أوامر ولي الأمر الجاهل المستبد وعلمائه في ميزان الشريعة‎

 

قال العلامة الشيخ مصطفى الزرقا في " المدخل الفقهي العام : ن ولي الأمر الذي ليس بعالم مجتهد، لا يكون لأوامره وزن شرعي إلا إذا صدرت بعد مشورة أهل العلم بالشريعة وموافقتهم.

وها هنا تبرز مشكلة أخرى وهي : أن موافقة أهل العلم قد تحصل ممن يخضعون للحكام أنفسهم ويمالئونهم رغبة أو رهبة، ولا يتجاسرون أن يردوا للحاكم طلبا أو يعصوا له أمرا.

فهؤلاء لا قيمة لموافقتهم حتى لو كانوا ذوي علم.

وقد تأخذ هذه المشكلة صورة أخرى وهي: أن يعين أولو الأمر لبعض المناصب المهمة شرعا كالإفتاء من ليسوا علماء راسخين في الشريعة، أو من يأتمرون بأمر الحاكم خوفا أو طمعا.

فقد شهدنا بأم أعيننا، وسمعنا في هذا العصر وقرأنا عن أمثال هؤلاء المفتين الرسميين وذوي الرئاسات والمناصب العلمية الدينية من الفتاوى والتصريحات التي يعلنونها وينشرونها باسم الدين الإسلامي استجابة منهم لرغبات بعض الحكام الفاسدين المستبدين الذين يملكون سلطة عزلهم من مناصبهم والاستبداد بأرزاقهم، وفي تلك الفتاوى والتصريحات العجب العجاب.

فهؤلاء المرتزقة من العلماء لم يعودوا يحِسّون بما يفعل الحاكم الفاسد من استخفاف بقواعد الإسلام، واستغلال لحكمه وسلطته في سبيل تحقيق أهوائه مطامحه الاستبدادية الخبيثة، ومن تسخيره أجهزة الدولة ووسائلها الإعلامية الدعايات الكاذبة المضللة تغطية لانحرافاته، ومن فتحه مجالات إضاعة الأموال العامة وسرقتها لمؤيديه، وإطلاقه حرية الفسق والفتنة الأخلاقية للملاحدة والانحلاليين من رجال ونساء لإلهاء الناس عن مفاسد حكمه، وخنق كل صوت يأمر بالمعروف أو ينهى عن منكر.

هذا واقع شهدناه في هذا العصر، ولا تزال أمثلته قائمة في بعض البلاد. فأمثال هؤلاء الحكام ما قيمة أمرهم ونهيهم باسم الإسلام؟ وأمثال أولئك المرتزقة من علماء الدين الذين ينافقون لهم في سبيل الدنيا، ما قيمة فتواهم وتصريحاتهم في تأييد تصرفاتهم ورغباتهم؟

هذا، وقد نقل ابن عابدين رحمه الله في آخر كتاب الأشربة من حاشيته رد المحتار على الدر المختار عن العلامة البيري وعن الشيخ عبدالغني النابلسي كلاما نفيسا في صفة الحاكم الذي تجب طاعة أمره شرعا وفقا للآية القرآنية القائلة: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" ومما ننقله هنا قول البيري رحمه الله: "إن من شروط الإمامة أن يكون عدلا بالغا أمينا ورعا ذكرا موثوقا به في الدماء والفروج والأموال، زاهدا متواضعا مسايسا في موضع السياسة. ثم إذا وقعت البيعة من أهل الحل والعقد مع من صفته ما ذكر صار إماما تفرض طاعته"

ومما نقله أيضاً عن النابلسي قوله: "أن المراد من أولي الأمر في الآية العلماء في أصح الأقوال كما ذكر العيني في اخر (مسائل شتى) من شرح الكنز". وأيضاً: هل منع السلاطين الظلمة المصرين على المصادرات وتضييع بيوت المال، وإقرارهم القضاء وغيرهم على الرشوة والظلم يثبت حكما شرعيا؟!

ثم أيد ابن عابدين رحمه الله عقب ذلك الرأي بأن أمراء زماننا لا يفيد أمرهم الوجوب...الخ.

ومما تقدم نقله وبيانه يتضح أن تفسير أولي الأمر في الآية الكريمة بالعلماء في أصح الأقوال كما نقله الشيخ عبدالغني النابلسي رحمه الله إنما المقصود به العلماء الثقات في علمهم وبصيرتهم، وتقواهم لله، وزهدهم فيما عند الحكام من مطامع ومغريات، ممن لا يحملهم على النفاق لهم ترغيب أو ترهيب، وليس المراد بهم تجار العلم والدين من العلماء المنافقين.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين