الفقه السياسي عند المسلمين ـ 2 ـ

لفضيلة الأستاذ الشيخ محمود فياض

تحدثت في الكلمة السالفة عن بعض إنتاج المسلمين في الفقه السياسي، ورأينا التراث الضخم الذي خلفوه في البحوث السياسية المستقلة عن علوم الفقه والأصول‏ والكلام، والآن نتحدث عن اتجاه هذه البحوث على وجه عام.
في عصر العباسيين قامت حركة التأليف والترجمة والتدوين على قدم وساق،  وجميع ما خلفه المسلمون الأول، يرجع تقريبا إلى هذا العصر، أو إلى أصول وضعت في هذا العصر، وكان العباسيون يهتمون قبل كل شي‏ء بتركيز دعائم‏ ملكهم، لهذا كانت حرية الرأي-على مبلغ احترامها وعظم مكانتها في الإسلام- مستظلة إلى حد ما بلواء العباسيين، وقد كان للعباسيين خصوم من العرب يمثلهم‏ بنو أمية الذين استطاعوا ابتناء ملك واسع ومجد عريض في الأندلس، يماثل‏ -إن لم يفق- ملك بني عباس ومجدهم في الشرق، وخصوم من غير العرب بتزعمهم‏ ويثيرهم أبناء عمومتهم العلويون، وفي ظلال الحكم العباسي تنبهت القوميات الغافية،  وتحركت الأطماع في نفوس كثيرين من أبناء الأمجاد الأول التي غلبها الإسلام،  ولهذارأى العباسيون من حقهم أن يشرفوا على توجيه البحوث ومراقبه‏ «الإنتاج» الفكري في ملكهم، ولعل هذا هو السر في اتجاه البحوث السياسية في كتب الأحكام السلطانية الاتجاه الواقعي، بدليل أنها كانت استجابة لرغبة حاكم أو هدية إلى حاكم، وبعبارة أخري: إن كتب الأحكام السلطانية، قصد بها تقرير الأوضاع التي تُعورفت سياسيا بين المسلمين وتنزيلها على مبادئ الإسلام،  أو تنزيل مبادئ الإسلام عليها بتأويلها أو تلوينها بحيث لا تختلف مع العرف‏ السياسي- تقريرا يتمشي مع وجهة نظر العباسيين وظروفهم الخاصة، قد يكون هذا وقد يكون غيره أيضا.
فعلماء الإسلام الأُول، وجدوا أنفسهم في أمة حية تعيش في دولة قائمة لها دستورها وأحكامها وتعاليمها، في شتي نواحي الحياة: في الدين، والأخلاق،  والاقتصاد، والاجتماع، وأمور الحكم والقيادة، في كل شي‏ء، فلم يشغلوا أنفسهم‏ ببحوث فريضة سياسية، عن أصل الدولة، وكيفية قيامها، ومدى الارتباط بين‏ سيادة الحاكم وحقوق المحكومين، لأنهم وجدوا دولتهم قائمة بالفعل على أساس‏ من القرآن والدعوة إلى مبادئه، التي تجعل من الحاكم خادماً لا سيداً- وإن كانت‏ له سيادة فعلية معترف بها- وعلى هذا لم يتحدث علماء الإسلام الأولون عن أصل‏ الدولة، وهل هو «زعامة العائلة» اعتمادا على طبيعة الإنسان الاجتماعية،  أو هو «الزعامة الدينية» التي قام عليها ملك بني إسرائيل القديم، لأن ملوكهم‏ في نظرهم خلفاء لأنبيائهم، أو هو«حق ملكي مقدس»بمعنى أن الله اختار شخصاً وملَّكه على بقعة من أرضه، وسلَّمه السلطة مباشرة فهو مسئول أمام الله وحده‏ مباشرة لا أمام الشعب، أو هو حق الفتح والغلبة، يرتفع عن طريقه شخص‏ أو عائلة إلى السيادة في بقعة ما من الأرض، أو هو نتيجة لخطيئة آدم الكبرى‏ أوجدها الله لتكبح جماح الأفراد، وتحد من حرياتهم عقاباً لهم على هذه الخطيئة،  كما يرى ذلك آباء المسيحية الأول؛ أم أن الأصل فيها هو قيام تعاقد بين الأفراد وحكامهم نتيجة لتصادم حريات الأفراد الأحرار المتساويين من كل وجه؟ واتفاقهم على الخروج من حالة الطبيعة إلى حالة جديدة يتنازل فيها كل منهم‏ عن شي‏ء من حقوقه وحرياته فكانت الدولة، وهل هذا التعاقد يقيم ملكية مطلقة مستبدة، أو ملكية دستورية مقيدة، أو يعطي للشعب السيادة المطلقة على حكامه؟ كل هذا لم يشغل المسلمون أنفسهم به في العصر الأول لتدوين الفكر الإسلامي،  لأن البحث عن حالة ما قبل الدولة يقوم على أسس خيالية يفترضها الباحثون‏ لتبرير نظرية خاصة، وليس بحثاً يقوم على حقائق علمية معترف بها عند العلماء،  وهذا النوع من البحث الفرضي، إن جاز في بيئة علمية لا يحكمها دستور قائم،  فإنه لا محل له، أو هو مضيَعة للوقت في بيئةعلمية يحكمها دستور قائم«القرآن‏ والسنة» تناول كل شئون الحياة الإنسانية، وحدد للأفراد وللحكام الحقوق‏ والواجبات، بما لا يدع مجالا لطغيان هؤلاء أو أولئك-عند العقلاء- وما كان‏ لهم أن يفترضوا فروضاً، وعندهم حقائق مقررة تصرفهم عن مثل هذه الفروض،  ومن هذه الحقائق الثابتة عندهم: الملك لله الواحد القهار، الحكم لله أحكم الحاكمين،  والأرض لله خالقها وخالق الكون، والله هو المشرع وعلي هدي تشريعه قامت‏ دولة المسلمين. وإذن فليتجه البحث إلى التشريع الذي أقام الدولة، لا إلى حالة فطرية سبقت تحضر الإنسان، وهولا يعلم بالضبط متى تحضّر!!
ولكن لا بد لنا من الحديث عن أصل الدولة في نظر الإسلام، ولدينا من‏ النصوص الصحيحة ما يساعدنا على تجلية وجهة نظر الإسلام في أصل الدولة،  ونحن نحاول قدر طاقتنا بيان ذلك فيما يلي:
أولا-الإسلام(القرآن) دستور عام خالد لا يتبدل ولا يتغير، وهو هداية ربانية إلى أمثل منهج يحقق للإنسان السعادة في الدنيا والآخرة، في شئون‏ الدين والعبادة، وفي تدبير مصالحه الدنيوية[إِنَّ هَذَا القُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ] {الإسراء:9}  فهو يهدي الإنسان إلى المنهج الذي اختاره الخالق سبحانه لعبادته، ويهديه إلى خير الوسائل التي تضمن له الحصول على ما قرره الله له من حقوق، والقيام بما ألزمه‏ به من تكاليف، ومقررات القرآن الكريم، وتوضيحات السنة الصحيحة لمبادئه،  مقررات ثابتة لا يجوز العدول عنها لهوي النفس، وتبدل الأوضاع.
ثانيا-حرض الإسلام العقل على التحرر من قيود الجمود التي فرضتها الوراثة عن الجدود. وكان تحريضه بالغاً عندما فرض له تعدد الآلهة، ورتَّب ما رتب‏ على التعدد من فساد، فتحرر العقل وتوصل مقتنعاً إلى ما دعا الإسلام إليه من‏ وحدانية الخالق وتفرده وحده بالخلق والإيجاد، فاستبان للناس-أن الخالق واحد وهو المالك لكل ما خلق، فالكون ملك لله. والناس عبيد لله، سواء في ذلك‏ آحاد الآدميين وخاصة الرسل والأنبياء، وبهذا المبدأ السامي ألغى الشرك في العبادة (الشرك الديني) وألغيت الفروق بين الناس (الشرك الاجتماعي)، فكما أنه ليس‏ من العقل عبادة غير الله مما خلق، فليس كذلك من العقل التفرقة بين الناس‏ الأحرار المتساويين في الخلق والعبودية للخالق، بدافع من جنس أولون، أو بدافع‏ من حسب ونسب، أو غنى وفقر، فكل هذه الفروق لا اعتبار لها عند وزن‏ القيم، وفي ذلك يقول الله سبحانه:
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ] {الحجرات:13}
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ] {النساء:1}
ويقول الرسول الكريم: (الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، الناس لآدم وآدم من تراب) ، وقد جعل الإسلام مقياس الفضل والكرامة، هو حسن العمل ومقدار النفع الذي‏ يقدمه الشخص للإسلام والمسلمين [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ] {الحجرات:13} فأفضل الناس‏ أبعدهم عن الشرك وأنفعهم للناس، وأشقي الناس من شقي به الناس، [مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً] {النحل:97} حرية تامة، ومساواة مطلقة، لا يقيدهما إلا صالح الإسلام والمسلمين، والناس في ذلك سواء، ليس لأحد أن يبتغي عزة أو سيادة على أخيه، فإنه من كان يريد العزة، فلله العزة ولرسوله‏ وللمؤمنين، ومن ابتغى وراء ذلك فهم العادون. فالله سبحانه هو السيد وخلقه هم‏ عبيده ، ونسبتهم إليه واحدة، يعيشون في ملكه الذي خلقه لهم، وسخر لهم ما فيه.
ثالثا-المجتمع المسلم. هو مجتمع يقوم على مبادئ الإسلام، ويرتبط أفراده‏ بجملة روابط قوية، تتحكم في قوته، وتوجهه إلى الهدف المنشود. يربط بين أفراده‏ اعترافهم بالسيادة المطلقة لله رب العالمين، لأنه الصانع الذي يملك ما صنع، وتربط بينهم أخوة إنسانية عامة: لأنهم بنو أب واحد وأم واحدة، وتربط بينهم أخوة في الإيمان بالإسلام، عقدها الله بينهم لتكون منهاجا لتحقيق الأخوة الإنسانية العامة في محيطها الواسع، إذا رغبت الإنسانية في سعادتها بالإسلام، وتربط بينهم‏ وحدة الهدف، وهو نشر الإسلام، للبلوغ بالإنسانية كلها، إلى الكمال والسعادة والسلام، وتربط بينهم وحدة التكاليف لبلوغ الهدف، فلا اختيار ولا امتياز لأحد في التكاليف الربَّانية، يستوي في ذلك المسلم الأول صلوات الله وسلامه عليه‏ وأصغر المسلمين شأنا، ويربط بينهم. مسئولية عامة مشتركة عن سلامة الدين وسلامة الفرد والجماعة، وتوفير كل مستطاع من وسائل الحياة الحرة الكريمة للفرد والجماعة.
رابعا-هذا المجتمع الذي يقوم نتيجة لمبادئ الإسلام، ويرتبط أفراده‏ بهذه الروابط، هو مجتمع يقوم في أرض الله، ومجموعة أفراده (الأمة) مخاطبة رأسا بتكاليف الله (يا أيها الناس)، (يا أيها الذين آمنوا)، (افعلوا الخير)،  (واعبدوا الله ولا تشركوا)، وخطاب الله للأمة شمل جميع التكاليف الفردية كالصلاة والزكاة والصوم، والجماعية كالحكم ولوازمه من إقامة العدل وتنفيذ الحدود [وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ] {النساء:58} ، [وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللهِ] {المائدة:38}  [الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ] {النور:2}  الخ. وهذه‏ المجموعة قد استخلفها الله في أرضه لعمارتها وإقامة أحكامه المكلفة بها، فكل ما تملكه فهو ملك لله، [وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ] {الحديد:7} [وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ] {الملك:15} .
وهذه الأمة المخاطبة المكلفة المسئولة، هي الأمة الإسلامية، فإن عاشت كلها تحت لواء واحد، وحكم واحد، وخضعت لمقدرات واحدة، في الأرض المحدودة التي تعيش فيها شعوبها، والتي لا يسيطر عليها غير أبنائها، ولا تخضع سيادتها لسيادة غيرها- كما كان الحال في عصور الخلافة الإسلامية مثلا-إن كانت كذلك‏ قامت الدولة الإسلامية التي تظل الأمة الإسلامية، وإن عاشت شعوبها مستقلة كل شعب في أرضه، يحكمه حاكم خاص، غير حكام بقية شعوبها، قامت في أرض‏ كل شعب دولة مسلمة- كما هو الحال اليوم-تتميز بكل مميزات الدولة، ولكن‏ هذا الاستقلال والامتياز يجب ألا يخرجها عن أن تكون حلقة قوية في سلسلة الدولة الإسلامية الكبرى «كالبنيان يشد بعضه بعضا»
خامسا-كل دولة لها سيادة عامة على بنيها وأرضها وكل مقدراتها لا تخضع‏ لسيادة دولة أخرىفي شي‏ء من ذلك. والدولة الإسلامية، لها شخصية معنوية،  هي مناط التكليف والمسئولية. وهي التي رد الله إليها العزة والسيادة في أرضه التي‏ تعيش فيها، بعد الله، والرسول الذي أبلغ إليها شرع الله، ووكل الله إليه تنفيذ أوامره والإشراف على مقتضيات سيادته، إماما، وقاضيا، وقائدا، وحاكما عاما للمؤمنين، [وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ] {المنافقون:8} ، [إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا] {النساء:105}.
فالأمة لها على نفسها- بعد الله والرسول - السيادة المطلقة نيابة عن الله، لا ينازعها فيها منازع.  لها كلها كمجموعة -لا لفرد من أفرادها، ومن حق هذه الأمة المكلفة المسئولة،  أن تختار من يباشر سلطتها نيابة عنها - فردا أو جماعة- لأنها مجتمعة لا تستطيع‏ مباشرة تكاليفها، وهذا الاختيار من الأمة يقوم على الرضا، وتوخّي المصلحة العامة، لا بقهر ولا جبر، ولا خديعة، ومن تختاره الأمة لقيادتها يخضع‏ لرقابتها، وليس له شي‏ء من السيادة عليها، لأنه وكيل يخضع لما يخضع له الوكيل‏ في سائر العقود، من رقابة الأصيل الذي يحدد له تصرفاته، ومن هنا جاء الشبه بين‏ نظرية الإسلام ونظريات التعاقد، فهناك حقيقة تعاقد بين الأمة، ومن تختاره‏ لقيادتها يتمثل في البيعة على كتاب الله وسنّة رسوله وصالح المؤمنين، وتعهده هو بالعمل على ذلك، ولكن شتان بين التعاقد في نظريات غير المسلمين، والتعاقد عند المسلمين، فالأول تعاقد يقوم على تنازل الأفراد عن شي‏ء من حقوقهم لمن يختارونه‏ وسلطانهم عليه بعد ذلك منعدم أو محدود، أما تعاقد المسلمين، فهو مجرد توكيل‏ للحاكم يباشر بمقتضاه. وَفق شروط خاصة، سلطات الأمة، ويخضع في جميع‏ أموره لسلطان الأمة ورقابتها، وليس له عليها سوى حق الطاعة إذ التزام الشروط التي تعاقدوا عليها معه، وسنتحدث عن ذلك فيما بعد بشي‏ء من التفصيل.
سادسا: الدولة التي تقوم وفق ما ذكرنا من القواعد السابقة هي: دولة الله!! بمعنى أن الله هو خالقها ومالكها والمشرع لها، وصاحب السيادة المطلقة عليها،  لا ينازعه في ذلك منازع مما خلق، وأن الأصل فيها، هو تكليف الله للأمة،  ومسئوليتها عن صالح الدين والأفراد أمامه سبحانه، وإنابة الله للأمة عنه سبحانه،  في مباشرة السيادة عليها ومقتضيات هذه السيادة؛ونحب أن نشير هنا إلى أن النبي‏ محمدا صلي الله عليه وسلم، قد حرص تمام الحرص على أن يجلي هذا المعنى لأتباعه‏ وخصومه على السواء، حتى في أيام المحنة الكبرى، عندما ثار كثير من القبائل‏ على سلطانه ودينه، وتنبأ كثير من الناس بدافع العصبية والحسد للرسول صلى الله عليه وسلم ولقريش‏ فقد كتب مسيلمة الكذاب إلى الرسول الصادق عليه السلام-يقول: إن الله قد أشركني معك، فلنا نصف الأرض ولقريش نصفها. ولكن قريشاً قوم لا يعدلون‏ يريد مسيلمة -وقد ظن الرسالة ملكاً أو تهدى إلى الملك-أن يقسم الملك والسلطان‏ مع الرسول القرشي صلى الله عليه وسلم في وقت تألبت عليه فيه قبائل كثيرة في اليمن وفي نجد وفي‏ اليمامة وفي بني حنيفة وغيرهم، وقدر أن الرسول صلى الله عليه وسلم في محنته هذه، لابد أن يجيبه،  ولو أن شيئاً من ذلك كان جائزاً في نظر الرسول صلى الله عليه وسلم لأجابه وحل الأزمة، وأراح الإسلام والمسلمين من شرور كثيرة متوقعة، ولكنه عليه الصلاة والسلام‏ رد عليه يقول: بعد الحمد لله والثناء عليه وإظهار كذب مسيلمة: [إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ]{الأعراف:128}  وقد قال صلى الله عليه وسلم لواحد من أتباعه‏ قد تلجلج أمامه في الكلام «هون عليك فلست بملك فأستعبدكم، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة»، وهذا هو معنى قول الله سبحانه وتعالي للرسول:[لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ] {الغاشية:22} .
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر مجلة الأزهر مجلد 22 محرم 1370العدد الأول.
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين