَ يُنْسَى".

فيرحم الرحمن ذلك العلمْ     الزاهد العابد قمة القممْ

وفارس المعقول والمنقولِ     المقتفي لسنة الرسولِ

ونشهد الله على محبتهْ     جَمَعنا الله معاً في جنتهْ

المَعلم الثالث: الوسطية لا تعني الذل ولا الهوان بل إن من معاني الوسطية العلو لا الغلو، العلو على كل ظلم وطغيان، العلو على كل فساد وعدوان، نعم الوسطية تعني أن تستعلي على سفاسف الأمور أن تستعلي على العدوان والطغيان، وكأنني بنزيل حمص الشام سيف الله خالد بن الوليد يصدع فيكم لمّا حضرته الوفاة "لقد شهدت مائة زحف أو نحوها وما في بدني موضع شبرٍ إلّا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية، وهـا أنا أموت على فراشي، فلا نامت أعين الجبناء! وما لي من عملٍ أرجى من لا إله إلا الله وأنا متترِّس بها" وهذا ما يفعلوه مجاهدو الشام الأبطال في التصدي للطغاة والبغاة فهو يحققون الوسطية وينالون الخيرية ويصدق في وصفهم قول الله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].

وحالهم كما قال الشاعر:

أدت رسالتَها المنابرُ وانبرى        حد السلاح بدوره ليقولا

آن الأوان لأن نخاطر بالدمِ     مَن لم يخاطر بالدما لم يسلمِ

إذا علمتم هذا يا أهل الشام فاثبتوا على الوسطية والاعتدال وحاربوا بكل قوة فكرية وبكل قوة مادية كل مناهج الطغاة والغلاة، فأنتم اليوم على ثغر عظيم من ثغور الإسلام فاحذروا أن يدخل الغلاة إلى دينكم واحذروا أن يعيث الطغاة عبثاً في دياركم، وخير سلاح في مواجهة الطغاة والغلاة هو: الوسطية فلا إفراط ولا تفريط وإن سألوكم كيف منهجكم وبما تسودوا وتقودوا؟ 

فاهتفوا يا أهل الشام قائلين في وجه الغزاة والغلاة والطغاة والظالمين: 

بكتاب الله والسنْـ     ـنَة والأيدي القويه

بولاءٍ وبراءٍ       ومبادٍ عقديه

وجيوش تهزم البا    غي وتسقيه المنيه

بِفِتْيَةٍ   كَأُسُودِ   الغَابِ    لَيْسَ    لَهُمْ        إِلاَّ  الرِّمَاحُ  إِذَا  احْمَرَّ  الوَغَى   أُجُمُ

كَالبَرْقِ إِنْ عَزَمُوا، وَالرَّعْدِ إِنْ صَدَمُوا        وَالغَيْثِ إِنْ وَهَبُوا، وَالسَّيْلِ إِنْ هَجَمُوا

 

1 - البخاري /6933

2 - سنن الدارمي/210

3 - البخاري /3753

4 - أبو داود/ 4298 وصححه الألباني.

5 - أبو داود/ 2483 وصححه الألباني.

6 - مسند الشاميين/2204

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين