الخلافة الإسلامية تاريخ أم عقيدة

 

تمثل الخلافة في الضمير الجمعي الإسلامي حقبة ذهبية امتد فيه سلطان الإسلام على العالم المتحضر لمدة تزيد على ستة قرون ، وأصبحت الثقافة الإسلامية فيه هي الثقافة الكونية المهيمنة ، واللغة العربية لُغَة العلوم والآداب العالمية.

 

وقد أحدث سقوط الخلافة عام 1923 هزة وجدانية عميقة في طول العالم الإسلامي وعَرضه ، وندب كثير من الإسلاميين أنفسهم وحركاتهم لإعادة الخلافة ، بل إن بعض الأحزاب الإسلامية مثل حزب التحرير ركز في كتبه على ظروف هدم الخلافة وكيفية إعادتها ، بل حَرَّمَ أن يكون للمسلمين في العالم أكثر من دولة واحدة وأكثر من خليفة واحد.

 

وقد حفلت كتب السياسة الشرعية الإسلامية بتفصيلات كثيرة حول كيفية انعقاد الخلافة (بالأكثرية أو العهد أو القهر والاستيلاء) وبينت صفات الخليفة (مسلم، ذكر ,بالغ ,عاقل ، عدل ، قرشي، مجتهد، شجاع  )ومصادر شرعيته وصلاحياته.

 

والسؤال الذي كان وما زال يطرح نفسه ، ما هي العلاقة بين الخلافة ونظام الحكم في الإسلام ، وهل الحكم الإسلامي شكل (خلافة ، ملكية ، جمهورية؟) أم مضمون؟ ( شورى وعدل ورحمة ) .

 

 وقد لخص ابن قيم الجوزية فيما نقل عن ابن عقيل مفهوم السياسة في الإسلام فقال : (السياسة ما كان فعلاً يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد وإن لم يضعه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نزل به وحي ، فإذا أردت بقولك : إلا ما وافق الشرع أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح ، وإن أردت لا سياسة إلا ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة).

 

والسؤال الآخر : هل الخلافة أمر اعتقادي أم أمر اجتهادي دنيوي؟

 

يقول ابن تيمة : الإمامةُ ليست من أركان الإسلام الخمسة ، ولا من أركان الإيمان السِّتة ، ولا من أركان الإحسان.

ويقول إمام الحرمين الجويني : إن الكلام في الإمامة ليس من أصول الاعتقاد  . ويرفض ابن خلدون قول الشيعة الإمامية أن الإمامة من أركان الدين ، ويقول : (أنها من المصالح العامة المفوّضة إلى نظر الخلق).

 

والحق أن الإسلام لم يجعل الدولة ولا أشكالها ، أصلاً من أصوله الاعتقادية ، ولا ركناً من أركانه ، ولا شعيرة من شعائر عباداته الثابتة ، وتلك قضية أجمع عليها علماء الإسلام إذا استثنينا الباطنية والشيعة الإمامية ، ولم يحدد الإسلام شكلاً من أشكال الحكم ، وإنما وضع مبادئ عامة يستلهمها المسلمون لبناء الشكل المناسب حسب ظروف الزمان والمكان ، ورأس الدولة في الإسلام ليس منصباً دينياً معصوماً (ومثله أجهزة الدولة ومؤسساتها) وإنما هو بشر مجتهد يصيب ويخطئ ، ويحتاج للتسديد والتقويم.

 

ومما تقدم نفهم أن الخلافة هي شكل تاريخي من أشكال الدولة الإسلامية ، وليست أمراً عقدياً نقدسه ، فقد اجتهد المسلمون في عصورهم الأولى ، واستنبطوا شكلاً للحكم سموه الخلافة ، ويمكن للمسلمين اليوم أن يَستنبطوا أشكالاً أخرى (رئاسية ، برلمانية ، ملكية، دستورية...) شرط أن تتمثل فيها قيمُ الإسلام وعدله ورحمته.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين