وكلٌّ يدَّعي وَصْلاً بليلى

 

(مقالة حول الهالات المصطنعة)

 

الهالة التي يضعها أو ينثرها الباحث في بحثه لمسألة ما، كثيراً ما تؤثر في العقول، وتهيمن على المتلقي لأول وهلة ويصدِّق بها، وقد يبني عليها بعض الأحكام. وعند إعادة النظر تجد أن الكلام يفتقر إلى الدليل، ثم إنك إن وجدتَه ذكر دليلاً ترى أن استدلاله فيه خلل وخطل، فضلا عن أنه في كثير من الأحيان يفتقر إلى الموضوعية أساسا. 

ناهيك عن أبحاث أهدافها تجارية أو سياسية أو غير ذلك.. وهي تتلبس لبوس العلم، وتتزيى بزيه زوراً وبهتاناً، وتنطلي على الكثير من المثقَّفين إلا من رحم الله.

وعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر بعض عبارات التهويل والتضخيم التي سمعتها أو قرأتها كثيرا، وخرجتُ - ومع الأسف - بأنها دعاوى لا دليل عليها، وهذا لا يمنع صدقَ بعضها وقليل ما هم. فمن تلك العبارات: 

- تتبعت هذا الموضوع لأكثر من عشرين عاماً فخلصتُ إلى كذا وكذا.. 

- أنشأنا لهذه المهمة مركز أبحاث يقوم عليه عدد من الخبراء والاستشاريين المحليين والإقليميين..

- وقد تتبعت كلام المتقدمين في هذه المسألة فلم أجدهم اهتموا بهذه القضية الشائكة إلا ما ندر.. 

- هذا الكتاب الذي بين يديك هو خلاصة مئات بل آلاف الصفحات التي عملت فيها لعقود من الزمن.. 

والعاقل هو الذي إذا ازداد علماً فإنه يزداد علما بجهله. ونتيجة ذلك فإنه يزداد تواضعاً واعترافا بجهله وتقصيره، ويحمله هذا على أن يضع الأمور في نصابها، وأن يكيل بمكيال واحد في جميع الحالات.

 

وبعد فالهدف من هذا المنشور: أن يتبصَّر من رزقه الله عقلا وعلماً فلا يستجيب لكل دعوة، ولا يردد كلام كل ناعق، وأن يسأل أهل التخصص والعلم فإنما شفاء العي السؤال، فما أكثر الذين يهرفون بما لا يعرفون، خاصة وبعد أن كثُرت (المنابر الالكترونية) فارتادها كلُّ من هبَّ ودبَّ، وسامها كلُّ مفلس، وتكلَّم في العلوم والفنون غير أهلها، وسلكوا في ذلك معوجَّ السبل، ومنحرَف الطرق.

 

وأجزم بأن هؤلاء الذين يهرفون بما لا يعرفون لو لم يجدوا آذانا صاغية لما تمادَوا في دجلهم وخلطهم وغَيِّهم.

 

إن أمورا عويصة، ومشاكل جسيمة تَعرض لأهل العلم والمِراس ليقضون فيها الليالي والشهور الطويلة، ولا يدَّخرون وسعهم في كشف اللثام عن خفي الحقائق، ودقائق الأمور، بل إنهم يَعرضون ما أشكل عليهم على أهل العلم دوماً وأبدا، وهذا الزمان أصبحت فيه الهمم في المعالي ضعيفة كليلة إلا من رحم الله، والعلم بضاعة زهد فيها بعض أهلها، فغيرهم بها أزهد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين