الأمة الإسلامية- 4-

الشيخ مجد مكي
مقومات القوة في الأمة:
إن هذه الأمة المسلمة تملك من الطاقات والمقوِّمات، والإمكانات المادية والمعنوية ما يجعلها في طليعة الأمم، و يمنحها مكانتها كما أراد الله لها :[ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ] {آل عمران:110} . من هذه المقومات:
ـ القوة العددية : فهذه الأمة تملك طاقة بشرية ضخمة، تقدر بنحو المليار ونصف المليار من المسلمين في أنحار العالم، وهي أمة خصبة ولود، فهي في زيادة مستمرة وغيرها في نقص مستمر، وقد امتنَّ الله تعالى بكثرة العدد، فقال على لسان بعض رسله :[ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ] {الأعراف:86} .
صحيح أنَّ العبرة ليست بالكم ولكن بالنوع، ولهذا حذَّر الحديث النبوي أمة الإسلام من عصر: (يوشك أن تتداعى فيه الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها.... ولينزعنَّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم...) أخرجه أحمد (22397) من حديث ثوبان.
شبَّههم مع كثرتهم بالغثاء الذي يحمله السيل من الحطب والقش والأوراق، وكلها أشياء تشترك في أمور أربعة: الخفة والسطحية وعدم التجانس بينها، وفقدان الهدف والغاية من مسيرها، وفقدان الطريق المحدِّد لسيرها .
ففرق بين ماء النهر وماء السيل، فماء النهر له مصب معلوم، ومجرى مرسوم، أما السيل فلا تُعرف له غاية، ولا يُعلم له خط، ولهذا يخرب ولا يعمر، ويفسد ولا يصلح، وكذلك الأمة في المرحلة الغثائية من حياتها.
إننا ندعو للاستفادة من القوة البشريّة للأمة بحسن إعدادها وتعليمها وتربيتها وربطها بأهداف كبرى تعيش لها، وتجاهد في سبيلها لتقيم دولة العدل والإحسان و تشيد حضارة العلم  والإيمان.
ـ القوة المادية: وتملك هذه الأمة الطاقة المادية، والاقتصادية، فهي تملك مساحات شاسعة صالحة للزراعة، لو وجدت من يستغلها بما يناسبها وهناك من المعادن والثروات المدفونة في باطن الأرض، ما لا يملكه غيرها، فمعظم النفط من مخزون عالمنا الإسلامي.
نعم لا ننكر أننا لا ننتفع بهذه الطاقة الهائلة من الثروات  الاقتصادية كما ينبغي، وهذا في حال (غياب الأمة) ونحن نتحدث عن حالة (حضور الأمة) التي تستطيع أن تقيم بينها تكاملاً اقتصادياً، بحيث يتمم بعضها بعضاً...
القوة الروحية: وتملك الأمة ـ قبل ذلك ـ القوة الروحية المستمدة من الرسالة التي أورثها الله إياها، وميَّزها بها عن سواها، ومنحها الوثيقة السماوية الوحيدة التي تتضمن كلمات الله الأخيرة للبشرية، أعني القرآن العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي تولى الله حفظه، فلم ينقص من كلمة ولا حرف :[إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] {الحجر:9} .
هذه الرسالة تتميَّز بالشمول فقد امتدت طولاً حتى شملت آباد الزمن، وامتدّت عرضاً حتى انتظمت آفاق الأمم، وامتدت عمقاً حتى استوعبت شؤون الدنيا والآخرة.
وتتميز كذلك بالتوازن فهي رسالة تمزج المادة بالروح، وتربط الدنيا بالآخرة وهي رسالة تلاءم الفطرة البشرية والعقل الرشيد.
والبشرية أحوج ما تكون إلى هذه الرسالة الحنيفيَّة السمحة، بعد أن أشقتها المادية المسرفة، والإباحية المتلفة، والعصبية المجحفة، ولكن الرسالة لا يقدمها إلا أمة تتمثلها وتجسِّدها، فتقدم للناس النموذج العملي الذي يقتدى به فيهتدى، وإلا فإنَّ فاقد الشيء لا يعطيه.
شروط ضرورية لنجاح الأمة:
وإنما تستطيع أن تثبت هذه الأمة وجودها، وتؤدِّي رسالتها إذا تمسكت بما يلي:
1 ـ أن تحدد هُويتها وانتماءها، ولا هُويَّة لها بغير الإسلام، فهو محور حياتها وسر بقائها، وصانع حضارتها، وقد قال ابن الخطاب رضي الله عنه : (نحن كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزَّ من غيره أذلنا الله).
2 ـ وأن تجسِّد إسلامها في علوم وأخلاق وأعمال، ولا يبقى مجرد شعارات ترفع، أو دعاوى تُدَّعى، أو أقول تقال.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الغاية من رسالته أخلاقية حين أثنى عليه ربه فقال: [وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ] {القلم:4} . وسئلت زوجه عائشة رضي الله عنها عن أخلاقه فقالت : (كان خلقه القرآن) أحمد (24601)، وإنما تستحق هذه الأمة الانتساب إليه إذا اتخذت من أخلاقه أسوة حسنة كما قال تعالى:[لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا] {الأحزاب:21} .
وأول هذه الأخلاق : التجرد لله، والانتصار على شهوات النفس ونزعات العصبية للقبيلة أو الحزب، ونرى العصبيات في أكثر البلاد الإسلامية تمزقها شر ممزق، وتفتح ثغرة لعدوها ليدخل منها ويعبث بمقدراتها.
وثاني هذه الأخلاق : أن تخرج الأمة من العجز والكسل إلى الإنتاج والعمل، وتعبد الله بإحسان العمل: ( إنَّ الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء) أخرجه مسلم(1955) من حديث شداد بن أوس.
(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) رواه الطبراني. وقال الهيثمي في المجمع4: 98 رواه أبو يعلى وفيه مصعب بن ثابت وثقه ابن حبان وضعَّفه جماعة.
لقد أخرتنا أخلاق الضعف والسلبية، فلتتمسك الأمة بأخلاق القوة والإيجابية : (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف...) أخرجه مسلم (2664).
 إن هذه الروح هي التي صنعت الحضارة الإسلامية المتميزة، حضارة العلم و الإيمان، وأقامت دولة العدل والإحسان، فما انتشر الإسلام إلا بأخلاق المسلمين. وجلٌ بلاد الإسلام لم يدخلها جيش فاتح، بل مسلم صالح، على أن الجيش قد يفتح أرضاً، ولا يفتح قلباً، وإنما القلوب تفتح بالإقناع والقدوة.
 
*   *   *

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين