من ملامح الهجرة إلى الحبشة -6-

 

تعرض أربعة ممن عادوا من الحبشة في الهجرة الثانية لألوان شتى من العذاب، استمر لفترات امتدت إلى عشر سنوات:

الأول والثاني والثالث تم اعتقالهم وتعذيبهم من أهلهم لمدة طويلة استمرت حتى السنة السابعة للهجرة.

أما الرابع: فحصل معه أمر لم يحصل لأحد من الصحابة رضي الله عنه.

 

الأول والثاني: قنت لأجلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر شهراً يدعو لهما :

الأول: سَلَمَةُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بن عبد الله بن عُمَر بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ ، أخو أبي جهل بن هشام:

من السابقين الأولين في الإسلام، فقد أسلم قديمًا بمكة، وهاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية ، أمه ضباعة بنت عامر بن قرط ، ، ولما رجع من أرض الحبشة إلى مكّة حبسه أبو جهل وضربه وأجاعه وأعطشه. 

ومن شدة مأأصابه قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا في صلاة الفجر يدعو له:

عن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى صَلاَةِ الفجر شَهْرًا، يَقُولُ فِى قُنُوتِهِ: "اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ... اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"، ثم يستمر في دعائه فيقول: "اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى قريش، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِىِّ يُوسُف. والحديث في البخاري، ومسلم.

لم يتمكن سلمة من الهجرة إلى المدينة إلا بعد غزوة الخندق، وبالرغم من مقتل أخويه أبو جهل والعاص بن هشام في غزوة بدر، إلا إنه ظل محبوسًا لدى المشركين في مكة، ثمّ تمكن من الفرار بعد غزوة الخندق.

وهؤلاء الثلاثة من بني مخزوم، فأما الوليد بن الوليد فهو أخو خالد، وأما عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة فهو ابن عم خالد.

الثاني: عَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ (عمرو) بْنِ الْمُغِيرَةِ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، أخو أبي جهل بن هشام لأمه وأمهما: أم الجلاس.

 

الثالث:

هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بن هاشم بن سُعَيْد، بالتصغير، بن سَهْم بن عمرو القرشي السهمي.

أخو عمرو بن العاص، كان أصْغرَ سنًا من أخيه عمرو، هاجر إِلى أَرض الحبشة، ثم قدم إِلى مكة حين بلغه أَن النبي صَلَّى الله عليه وسلم هاجر إِلى المدينة، فحبسه قومه بمكة حتى قدم بعد الخندق.

 

الرابع:

عَبْدُ اللّهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو القرشيّ العامريّ، يُكْنى أبا سهيل 

هاجر إلى أرض الحبشة الهِجْرَةَ الثانية ، ثم رجع إلى مكّة، فأخذه أبوه وأوثقه عنده، وفتنه في دينه، ثم خرج مع أبيه سهيل بن عمرو يوم بَدْرٍ، وكان يكتم أباه إسلامه، فلما نزل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بَدْرًا انحاز من المشركين وهرب إلى رسول الله مسلمًا، وشهد معه بَدْرًا والمشاهد كلّها، وكان من فضلاء الصّحابة، وهو أَحَدُ الشهود في صلح الحديبية، وهو أسنُّ من أخيه أبي جندل، وهو الذي أَخذ الأمانَ لأبيه يوم الفتح، ‏واستُشهد يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة. .

ويبقى السؤال قائماً: لم عاد هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم إلى مكة بعد أن وصلوا إلى الحبشة، ونجاهم الله من أيدي الظلم والظالمين؟!!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين