إعمار الْكَوْن

 

يعيش العالم العربي والإسلامي حالة من الجهل والتخلف والإحباط يجعل الإنسان يشعر بالحزن العميق والألم الكبير لما وصلت إليه مجتمعاتنا من التردي في كل شئ وعلى جميع المستويات.

لا أتكلم في مقالي هذا عن الدين والاعتقادات والآخرة  و الجنة والنار ، فكل أمة من الأمم لها دياناتها و معتقداتها ، فكما نعتقد نحن المسلمون بأننا أصحاب حق و ديننا الحق وهو آخر الديانات السماوية ونؤمن بذلك إيمانا عميقا  ، يعتقد غيرنا من الشعوب بأن دينهم حق أيضا ويؤمنون به إيمانا عميقا .

فالصين  على سبيل المثال تتطور بشكل مذهل

في الصناعة و التكنولوجيا و البنية التحتية و التعليم و الرعاية الصحية و الطرقات و المواصلات و الاتصالات والخدمات والمظهر العام ، وهذا حتما حصل عندما حصل التطور أولا في طريقة التفكير عند الناس لأن الذي يُحْدث التغيير نحو الأفضل هو العقل الإنساني والبشري. كل هذا التطور يلاحظه من يعرف الصين من قبل  و كيف صارت الآن.

أتكلم هنا عن إعمار الكون الذي أمرنا الله به والذي هو صلب الفهم لديننا  ، فديننا ليس محصورا في قضية العبادات التي هي علاقة العبد مع ربه عز وجل ، هذه العلاقة التي يجب أن تنعكس بشكل طبيعي على مفاهيم الإنسان  و فكره و سلوكه اليومي  وعلاقاته مع أفراد المجتمع كل حسب موقعه.

لا يمكنني إطلاقا أن أتخيل أن الجيل الأول من الصحابة الكرام فهموا الإسلام جلوس في المسجد و تسبيح و تهجد وانعزال ،، فقد كان العشرة المبشرون منهم من كبار رجال الأعمال ولعبوا دورا أساسيا في بناء الحضارة المجتمعية والسلوكية وبناء المنظومة الاقتصادية وقاموا  في تهيئة فرص العمل ورفع مستوى معيشة الإنسان و إنقاذه من الفقر ومن الحاجة في ذلك الزمان وتأمين مستلزماته الضرورية .

الأمن الغذائي و الصحي و الاجتماعي والتعليمي والأمني من أهم مكونات الاستقرار النفسي عند الانسان ، وعندما يتم قياس تطور و تقدم الأمم تكون هذه العناصر في مقدمة المعايير.

  

لنكن واقعيين ونبتعد قليلا عن المثاليات التي تكون مجردة أحيانا عن الواقع الحقيقي ، فقد وضع ديننا منظومة متكاملة لكل شئ يحتاجه الإنسان في حياته ، وتصلح هذه المنظومة لكل زمان وحتى قيام الساعة ، وإلا دين عظيم شامل كهذا الدين لا يمكن أن يكون قاصرا في شموله لمنظومة الحياة الدنيا للبشر .

 

نحن نعيش حالة من الجهل العميق و الفقر المدقع و التهجير المؤلم والنزوح و الشتات مع القتل والإجرام الذي لايتصوره البشر ،

 

ولا تعرف شعوبنا الأمن الغذائي ، ولا الصحي ، و لا الاجتماعي ، ولا التعليمي ،  ولا النفسي  ولا العدالة ،و تعيش حالة من البطالة والكسل والخنوع ، ولا تعرف كيف تصنع و تنتج و تضيع أوقاتها في الترهات و سفاسف الأمور.

 

من المسؤول عن كل هذا التخلف ؟

نحن، نعم نحن ، كل واحد فينا مسؤول.

 

يجب ألا نقوم بإلقاء اللوم على الغير ولنكن منصفين مع أنفسنا ، فالإصلاح يبدأ بالفرد أولا ، ولا يمكن أن تكون هناك عصا سحرية تقوم بإصلاح المجتمع كله فهذا ضرب من الخيال والاستحالة .

الفرد أولا ثم الأسرة ، بناء الأسرة من جديد . فهناك مساحات واسعة كثيرة يستطيع الفرد القيام بها ليساهم في عملية الإصلاح المجتمعية على جميع المستويات و الأصعدة.

 

مسؤولية رجال الأعمال و الاقتصاديين أن يكون لهم دور جديد في إعادة تكوين مفهوم جديد في عالم الأعمال والاقتصاد.

مسؤولية المربين و أصحاب الفكر أن يبينوا للناس حقيقة الكون وفهم كنهه ويعيدوا التصور الحقيقي لمفهوم الدين و الحياة  .

مسؤولية الإعلاميين ، و الأطباء ، والمهندسين ، والمعلمين ، والفنانين ، والمرأة و الرجل على حد سواء.

مسؤولية الجميع أن يقوموا في إعادة المفاهيم الصحيحة للحياة ،  ونشر القيم و الأخلاق الفاضلة كالصدق و الأمانة والتواضع والمحبة والتي تحكم المجتمعات السليمة.  

 

شئ محزن أننا نعيش في حالة مرعبة تجعل الناس في قلق أحيانا ، وشكوك أحيانا أخرى  ، وهذا يحتاج لوقفة تأمل مع الذات و مع النفس ، وتحتاج هذه الحالة لتصحيح كثير من المفاهيم التي سيطرت على تفكيرنا لعقود طويلة من الزمن فصرنا خارج دائرة التاريخ.

 

ويجب أن نتوقف فورا عن التغني بالماضي المجيد و بأمجاد السلف و ماحققوه من تقدم علمي و فكري واجتماعي  ونقول ونحن في أدنى مستويات الجهل و الكسل  أن أوروبا قامت على أكتاف الحضارة الإسلامية و علوم الفارابي و ابن سينا و الرازي  ، لأننا في هذا التغني في أحاديثنا و مقالاتنا هو إدانة واضحة  لأنفسنا وعقولنا وكسلنا و عجزنا ، ويجب أن ننهض من جديد بأيدينا وتغيير مفاهيمنا ،  وكفانا نوما و سباتا وتخلفا وجهلا. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين