الموصل واستراتيجية التدمير 2-2

 

قصة التدمير إذاً، لم تبدأ بداعش ولا بكارثة الموصل الحالية، بل ربما ترجع إلى الثمانينيات، حيث خرج العراق منتصراً في معركة الثماني سنوات، وبجيش متفوق في العدد والعدة على كل جيوش المنطقة تقريباً، وبمنشآت تصنيعية نموذجية، في ذلك الوقت نستطيع القول إن قراراً قد اتخذ بتدمير العراق وجيشه ومنشآته، بل وبنيته التحتية بالكامل. 

إن وضع العراق كله تحت مظلة الجحيم والحصار الخانق من سنة 1991 حتى 2003، لا يمكن تبريره ولا تفسيره إلا بوجود استراتيجية ثابتة في السياسة الأميركية تجاه العراق والمنطقة، والتي تأكدت بغزو العراق مرة ثانية والإجهاز على ما تبقى فيه، وحل مؤسساته بشكل رسمي وإشاعة حالة من الفوضى لم يشهد لها التاريخ مثيلاً. 

لقد عمدت السياسة الأميركية بعد 2003 إلى صناعة عملية سياسية هزيلة ومفككة، تقوم على حالة من العبث والاستعداء الطائفي والقومي، وفتح أبواب الفساد والنهب والرشوة، وفي الوقت ذاته تم السماح بتكوين ميليشيات وجماعات مسلحة متناحرة، لتبدأ عملية التناوب على تدمير المدن بالكر والفر، وتغليب هذا الطرف مرة وذاك الطرف مرة أخرى، ومن غرائب هذا الوضع أن يسمح لرجل دين مقيم في العراق ولا يملك الجنسية العراقية بتشكيل جيش أقوى من جيش الدولة، وليس للدولة إلا أن تخضع وتقدم له التسهيلات وكافة الاحتياجات، فأي دولة هذه التي يريدونها في العراق؟ وأي نموذج ذاك الذي يمكن أن يعمم على المنطقة؟ 

في الجانب السوري تعبر ميليشيا حزب الله المسلحة حدود «الدولة اللبنانية»، بدون موافقة الدولة ولا علمها، لتجتاح «دولة» أخرى، ثم يقف «المجتمع الدولي» مكتوف الأيدي! ليس فقط المجتمع الدولي، بل والجامعة العربية والأنظمة العربية ودول الجوار، حتى إسرائيل لا تبدو مكترثة بل مرحبة، ثم تفاقم الأمر بوجود جيش إيراني رسمي، يقاتل وتشيع جثامينه في شوارع قم وطهران، والعالم كله يتفرج، ثم يقال لك ليس هناك مؤامرة ولا اتفاقات مسبقة! 

السؤال الذي ينبغي أن يوجه لهؤلاء: هل فعلاً عجزت الولايات المتحدة عن بناء دولة مدنية حديثة في العراق؟ وهل عجزت عن إيجاد حل لمشكلة بشار والميليشيات المقاتلة عنه؟ وهل يمكن أن نقتنع بأن الأميركيين -والغرب عموماً- لم تعد لهم مصلحة في هذه المنطقة الحيوية من العالم فتركوها للضياع؟ 

إن تسطيح هذه الحقائق وتبسيطها على أنها مجرد سلسلة من الأخطاء غير المقصودة، من شأنه أن يضلل القارئ العربي، ويفقده القدرة على التنبؤ بما يمكن أن يحصل مستقبلاً، بمعنى أنه لن يتمكن من بناء أية خبرة ذات قيمة، وهذا بالضبط هو الذي يفسر حالة «الرمال المتحركة» في توجهات الشارع العربي، فمرة مع الأنظمة ومرة مع الثورات، ثم يرجع ليتقبل تلك الأنظمة أو يحن إليها، ومرة يصفق لحسن نصرالله ويرفع أعلام حزب الله، ثم يلعنه ويلعن حزبه وكل من يمت إليه بأدنى صلة. 

لقد آن لهذه الأمة أن تدرك أنها مستهدفة بكل عناوينها، وأن كارثة الموصل وحلب والفلوجة وحمص لن تقف عندها، فليست هناك مدينة عربية واحدة مستثناة حتى مكة والمدينة، فاستفيقوا يا عرب واتركوا عنكم اللعب.

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين