الثامن من آذار ومشروع عزل الشعب السوري

 

 

 

كان الثامن من آذار سنة 1963 جزءاً من مشروع أحكمت حلقاته بعلم عالم وجهل جاهل، مشروع مضى إلى غايته ، وهو كما نتابع جميعا ما زال خارج نطاق التفحص أو المراجعة، بل هو قد غدا بما أدى إليه واحدة من مسلمات السياسة الدولية والإقليمية على اختلاف التوجهات وتعدد الرؤى وتباين السياسات؛ حقيقة ينبغي أن تكون لافتة ومنبهة حتى للمستفيدين منها.. لماذا؟ ولمصلحة من يصمت هؤلاء الصامتون ؟

في أوائل التسعينات خرج كريستوفر وزير الخارجية الأمريكية من دمشق، يشيد بسياسة التواصل، لقد حققنا اختراقا على مستوى حقوق الإنسان، ينظر الصحفيون بعضهم إلى بعض: كان وزير الدفاع السوري مصطفى طلاس يومها ما يزال يوقع وجبات الإعدام الأسبوعية لنزلاء سجن تدمر الأبرياء؛ الأبرياء الذين لم يحمل ملفهم حتى اليوم عربي أو أعجمي.. يجيب كريستوفر لقد انتزعت من الرئيس الأسد أذنا بحق اليهود السوريين بالمغادرة إلى إسرائيل!! إذا كان هذا هو الهم الحقوقي الأمريكي في سورية، فهل في هذا الاعتراف الصريح من بلاغ؟!

لماذا لا يثير أحد  ملفات هؤلاء المعتقلين؟! لماذا لا احد يبالي بهؤلاء المفقودين؟! لماذا نسمعهم ينددون بأحكام الإعدام تقرر بحق القتلة والمغتصبين وزعماء عصابات السطو المسلح، يقولون إن لفظة ( إعدام ) ترهق إنسانيتهم الشفافة!! ولكن أحدا لا يصدمه أن يعدم المعارض سوري وأبناء المعارض السوري وأحفاد المعارض السوري؟! لماذا لا يصدم مشاعرهم الشفافة القانون 49/ 1980؟ أليس لأن هذا الإعدام يخدم المشروع الذي لا يخفى على أحد؟! ، ألستم وإن اختلفنا تلاحظون؟!

لماذا لا أحد يتحدث بجد عن هيثم المالح أو فداء الحوراني أو أحمد طعمة أو رياض سيف...؟! تتساءلون ربما في أنفسكم، وأنتم تقولون لنا: شأن داخلي !! نعم شأن داخلي ولكنكم تعلمون كما نعلم أن قضية دارفور هي أيضا شأن داخلي، تعلمون كيف يمكن أن تكتب التقارير وتتحرك الأساطيل لأن حجرا أسود وجد في وجبة سجين ولو مدانا بالسطو والقتل والاغتصاب في بلد حكامه أو مناهجهم تعكر المزاج..

سبعة وأربعون عاما وحالة الطوارئ في سورية هي الأصل. جيل بل أجيال من المواطنين ولدت في القفص. والشعوب لا تبدع في قفص. وهذه هي كلمة السر في مشروع الثامن من آذار: إخراج الشعب السوري من معركة وجوده؛ الحضاري والقومي والوطني، شعب أبدع الحرف ، وحقق الاستقلال وبنى الاقتصاد وصنع الوحدة العربية الأولى بحماسته وعلى حسابه؛ لابد أن يُشل، لنتذكر كيف فعلوا بالشهيد المبحوح قبل أن يُجهزوا عليه؛ هو هذا بهذا حذو القذة بالقذة..

سبعة وأربعون عاما ووطن يعيش خارج الحياة، أحكام عرفية، بلا أحزاب ولا صحافة ولا اجتماع لأكثر من خمسة أشخاص، ولا تنفس إلا من منخري الحزب القائد للدولة والمجتمع، حتى تشميت العاطس في مشروع الثامن من آذار،  إن تجرأ رجل فعطس، قابل للتأويل والتفسير فهو تارة توهين للشعور القومي، وهو أخرى إثارة للنزعات، وهو ثالثا ما شاء كاتب لائحة الاتهام أن يكون..

في الذكرى السابعة والأربعين ليوم العزل المدني يفرض على الشعب السوري أجمع ، دعونا نعيد صياغة الموقف بطريقة أخرى، دعونا نؤكد لكم أن القوم الذين تركنون إليهم في إيذائنا والعدوان علينا لا يحبونكم، ولا يركنون رغم كل هذا إليكم، وكل ما في الأمر أنهم يكرهون شعبنا أكثر ويحقدون عليه أكثر، ويخافون منه فقط منه، ويحسبون حسابه فقط حسابه، وكان مشروع الثامن من آذار هو مشروع الالتفاف على هذا الشعب وعزله، سيؤلمكم، وهذا حسن ظن، أنه جاء على أيديكم.. ارجعوا إذا شئتم إلى تصريحات ليبرمان الأخيرة، وابحثوا عن كلمة السر فيها، وأجيبوا عليها، إن استطعتم، الجواب الذي تستحق. ربما لو فعلتم يعود علينا آذار القادم بالربيع من جديد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين