الحاجة إلى مدارس علمية متعددة

 

- في العقود الأخيرة المدرسة السلفية بدعاتها ووعاظها وعلمائها وجامعاتها .. تستفرد بالساحة الإسلامية بشكل يكاد يكون الوحيد ، فلا يجد غالبية الشباب المسلم أمام قوة حضورها إلا التأثر بها ..

سابقا كان الأزهر كمؤسسة وعلماء .. يحقق التوازن العلمي والمعرفي في الساحة الدعوية ، فلا تستفرد مدرسة ولايتعصب شاب ..

 

-  مثال على ذلك : تأتي المدرسة السلفية المعاصرة وتنطلق من فهم شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله ،للأسماء والصفات على أنه هو اعتقاد السلف .

فيأتي أحد الأزهريين وهو الشيخ منصور عويس ، ويؤلف بجرأة كبيرة كتابا علميا بعنوان ( ابن تيمية ليس سلفيا ) فيؤكد أن السلف على التفويض لا الإثبات .

 

كما تأتي المدرسة السلفية المعاصرة وتؤلف عملا علميا تقول فيه : ( إن المجاز سلاح يستعمله أهل البدع في تحريف نصوص الصفات ) .

فيخرج عالم أزهري كبير  د. عبد العظيم المظعني ، ويؤلف كتابا ضخما يرد على ذلك بلاغيا ، بل عقديا حين يناقش ابن القيم ، رحمه الله ، في كتابه المهم ( الصواعق المرسلة ) ..

 

-  مثال آخر :  يأتي أحد علماء المدرسة السلفية ويؤلف كتابا أو اطروحة جامعية أو يحاضر أمام الناس بأنه لابد من الاتباع الكامل للكتاب والسنة، وأن نقف عند الدليل فقط  ..

فيأتي أحد العلماء الشوام لأزهريين  د. مصطفى الخن ، ويؤلف اطروحة جامعية في الأزهر بعنوان " أثر القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء " هادفا من ذلك - كما بين رحمه الله في مقدمتها - الرد الأصولي على من يريد أن يستنبط الحكم الفقهي مباشرة من النص مع تجاوز التراث الفقهي وقواعد الأصول ..

ويكتب من بعده الأستاذ المحدث الشيخ محمد عوامة كتابه الفريد " أثر الحديث الشريف في اختلاف الأئمة الفقهاء" ليرد فيه على دعوى الاستغناء عن المذاهب الفقهية الأربعة المتبوعة وتوحيد الأمة على مذهب فقهي واحد بالاعتماد على الحديث، فينقض هذه الدعوى بأن الحديث الشريف نفسه من أهم أسباب الاختلاف الفقهي ، وإن الدعوة إلى تجاوز هذا الخلاف السائغ عبث وفوضى ...

وهكذا ..

 

هنا سيجد الشاب أمامه أخذا وردا بين المدارس وقاماتها العلمية ، وكل يدلي بحجته ودليله ..

وبالتالي تضعف - والحالة هكذا - بيئة التعصب ومحاضنه ، فيخبت ولاينتشر قول من يقول :

أنا الحق وغيري الضلال

أنا الهدى وغيري الباطل

أنا السنة وغيري البدعة

أنا الإيمان وغيري الإرجاء

أنا فقط من يتبع منهج الأنبياء 

أنا فقط من يفهم حقيقة ( لا إله إلا الله ) !!

 

لذلك أرى أن هناك مشكلة ما  والحل - في ظني - يلوح بالأفق : 

الأزهر ضعف منذ زمن ولم يعد شامخا كالسابق ، فالأمل في تركيا بأن تأخذ زمام المبادرة لكي تحدث فيها نهضة علمية شرعية ، تحقق التعددية المطلوبة ، كالتعددية الفقهية تاريخيا التي حققت التوازن وخففت نسبيا حدة التعصب الأعمى ..

والذي يؤهلها لذلك هو :

1 - تجذر الأشعرية ( والماتريدية ) والصوفية فيها ، سواء اجتماعيا أو علميا ..

2- دعم النظام السياسي القائم للتدين الشعبي وتراث البلد العلمي ..

3- هي الآن تستقطب الدعاة والإسلاميين وطلبة العلم من كل مكان ، والجميع يعرف أن بداية التأثر السلفي ظهر عند من درس أو عمل في بعض البلاد  ، سواء تأثرا بالوضع الاجتماعي أو بالطرح العلمي والدعوي ..

4- هذه وغيرها يحقق ظهور دعاة ووعاظ وعلماء ومفكرين ومؤلفات ووسائل إعلام وجامعات .. مما يساهم في بسط خيار آخر أمام الشاب المسلم .

 

هذا ما بدا لي, والله تعالى أعلى وأعلم .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين