قواعد منهجية في الدعوة إلى الله

إعداد
د. حمزة أبوالفتح بن حسين قاسم محمد
عضو رابطة العلماء السوريين

 
بسم الله الرحمن الرحيم

تقدمة وتمهيد:
إن الحمد لله تعالى ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يُضلل فلن تجد له ولياً مرشداً . والصلاة والسلام على محمد عبدالله ورسوله ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان ، وبعد :
فقد شاء الله تعالى أن تشق دعوة الإسلام طريقها في جميع بلاد العالم ، ودخلت إلى قطاعات المجتمع المختلفة ، وشارك فيها الرجال والنساء والصغار والكبار ، والمشتغلون بالتخصصات الشرعية والعلمية والإنسانية ، مع ما اعتراها من مصاعب وعقبات ، أبرزها :
1 ـ النقص في البرامج التي ًتعد الداعية إعداداً وفق مستويات مختلفة لتلائم حاجات متنوعة .
2 ـ تأخر سن العطاء بسبب انتشار المعارف والمعلومات واتساع القراءات والتجارب .
3 ـ الجهود المعادية لطبيعة الدعوة ، ذات الإمكانيات الكبيرة ، والخبرات الواسعة في الصد عن سبيل الله .
4 ـ كثرة مغريات الحياة ومشاغلها وتعقيداتها .
هذه الأعباء وغيرها تُلح علينا أن ننقل الدعوة من ميدان المشاعر والانفعالات والخطب والمقالات إلى ميدان التخطيط والتنظيم والبرمجة والتأهيل والتقعيد.
ورغم النتائج الإيجابية التي حققتها الدعوة إلى الله، إلا أنها بحاجة إلى المزيد من توظيف الطاقات والإمكانات، وحشد كل الجهود في سبيل البناء، الذي يتطلب إعداد الدعاة للعطاء وفق قواعد وأطر، وخلاصة مُركزة في التربية والتنظيم والتخطيط والمتابعة.
وما سطرته هنا محاولة لتنظيم العمل الدعوي، ووضعه ضمن قواعد وأطر منهجية، مستمدة من الكتاب والسنة، وما ورد عن الصحابة رضوان الله عليهم، والتابعين لهم بإحسان، لتكون نبراسا يسير على وفقها الدعاة إلى الله، ويكون سيرهم الدعوي على هدى وبصيرة، نابذين للعنف والشدة اللذين كانا أخطر أسلوبين منفرين عن سبيل الله عز وجل.
وقد بلغت هذه القواعد إحدى وعشرين قاعدة، متبوعة بعدد من المبادئ العامة في السلوك والتعامل مع الجمهور المستهدف في الدعوة.
فأقول وبالله التوفيق ومنه السداد.
القاعدة الأولى ـ الدعوة إلى الله سبيل النجاة في الدنيا والآخرة:
على الداعية أن يعلم أن الله تعالى إنما خلق الإنسان لعبادته لقوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }( ) والعبادة لا تكون إلا على بصيرة، والبصيرة لا تكون إلا وفق منهج الله الذي أنزله على رسله وأنبيائه، فكان هؤلاء المرسلون والأنبياء دعاة يهدون إلى الحق، وكان هذا هو شغلهم الشاغل تحقيقاً لمراد الله الذي جعل آدم خليفة في الأرض، يقضي بقضاء الله وينفذ أمر الله، فقال تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}( ). فكان مراد الله تعالى من خلق الإنسان أن يكون مشتغلاً بأمره وهو القائل سبحانه: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } .
يقول الرازي: "ما العبادة التي خلق الجن والإنس من أجلها؟ قلنا : التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله " ( ).
ثم يقول: "ولما كان التعظيم اللائق بذي الجلال والإكرام لا يُعلم عقلا، لزم اتباع الشرائع فيها والأخذ بقول الرسل عليهم السلام ، فقد أنعم الله على عباده بإرسال الرسل وإيضاح السبل في نوعي العبادة"( ) .
والدعوة إلى الله تعالى أبلغ مظهر من مظاهر تعظيمه ، ودليل شفقة على عباد الله ، التزم بها أنبياء الله ورسله الكرام حفاظا على الغاية من خلق الله لهم .
القاعدة الثانية ـ ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمُر النَّعم ):
هذا ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم  عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه عندما أعطاه الراية يوم خيبر، فقال عليُّ: علام أقاتل الناس، تقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: "على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمُر النَّعم" ( ). وذلك لأن هدى الله هو الهدى، وأنه ليس بعد الهدى إلا الضلال، وعندما يوفق الله تعالى داعية من دعاة الإسلام فيهيء له من يقبل دعوته فإن نتائج هذا القبول عظيمة جليلة ، منها:
1 ـ أن في ذلك استنقاذاً لهذا المهتدي من النار، وصيانة له من سعيرها ولظاها، وما صُرف عنه من النار إنما كان ـ بعد فضل الله ـ بجهد الداعية وعنايته، الذي يقدم الجنة هدية للناس من حوله، ويدلُّهم على مقامات السعادة .
2 ـ كل حركة وسكنة يتحركها المهتدي، وكل تسبيحه أو تكبيرة ينطقها، وكل ركعة وسجدة يفعلها، وكل إحسان يُجريه الله على يديه، فإنما كان الداعية سبب كل ذلك وطريقه الدال عليه. وإن له مثل أجر فاعله لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "الدال على الخير كفاعله" ( ). ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: "من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء"( ). وهذا باب من الأجر لا يُغلق، ويتنامى يوماً بعد يوم.
3 ـ أن من يهتدي على يد الداعية يكون عوناً للداعية على أداء رسالته، ويضمُّ جهده إلى جهد الداعية .
4 ـ أن الهداية أسلوب من أساليب النصر المادي، الذي لا يتحقق إلا عن طريق Vادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} ( ).
5 ـ أن من يهديه الله على يدي الداعية إنما هو لبنة نُزعت من بناء الجاهلية ووضعت في بناء الإسلام، وسيكون هذا على حساب الكفر والضلال، وهو خسارة للشيطان وأعوانه، وكسب للرحمن وأنصاره.
القاعدة الثالثة ـ الأجر يقع بمجرد الدعوة ولا يتوقف على الاستجابة:
فقد وجه الله تعالى رسول محمداً صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى عندما أمره بالدعوة والتبليغ ولم يطالبه بالنتيجة، فقال: {فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ}( ). وقال: {فهل على الرسل إلا البلاغ المبين {( ). وقال: {وما على الرسول إلا البلاغ المبين}( ). فأمر الهداية بيد الله تعالى، وهو القائل: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} ( ).
ومن فقه هذه القاعدة أن لا يقع الداعية تحت الإحباط والضغوط النفسية الناشئة عن إعراض الناس وعدم استجابتهم. ولقد رفع الله تبارك وتعالى الحرج عن نبيه صلى الله عليه وسلم ولم يكلفه إلا بما يستطيع، فقال: {ليس عليك هداهم }( ).
وقال له: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا} ( ). وقال: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات}( ).
وكذلك رُفع هذا الحرج عن الدعاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إن لم يهتد الناس ولم يستجيبوا لهم بعد استنفاد غاية الجهد معهم؛ لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
كما أن في هذه القاعدة علاج لأولئك المتعجلين من الدعاة الذين ينتظرون النتائج الدنيوية الظاهرة، ويجعلونها شرطاً للمواصلة والسير في طريق الدعوة. وهو تلازم ناشئ عن سوء فهم من جهة، ومخالفة صريحة لقواعد الدعوة في القرآن والسنة من جهة أخرى.
ولا يعنى هذا أن الداعية غير مطالب ببذل قصارى جهده، واستخدام أحسن ما يستطيع من الأساليب والوسائل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) سورة الذاريات ، الآية : 56.
( ) سورة البقرة ، الآية: 30.
( ) تفسير الرازي 28/435.
( ) المصدر السابق.
( ) أخرجه البخاري ( فتح الباري ) 6/111.
( ) صحيح مسلم ، كتاب الإمارة ، ح 1893 ، ص 3/1406 . وسنن أبي داود ح 5129، ص 5/346، والترمذي ح 2674، ص 5/43.
( ) صحيح مسلم ، ح 1017 ، ص 2/704 و ح 2674 ، ص 4/2060.
( ) سورة النحل : الآية 125.
( ) سورة الشورى الآية : 48.
( ) سورة النحل الآية : 35.
( ) سورة النور الآية : 54.
( ) سورة القصص الآية : 56.
( ) سورة البقرة الآية : 272.
( ) سورة الكهف الآية : 6.
( ) سورة فاطر الآية : 8.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين