إسقاط الطبع على الشرع

 

لاحظت أن قبل الصحوة الاسلامية المباركة لم يكن هذا الكم من الجماعات الاسلامية !! ولعل السبب هو انتشار التدين بين الشباب بكثرة مما يؤدي إلى أن يكون الكثير منهم هو رأس لوحده ( شيخ الاسلام ) !!

وربما يسقط أحدهم طبعه على تفسير النص الشرعي , فمن كان هادئاً سيفسر النص بهدوء،  ومن كان عنفوانيا سيفسره بعنفوان وهكذا ..

بمعنى : من كان طبعه ( الآني بسبب ظرف طارئ, أو الدائم الذي نشأ عليه ) حادًا سيفسر الإسلام وفق حدته , ومن كان طبعه ليّناً سيفسره وفق ليونته !!

 

ومن خلال مطالعاتي في كتب شيوعيين و قوميين و إسلاميين.. وجدت التشابه بين ( طباع البشر العقائديين ) مهما اختلفت أيديولوجياتهم !!

 

وسأذكر أمثلة توضح مقصدي من أيديولوجيات مشابهة للتيار الاسلامي, أرجو معذرتي إن أطلت بها  :

1 - من يطلع على موسوعات الحركات الشيوعية مثل التي صدرت عن ( المركز العربي للدراسات الاستراتيجية ) وإلى حد ما موسوعة ( تاريخ الأحزاب الشيوعية - إلياس مرقص ) يرى أن هناك شيوعيين قبلوا بفكرة البرلمان والديمقراطية وآخرين رفضوها بل حاربوا من عمل بها , وهناك من هادن الأنظمة القائمة وعمل ضمن سياسة الممكن, وهناك من رأى تطبيق ما يؤمن به بقوة السلاح , وهناك وهناك .. 

والطريف أن بأسهم كان بينهم شديد !! .

 

2- ( كاسترو) عندما قام بالثورة ضد ( نظام باتيستا ) سعى بقوة لتطبيق القوانين الاشتراكية على الأراضي التي سيطر عليها , رغم أن النظام لازال قائما والثورة لم تنجح بعد !! 

 

3- - في السبعينيات كان هناك شيوعيين من أمريكا اللاتينية أسرعوا لمناصرة " البعث " في العراق فقاتلوا معه ضد الأكراد ( ومنهم من قُتل فعلا ) كل ذلك نصرة " للثورة الاشتراكية العالمية " !! . 

 

4 - بُعيد تفجير البرجين في امريكا - أيلول 2001 , سمعت محمد عابد الجابري ( الماركسي سابقا ) يقول في لقاء معه : هذه التفجيرات التي تبناها الآن اسلاميون لو كانت في السبعينات لفعلها يساريون شيوعيون ..

 

5 – شاهدت منذ سنوات في برنامج ( الملف ) على الجزيرة لقاءً مع ( حنين النمر ) رئيس الحزب الشيوعي السوري / جناح الفيصل , سأله المذيع :

((( على أي أساس سيفرق المواطن السوري بينكم وبين الحزب الشيوعي الآخر ( جناح بكداش ) ؟ فأجاب بما معناه : 

جناح بكداش نصوصي يتمسك بأقوال ماركس ولينين والتجربة السوفيتية بالحرف .. أما نحن فمقاصديون نؤمن بالتطور والتجديد في الماركسية ... ))) .

هذا ولا ننسى الحزب الشيوعي الثالث / جناح رياض الترك / وهو ممنوع من العمل في سورية , لأنه حزب ثوري انقلابي لا يرى إلا الحلول الجذرية ..

وهنا قد نجد الشبه مع السلفية العلمية والإخوان والسلفية الجهادية !!

 

6- كنت قد قرأت في مذكرات المحامي أحمد نبيل الهلالي وهو أحد أهم الماركسيين العرب , يذكر فيها :

أنه في الثلاثينيات وما بعد , كانت الشيوعية في مصر ضعيفة ( وأرجو وضع خط تحت كلمة ضعيفة ! ) فبرز فصيلٌ من الشيوعيين يقول :

إن هذا المجتمع ( فاسد ) وقد تجذرت فيه ( البرجوازية ) منذ قرون , وخنع لحكام عملاء ل ( الإمبريالية ) وبالتالي لا يصلح معه ( الترقيع ) ..

إذن لابد من ( الانعزال عنه ) ثم تكوين ( طليعة تقدمية ) تقوم على ( عقيدة ثورية ) وعندما تحقق شروط وتحديات ذلك , تنقض على هذا المجتمع ( الرأسمالي ) لتغيّره تغييرا شاملا , حينها فقط تقوم ( الدولة الاشتراكية ) المنشودة !!

 

طبعا المطلع على الفكر الاسلامي الحديث سيجد أن الاختلاف بين هؤلاء وبين بعض الاسلاميين هو فقط في المصطلحات مثل : 

( الجاهلية ) و ( الطاغوت ) و ( المفاصلة ) و ( القاعدة الصلبة ) و ( عقيدة " لا إله إلا الله " الصحيحة ) و ( الدولة الاسلامية ) وهكذا ..

وقد يوهب أحدهم ناصية البيان فيعبر عن فكرته ببلاغة تسحر الألباب وتجنح في الخيال !!

 

7- سمعت من مراسل إذاعة لندن وهو يغطي انتخابات الكنيسيت: أنه يوجد يهود يرفضون فكرة ( البرلمان ) لأنها تخالف تعاليم التوراة ..

وكذلك قرأت في صحيفة ( القاهرة ) المصرية : أن بعض الأقباط يرفضون البرلمان لأنه غير مذكور في الانجيل ..

وكذلك هناك من الشيعة كالشيخ صبحي الطفيلي مؤسس / حزب الله / اللبناني, يرى أن البرلمان اعتراف بالطاغوت, والحكم بغير ما أنزل الله ..

وهنا نلاحظ الشبه مثلا مع كتاب ( الديمقراطية دين ) لأبي محمد المقدسي !! , والذي يرفض به فكرة البرلمان لأنه يخالف الإسلام, وتشريع بغير ما أنزل الله ..

 

8- من ينظر الى الحركات الثورية الحماسية الغربية مثل : الألوية الحمراء , ويذر مِن , الجيش الأحمر ... سيلاحظ أنها لاتختلف إطلاقا عن جماعات الغلو عندنا , و / bbc / أعدت أفلاما وثائقية عنها بعنوان ( بنادق غاضبة ) يمكن الرجوع اليها للتأكد .

بل لقد شاهدت فيها مقطعا عجيبا, حيث يظهر شاب يساري ألماني قابعا في قفص المحكمة , وبعد أن يحكم القاضي بإعدامه (  لأنه قتل شرطيا يعمل مع أنظمة " إمبريالية " !!  ) يقابله هذا الشاب بهدوء وطمأنينة بل مع أغنية ثورية ..

وهو نفس المشهد تماما تكرر في فيديو موجود على اليوتيوب , يظهر فيه جهادي مصري في قفص المحكمة ينشد أنشودة ( غرباء ) بعد الحكم عليه من القاضي بالإعدام ( لأنه قتل شرطيا يعمل مع أنظمة " جاهلية " !! )

هناك أمثلة أخرى , لكن أظن أن الفكرة وصلت..

 

وسوف أختم بهذا الحديث :

عن عبد الله بن عمر قال : لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تقولون في هؤلاء الأسرى ؟ 

فقال أبو بكر : يا رسول الله ; قومك وأهلك ، فاستبقهم لعل الله أن يتوب عليهم .

قال عمر : يا رسول الله ; كذبوك وأخرجوك ، قدمهم واضرب أعناقهم .

وقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله ; انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه ، ثم أضرمه عليهم نارا . 

فقال له العباس : قطعت رحمك .

فسكت صلى الله عليه وسلم, فلم يجبهم ، ثم دخل .. ثم خرج عليهم فقال : 

إن الله ليليّن قلوب قوم حتى تكون ألين من اللبن ، ويشدّ قلوب قوم حتى تكون أشدّ من الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم إذ قال : { فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم } . وكمثل عيسى حين قال : { إن تعذبهم فإنهم عبادك } .

ومثلك يا عمر كمثل نوح إذ قال : { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } . وكمثل موسى إذ قال : { ربنا اطمس على أموالهم } .. أ. هـ  . رواه الترمذي وأصله عند مسلم .

 

فهنا نرى اختلاف اجتهاد الصحابة وتوجههم وفق طباعهم , وكلٌ له مستند من القرآن .. هذا على العموم , وإلا ففي هذه الحادثة خصوص, حيث جاء نص واضح يؤيد سيدنا عمر .

 

الخلاصة :

الاختلاف بين الاسلاميين مع بعضهم البعض كالاختلاف بين الشيوعيين مع بعضهم البعض , وهناك تشابه بين شيوعيين واسلاميين , بسبب شمولية مايؤمنون به , مع اختلاف مصادر التلقي لكل منهما !! .

 

النصيحة :

أن يقول كل صاحب فكر :  " هذا رأي الشخصي " .

لا أن يقول : " ما أراه هو الحق وما عداه الباطل " !!

 

هذا مابدا لي , والله تعالى أعلى وأعلم .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين