من سب الأنبياء إلى قتل الأبرياء سيرة المفتي حسون
 
 
 
لم يكن عجيبا أن يستغرب العالم كيف تجرأ المفتي حسون قبل بضع سنين وأبدى استعداده للكفر بالنبي عليه الصلاة والسلام، وأنه يمكن أن يتبرأ من النبي عليه الصلاة والسلام لو أمره بأمر لم يستطع أن يفهمه. ولكننا لم نستغرب لما نعرفه من صفات ذلك الرجل الذي باع دينه وتفنن في إذلال نفسه في سبيل طلب الدنيا من مال وجاه ومنصب وقرب من الحكام.
 
فإذا ذُكر العلماء فالرجل أبعد ما يكون عن صفات العالم من التحقيق والتدقيق، وسعة الاطلاع، ودقة النظر، وحَلِّ العبارة، وتطبيق الأدلة، وتحرير الأبحاث، ومعرفة مظان المسائل.
 
ولكنك قد تسأل: فما الذي جعله أهلاً لتولي منصب الإفتاء وهو على هذه الحال؟
 
والجواب على ذلك: أن المؤهلات عند رجال السياسة تختلف عن المؤهلات عند أهل العلم. ومنصب الفتوى في #سورية لم يعد بأيدي أهل العلم والورع. وآخر من تولاه بحق هو العلامة الشيخ محمد أبو اليسر عابدين، ذلك الرجل الذي أبى أن يبيع دينه بدنيا الرئيس جمال عبد الناصر، أيام الوحدة المشئومة بين مصر وسورية، فلما أراد منه أن يفتي بجواز التأميم أبى أشد الإباء، فأقيل من منصبه وخرج منه نصرة لدين الله تعالى، وحفظا لأحكام الشريعة، وصيانة لمقام الفتوى. ورجع إليه بعد الانفصال عزيزا مكرَّما حتى تقاعد.
 
كان المفتي في بلادنا يُنتخب انتخابا، والرأي في اختياره آنذاك للصفوة من المفتين وقضاة الشرع وكبار العلماء، لا يتقدم إلا من تبحَّر في العلوم، وأشرف على النهايات، وأفنى عمره بين الشروح والحواشي والتقريرات وملَّتْ منهُ المحاريب، وفنيت من صعوده عليها درجات المنابر، وقضى عمره في خدمة العلم بين تعليم للطلبة وتأليف للكتب وتصد للسائلين. فكان المفتي أعلم أهل البلد،
 
كان هذا من القليل الذي ورثناه من عهود الإسلام الزاهرة وأيامه المجيدة، وبقي في بلادنا أيام العهود الوطنية، حتى جاء انقلاب حزب البعث العربي الإشتراكي المذموم، فصار منصب الفتوى مذ ذاك سلعة بيد الحكام، تباع في مزاد علني لمن يدفع أكثر من دينه في تأييد النظام.
 
وكل ما يحتاج إليه منصب الفتوى عند هؤلاء هو واعظ أو خطيب له ذلاقة في اللسان، وعذوبة في المنطق، ودهاء في السياسة، وأن يكون منتسبا إلى إحدى الجماعات الدينية، وإن انتمى إلى أسرة ذات تاريخ في العلم فذلك أدعى إلى القبول، وأقرب إلى الوصول.
 
والمفتي حسون -كما يعرفه أهل العلم- أبعدُ الناس عن التحقيق في الفقه والأصول ومصطلح الحديث وعلم الكلام والنحو والبيان والمنطق والمناظرة، وزاده منها لا يزيد على ما يتلقاه طالب في الصفوف المتوسطة في المعاهد الشرعية. لكنه ينتسب إلى مدرسة عريقة من مدارس العلم في حلب حملت راية الدفاع عن الدين عقودا طوالا، وبيته بيت صلاح وتقوى عُرف به والده رحمه الله. وله ذلاقة في اللسان، وجمال في الصوت يروق للسامع، ولا يُعد من أهل الفصاحة، فإنه كثير اللحن في العربية، كما يعرف ذلك المتتبع لخطبه، وربما ينطبق عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام: "أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان" [الطبراني عن عمران بن حصين].
 
وطلب المنصب لمن أهل له أو تعين عليه قد يكون مباحا وقد يكون واجبا، ولكن بشرط الأهلية، وأن لا يبذل في طلبه ما لا يحل من الدين والدنيا. ولكن المفتي متعطش للمنصب لا يبالي أنه ليس بأهل له أو أن في العلماء بقية هم أصلح منه له. ولذلك كان صيدا ثمينا للنظام، استطاع استمالته ثم إغراءه ، ثم تطويعه، ثم شراءه، ثم السيطرة عليه، حتى? صار عبدًا ذليلا للنظام لا يستطيع فكاكًا ولا إباقا.
 
وقَع المفتي حسون سنة2010 في واحدة من أعظم المهلكات، حين أساء للنبي عليه الصلاة والسلام، فأهلك آخرته، وهدم دينه. وها هو الآن يرتكب جريمة نكراء تتعلق بدماء الأبرياء، فيسعى بها إلى جهنم سعيا حثيثا. فهو يحثُّ النظام بما لديه من قوات وجنود ومرتزقة وعصابات على قصف المناطق السكنية في حلب غير آبه لحكم الشريعة في تحريم قصف المناطق السكنية، ولا للقانون الدولي الموافق للشريعة، ولا لسكان حلب الأبرياء الذين لا ذنب لهم ولا ناقة لهم ولا جمل في جميع ما يجري بين النظام والمعارضة.
 
لعله لم يقرأ في الأحاديث النبوية الشريفة أن : "من آذى? مسلما بغير حق فكأنما هدم بيت الله" [الطبراني عن أنس]. وأنه: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم" [الترمذي عن ابن عَمرو].و"إن الإمام أن يخطئَ في العفو خيرٌ من أن يخطئَ في العقوبة" [الترمذي عن عائشة]. وأنه "لن يزال المؤمنُ في فُسحة من دينه ما لم يصب دماً حرامًا [البخاري عن ابن عمر].
 
ومن كلام ابن عمر رضي الله عنه: "إن من وَرَطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفكَ الدم الحرام بغير حِلِّه". بل إن النبي عليه الصلاة والسلام خاطب الكعبة وهو يطوف بها قائلاً: "ما أطيبَكِ وأطيبَ ريحَكِ، ما أعظمَكِ وأعظمَ حرمتَكِ، والذي نفسُ محمد بيده لحرمة المؤمن أعظمُ عند الله حرمةً منكِ مالُه ودمُه" [ابن ماجه عن ابن عمر].
 
فالآمر بالقتل شريك القاتل في الوزر، والتحريضُ على القتل كبيرة من الكبائر، وهو حرام، إذ قتلُ معصوم الدم حرام، فالتحريض عليه وسيلة إليه، فيَحْرُم بحرمته، إذ للوسائل حكم المقاصد شرعا.
 
قال العز بن عبد السلام رحمه الله في كتابه القواعد: "إذا أردت معرفة الفرق بين الصغيرة والكبيرة، فاعرض مفسدة الذنب على? مفاسد الكبائر المنصوص عليها، فإن نقصت عن أقل مفاسد الكبائر فهي من الصغائر، وإن ساوت أدنى مفاسد الكبائر أو رَبَتْ عليها فهي من الكبائر. فمن شتم الرب سبحانه وتعالى، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، أو استهان بالرسل أو كذَّب واحدا منهم، أو ضمَّخ الكعبة بالعَذِرَة، أو ألقى المصحف في القاذورات فهي من أكبر الكبائر، ولم يصرح الشرع بأنه كبيرة. وكذلك لو أمسك امرأة مُحْصَنَة لمن يزني بها، أو أمسك مسلمًا لمن يقتله، فلا شك أن مفسدةَ ذلك أعظم من مفسدة أكل مال اليتيم، مع كونه من الكبائر. وكذلك لو دلَّ الكفار على عورات المسلمين، مع علمه أنهم يُستأصلون بدلالته، ويَسْبُون حُرَمَهم وأطفالهم، ويغنمون أموالهم، فإن نسبته إلى هذه المفاسد أعظم من توليه يوم الزحف بغير عذر، مع كونه من الكبائر. وكذلك لو كذب على إنسان كذبا يعلم أنه يُقتل بسببه، أما إذا كذب عليه كذبا يُؤخذ منه بسببه تمرةٌ فليس كذبه من الكبائر".
 
وما بين سبِّ الأنبياء والحض على قتل الأبرياء مسيرة حياة مخزية، تحفل بعبارات وتصريحات وبيانات تهدم الدين، وتخالف الواقع، وتناقض الحقائق. ما بين درس يقول فيه إن له موقفا مع السيدة عائشة رضي الله عنها، إلى تصريح له يهدد فيه بإرسال (استشهاديين) إلى أوروبا، إلى خطاب وصف فيه سيدنا عيسى عليه السلام بأنه "ابن الروح القدس".
 
إنها حياة رجل باع دينه ومبادئه وأخلاقه وضميره، وسقط من أعين الناس، وهوى في الدرك الأسفل من النار، وحسبه أن يجيب يوم القيامة عما صدر منه من كفر بالله تعالى، وسب للنبي عليه الصلاة والسلام ، واستهتار بالمقدسات، وبيع لحقوق الشعوب، وحض على قتل الأبرياء.
 
ربما كان الشيطان يبكي على عمره الذي ضاع قبل أن يتعرف إلى? هذ الشيخ، ويتتلمذ على يديه، ويتعلم منه أساليب تحريف الدين، وطرق بيع الفتاوى للسلاطين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين