تسليم القرضاوي



كان آخر خبر مررت عليه مرور الكرام، قبل أن آوي إلى الفراش مساء الثلاثاء، وأنا بين نائم ويقظان، هو رابط أرسله صديق عزيز عن الشيخ القرضاوي ومصر وقطر، ونمت قرير العين هانئ البال، مطمئنا على حاضر مصر ومن ثَم مستقبلها، وكيف لا؟ وها هي مصر مسقط رأس الشيخ القرضاوي تدعوه، أو تطالب بعودته، أو تستسمح قطر في ذلك، بعد طول مقامه بها.
وكيف لا تفعل مصر ذلك، وقد فعلته الجزائر من قبل، فطلبت من قطر إعارة الشيخ القرضاوي ليكون رئيسا للمجلس العلمي لجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، ومستشارا لوزارة الشؤون الدينية سنة 1990 – 1991م؟
وأيا كان السبب الذي تطلب مصر الشيخ لأجله، فبالتأكيد سيكون للمصلحة العامة، والشيخ لن يتأخر عن تلبيته. لعلها تدعوه لتوليه منصب شيخ الأزهر الذي يستحقه بحكم العلم والسن والمكانة، أو لتكرمه بجائزة من جوائز الدولة كما كرمته السعودية 1994م، وماليزيا 1996م، وبروناي 1997م، والكويت 1999م، ودبي 2000م، وقطر 2008، وماليزيا 2009م، والأردن 2010م، أو لتعيده إلى عضويته مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء اللتين استقال منهما، فما ينبغي أن يكون للخلاف السياسي تعلق بالجوانب العلمية، أو للخطبة في الجامع الأزهر كما فعل بعد الثورة، أو للتدريس في جامعة الأزهر كما حاضر ودرس في جامعات العالم الإسلامي، أو لتبني مصالحة وطنية مصرية شاملة لجميع فئات الشعب المصري، لما تمثله شخصيته من مرجعية لها اعتبارها عند الأمة الإسلامية عامة، والحركة الإسلامية بجميع مكوناتها خاصة.
لكن بعد العودة من الموتة الصغرى، رجعت للخبر فقرأته على مهل بتفاصيله، ففوجئت أن الشقيقة الكبرى مصر، تطالب شقيقتها الصغرى قطر، بتسليم القرضاوي، لا لتكريمه كما ظننتُ – وإن بعض الظن إثم - ولكن لإعدامه! والتهمة هي الاشتراك في اقتحام سجن وادي النطرون!!
والشيخ يوسف القرضاوي - كما هو معلوم للعارفين - ولي من أولياء الله الصالحين، وصاحب كرامات شهد بها العدو قبل الصديق، وذلك أن كان مقيما بقطر، فلما اندلعت ثورة 25 يناير، وساد الهرج والمرج، خشي على قيادات الإخوان، فألهم بمكان احتجازهم، وطويت له الأرض طيا، واختصر له الزمان اختصارا، فانتقل متجاوزا المكان، مخترقا الزمان، إلى سجن وادي النطرون فاقتحمه، وأخلى سبيل قيادات الإخوان وحماس وحزب الله وأمريكا وإسرائيل، ثم عاد من غير أن يشعر جلساؤه بغيبته!
وقد ثبتت هذه الكرامة لدى الحكومة المصرية بالحجج البينة، والبراهين القاطعة، ثبوتا بينا لا مجال لإنكاره، لذا قضى عليه القضاء الشامخ المؤمن بكرامات الأولياء، فما استطاع الشيخ أن ينكر، وإلا أنكر أصل الولاية رضي الله عنه.
معقول أن نسمع عن إعدام المجرم والسفاح وقتال القتلة، أما إعدام العالم الكبير والشيخ والداعية وأستاذ الجامعة والطبيب والمهندس والسياسي، فما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين.
لكن الحكومة المصرية العظيمة تريد أن تستكمل إنجازاتحكام مصر التاريخية في هذا المجال، فهم قد قتلوا الأطفال ذبحا بالسكاكين أمام أهليهم واستحيوا النساء في عهد فرعون، وسجنوا يوسف عليه السلام بضع سنين بعد أن ظهرت براءته للناس في عهد الملك، وتركوا المجدد المصلح حسن البنا ينزف حتى فاضت روحه إلى بارئها في عهد فاروق، وأعدموا الأديب المفسر سيد قطب والقاضي والفقيه الدستوري عبد القادر عودة في عهد عبد الناصر، وتريد أن تعدم العلامة يوسف القرضاوي والرئيس المنتخب محمد مرسي والمرشد محمد بديع الذي قال: سلميتنا أقوى من الرصاص. مع مئات غيرهم من خيرة أبناء مصر في عهد الرفيق العظيم ستالين، عفوا عبد الفتاح السيسي.
نعم إن أغلب من صدرت ضدهم أحكام الإعدام بيد الحكومة المصرية، مئات من المواطنين المصريين، لكن عبقرية القيادة السياسية المصرية أنها لا تكتفي بمن عندها من محكومين، وتقول كما تقول جهنم: (هل من مزيد؟). ولذا هي متمسكة بحقها في إعدام العلامة يوسف عبد الله القرضاوي.
حفظك الله يا شيخ المشايخ، وواسطة العقد، ودرة تاج العلماء، ورد كيد الكائدين عنك، وعجل بإعدام من يريدون أن يعدموك.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين