نحن الأمّة ولسنا طائفة


نَحنُ الأمّةُ .. نحن أمّة الإسلام العظيم .. أمّة الحقّ والهدى .. الأمّة التي قال الله تعالى فيها : {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ...}[آل عمران:110] ، وقال فيها سبحانه : {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون}[الأنبياء:92] ، وقال أيضاً : {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُون}[المؤمنون:52] . 

فلا تتباكوا على من تسمّونهم : « أهل السُّنّة » بعد أن أصبحوا وهماً يتناثر كالضباب ، أو رماداً تذروه الرياح في يوم عاصف .. فذلكم شيء صنعتُموه بأيديكم ، ولم يختره الله لكم .. 

نَحنُ الأمّةُ التي قبلت في ظلّها وصفوفها على مدار تاريخها كلّ من شذّ عنها ، وتنكّب من الطوائف والفرق منهجها وسبيلها ، وكانوا عبئاً ثقيلاً عليها ، ومع ذلك احتضنتهم ورعتهم ، ولم تقبل الإساءة إليهم .. ما لم يستحلّوا دماءها ، ويحملوا السلاح عليها .. 

نَحنُ الأمّةُ التي احتضنت الأمم ، ودمجتها في بوتقة الإسلام العظيم ، وقبلت منها من بقي على دينه وعقيدته ، وأعرافه وعاداته ، فلَم تضطهده ، ولم تكرهه على ترك دينه : « فَلا إكراهَ في الدين » ، ولو أرادت ذلك لمحت من أرضها كلّ من يخالف عقديتها .. ولكنّها كانت بحقّ كما أراد الله تعالى لها وأمرها : {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم}[آل عمران:104 ــ 105] . 

نَحنُ الأمّةُ التي قال الله عنها : {... هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ...}[الحج:78] . فعدل بعضنا وللأسف عن هذه التسمية الجامعة الشاملة إلى وصف « أهل السُّنّة » ، الذي كان وصفاً لخيار هذه الأمّة اتّباعاً لهدي نبيّها صلّى الله عليه وسلّم ، والتزاماً بمنهج التقوى والاستقامة ، والزهد والورع .. 

ثمّ حرفت مسار هذا الوصف عوامل الزمن ، وردّات الفعل عن مواقف بعض الطوائف والفرق وعدوانهم ، فأصبح وصفاً لطائفة في مواجهة طائفة .. وتقزّمت الأمّة الوسط ، التي يباهي نبيّها صلّى الله عليه وسلّم الأمم بكثرتها وفضائلها يوم القيامة ، لتصبح طائفة تنازع غيرها من الطوائف ، وكأنّها وهم على تشابه أو مساواة .؟! فهل يتساوى خائن البيت بسيّده .؟! وهل يقارن الحرّ بعبده .؟! 
يا قوم .! كيف استبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير .؟! كيف استبدلنا الضعف والقلّة بوصف القوّة والكثرة ، والقيادة والسيادة .. أما والله ما حلّ بنا ما حلّ من البلاء إلاّ لأنّنا تخلّينا عن « وصف الأمّة » .. وتنازعنا مع تلك الفرق على « وصف الطائفة » .. 

ثمّ تنازعنا مع أنفسنا ، ومع أقرب النّاس إلينا في هذا الوصف ، ورمى بعضنا بعضاً بأسماء اتّهامات شنيعة ، ما أنزل الله بها من سلطان ، ونبز بعضنا بعضاً بالألقاب .. حتّى غدونا فرقاً وطوائف ، وأصبح « وصف الأمّة » نسياً منسيّاً ، وكأنّ المخاطب به أمّة أخرى .. 

نَحنُ الأمّةُ .. لم نكن في يوم من الأيّام طائفة ، ولن نكون .. ولا نوصف « بالطائفيّة » ، ولا نرضى هذه اللغة المسفّة ، ولا نقبل ردّة الفعل عليها بمثلها من أيّ منّا ، ولا نقبل ممارسات أهلها المشينة المكتظّة بالحقد ، التي تعاني عقد النقص ، أولئك الذين يبرؤون منها ظاهراً ، ويمارسونها بأبشع الصور وأقذرها علانيةً وواقعاً .. كعاهرة الليل التي تلبس في النهار ثياب الأطهار .. ويقف معهم المجرمون الكبار مؤيّدين ومتستّرين ، ومدافعين ومبرّئين .. 

« نَحنُ الأمّةُ الوَسَطُ » ، أي الخيار العدول ، بوصف ربّنا جلّ جلاله ، وهذا هو الحكم الربّانيّ ، الذي لا يحتاج إلى شيء من التفسير والتعليل .. ووصف « أهل السُّنّة » يحتاج إلى حشد من التأويل والتعليل ، والارتهان إلى سجال التاريخ ، وظروفه وملابساته ، وأكثر الذين يحملون لواء هذه التسمية : « أهل السُّنّة » ، ويتحمّسون لها ، ويدافعون عنها ، تراهم يحملونها ليزكّوا أنفسهم ، بما فيه من سمات الهدى والتقى ، والتمسّك بالسُّنّة ، وليكون وللأسف سلاحاً مشهراً في وجه كلّ فئة من « الأمّةِ » يختلفون معها في أيّ شيء .! 

فلا تزال الأمّة تتشظّى على أيديهم وتتشظّى .. ولا تزال تلك الفرق والطوائف تتمدّد وتتقوّى .. 
إنّ قصارى ما يتمنّاه عدوّنا في الشرق والغرب ، ومن تلك الفرق والطوائف أن نتقزّم في خطابنا ولغتنا من أمّة إلى طائفة ، ومن أصل إلى حالة شاذّة .. ونحن ولو كنّا وللأسف متقزّمين واقعاً ، ولكن شتّان بين واقع لا نرتضيه ، ويسعى إليه عدوّنا بكلّ خططه ومكره ، وهو سبب عللنا وأدوائنا ، وبين حقيقة الأمر ، وما يجب علينا في لغة الخطاب ، الذي نعلنه عن أنفسنا ، ونصدّره للعالم كلّه ، وهو الخطاب الحقّ ، والإرادة الربّانيّة التي أرادها الله لنا ، كما أنّه حقيقة التاريخ وحضورنا فيه ، وحضارتنا بكلّ أبعادها .. 

إضاءة حقّ لأولي الألباب : إنّ أسوأ مظاهر الضعف والانهزام أن يكون خطاب أهل الحقّ ردّة فعل عن خطاب الأقزام .. 

فأحيوا خطاب « الأمّة » ، ودعُوكم من لغة « الطائفة » و « الطائفيّة » المهلكة المقيتة . 
اللهمّ إنّا نبرأ إليك من اللغة « الطائفيّة » ، والسلوك « الطائفيّ »

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين