مبادرة عاجلة لإعادة قطار الثورة السورية إلى سكته ؟!

 

مهما اختلف السوريون وأصدقاؤهم الصادقون في تقدير موقف الثورة والثوار والمعارضة والمعارضين ؛ فإن اختلافهم لن يكون كبيرا ، بل إنهم سيجمعون على أن المشهد برمته وبما آل إليه لا يسر الصديق .

وربما يتفق المنصفون منهم أيضا على أن ما آل إليه المشهد هو حصيلة شبكة معقدة متداخلة من العوامل لا يمكن لطرف فيها أن يحمل المسئولية لآخرين . موقف دولي أو إقليمي وطرف معارض أو آخر ثائر الكل اشترك في صنع المشهد وما آل إليه . ولأن الجدل حول من هو المسئول في هذه المرحلة بالذات لا ينبني عليه عمل ، فإنه من الحكمة الإضراب عن الاختلاف عليه وحوله والدعوة إلى مبادرة عاجلة تجنب الشعب السوري السوء وتقوده إلى ما يريد ...

إن المهم الذي يمكن أن نؤكد عليه هو أنه ما زال في الوقت بقية ، وإن كانت ضيقة ، لاستدراك ما فات ، وللعودة بالثورة إلى مسارها الحقيقي بوصفها : ثورة شعب مظلوم متطلع إلى العدل والحرية والكرامة الإنسانية ضد مستبد قاتل وفاسد وظالم . ثورة تهدف إلى إعادة الحياة إلى المجتمع الأهلي ، والتأسيس للمجتمع المدني الموحد الذي سحقه الاستبداد بكل مكوناته ، لتبنى على قواعده الركينة الدولة المدنية الحديثة دولة العدل والحرية والمساواة بين المواطنين على قاعدة السواء الوطني ( حقوق للجميع متساوية وواجبات على الجميع متساوية ) .

قد أزاحت الشهور الأربعون التي مضت من عمر الثورة عن سطح المشهد الكثير من الرغوة والزبد والعلق . لتفرض معطيات المشهد الحق على ( الأم الحقيقية ) أن تبادر لإنقاذ هذه الثورة من محاولات تحويلها أو حرفها وكذا من المطبات التي وضعها في طريقها الماكرون .

وإذا كان عنوان ( الأم الحقيقية ) سيتسبب في كثير من الجدل ومن ضياع الوقت والجهد ؛ فإن أبسط ما يمكن أن يحسم به الموقف هو الزعم بأن الأم الحقيقية تعرف نفسها . وتقدر إمكاناتها ، وهي التي تناط بها المبادرة إلى موطن الفزع حيث يتملص المتملصون وليس إلى موطن الطمع حيث يتدافع المتدافعون ...

وتمتلك الأم السورية الحقيقية رصيدها كما تمتلك إمكاناتها لتحمل مسئولية عبء ثقيل في إعادة القطار إلى مساره ، والدفع بمسيرة الثورة إلى أهدافها بفهم وثقة واقتدار . ولا عذر حقيقيا لمن جعل من نفسه حجر عثرة في طريق الثورة ومشروعها على مدى أربعين شهرا من عمرها وتركها في دوامة التيه تدور

إن التجارب التي مرت بالثورة والمعارضة كفيلة بأن تكسب الثوار والمعارضين الصادقين من الرؤية والخبرة والوسائل ما يجعلهم أقدر على التحول عن طرائق ( السكون ) و ( الركون ) وفقه ( من ينتظر ) إلى طرائق ( المبادرين ) و ( الفاعلين ) و ( المنفعلين ) . المنشغلين بمعالي الأمور عن سفاسفها .

إن آفاق التفكير بمبادرة جديدة تستنقذ المشهد السوري والثورة السورية مما آلت إليه تظل مفتوحة ومطلوبة ومعروضة ، مفتوحة ومطلوبة من رجال الرأي والفكر أن يتقدموا ويقدموا ، ومعروضة على الذين توسدوا القرار ( وضعوه تحت وسادتهم ) ليبادروا ويتفاعلوا ..

إنه من المهم – أولا - أن نوضح أنه ومع حق الفريق المبادر في المبادرة و في تحمل المسئولية و( أخذ الكتاب بقوة ) فإن طبيعة القرارات المصيرية بآفاقها الوطنية تقتضي توسيع دائرة الشورى ، ودائرة المشاركة في الرأي وفي حمل العبء ، بالاستفادة من كل معطيات العصر لتنظيم أساليب جديدة للوصول إلى السداد والصواب الجامعين قدر الإمكان ..

إنه لم يعد من المعقول ولا المقبول أن يستقل بضعة أفراد مهما أوتوا من العلم والخبرة بقرار وطني يتوقف عليه مصير سورية والسوريين والملايين من الناس !!

وثانيا –

 إن من أهم ما يلزم الفريق المبادر المنتظر التوقف عن الترقب والانتظار لما يجود به الآخرون . وكون بل ينبغي أن تكون الأرض السورية وكل ما يدور عليها هو القبلة . هو موضوع التفكير والتقدير والتدبير والتخطيط والتنفيذ . وهو الأولوية في الوقت والجهد والمال .

إن الانصراف إلى محور الجهد ( الأساسي ) في التصدي لقوى الشر ، وإسقاط رموزه ووفق استراتيجية أولويات تعرف أين تتقدم وأين تتأخر، وتهتم بالأهم حيث يكون كل أمر من أمور الثورة وتداعياتها ومخلفاتها مهما ؛ هو الذي غاب عن سياسة العاملين في المرحلة السابقة . لا تمتلك الثورة بإمكاناتها المحدودة ما يمتلكه بشار الأسد مثلا من أذرع الدولة السورية التي تظل تعمل كل في ميدانه ، وهذا أمر يجب أن يحسن تقديره وتداركه على السواء ..

وثالثا –

إن ( فرز القوى ) الدولية والإقليمية والوطنية وتحديد الأصدقاء أو الحلفاء الحقيقيين . الذين يكونون للثورة والثوار ومشروعهم كما روسية وإيران لبشار القاتل المبير ، هو خطوة أساسية لا بد منها للانطلاق بالثورة في فضائها الحقيقي على قواعد راسخة . وهذا لا يغيّب ضرورة أن تبقى مجموعات العلاقات منفتحة على كل المستويات ، لكسب محايد وتحييد معاد وشرح وجهة نظر ..

ورابعا –

 لقد كشفت فضاءات أربعين شهرا مرت عن غياب مذهل – رغم فداحة الخطب - لقضية الشعب السوري ومعاناته عن الرأي العام الإنساني والعالمي بل الإسلامي والعربي أيضا . إن المعركة على الرأي العام هي جزء من المعركة الكلية ، ف( الرأي العام ) في هذا العصر هو القوة الضاغطة على صناع القرار أينما كانوا ، وهو الذي يجعل السياسي والإعلامي عاجزا عن إبقاء ما يجري في سورية في الظلمة كما حدث في الأشهر الأخيرة .

وخامسا ..

وعلى الرغم من كل ما يحيط بالمشهد السوري من شبهات ومن معوقات فإن تأمين الإمداد غير المشروط وفي حدود الشفافية الكاملة هو الذي سيتكفل لقيادة هذه الثورة أن تمضي في طريقها بما يخدم مشروعها على بصيرة . مطلب ليس سهلا ولكنه ليس مستحيلا كما يصوره العاجزون .

وسادسا ...

 ومع الإدراك لطبيعة الطاقات الموجودة خارج الميدان وإمكاناتها ، واستعداداتها فقد كان من أبرز الظواهر السلبية في المرحلة السابقة تحول الطاقات من الداخل إلى الخارج في عملية نزيف ثوري كان جديرا به أن يثير قلق المهتمين ، ووضع الخطط لمنعه ووقفه بل وتحويله . سيكون مشروع الثورة بخير عندما نرى الطاقات السورية تتحول من الخارج إلى الداخل . وعندما نرى الخبراء السوريين يتركون أعمالهم في ميادين الآخرين ليلتحقوا في خدمة مشروع ثورتهم .

 إن الالتصاق بالقوى والطاقات على الأرض ، وتفهم احتياجاتها ، والتنسيق معها ، واكتشاف وتوظيف المزيد منها ؛ سيكون أساسا صالحا لإعادة إطلاق مشروع الثورة في مساره الصحيح ..

وسابعا وليس أخيرا ..

فإن أهم ما يجب على حاملي مشروع المبادرة تخطيطا وتقريرا وتنفيذا هو استعادة مشروع الثورة من أيدي خاطفيه الإرهابيين : بشار الأسد وظلاله السوداء.

لقد تطلع الشباب السوري الصادق طويلا إلى العنوان العريض ، وبحث بجد عن راية الوسطية والاعتدال ، في وقت كان فقه البعض يرى أن المطلوب ( القصور والتقاصر ) و ( الصغر والتصاغر ) ، وأن هذا مطلب دولي عليهم أن يلبوه !! فتأخروا وتقدم غيرهم ، وغابوا وحضر غيرهم ، فأساء من تقدم وشوّه من حضر ونسأل الله أن يجنب الشعب السوري دفع الثمن..

أيها السوريون : احذروا أن تُخطف ثورتكم ، وأن يفلح عدوكم في قلب الثورة عليكم ..

إن العالم الذي يحذركم لباس القوة لا يحترم إلا الأقوياء ولا يتعامل بجدارة إلا معهم ، وإلا فالشفقة والإحسان مع المن والأذى كما تعيشون ..

إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ َمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين