نظرات علمية في  مقالة:

 

-1-

 

استبشرتُ خيرًا وتوجَّست خيفة في آن واحد  لما أرسل أحد الإخوة الدعاة الكرام  على عدد من المجموعات مقالة، وصفها بأنها هامة ودقيقة، ودعا للتأمل فيها !! وهي لأحد الشباب الذين عهدناه يُردِّد صدى ما يقوله شحرور وأمثاله من غلاة العلمانيين . 

ولم نعهد منه إلا القص واللصق لمقولات أعداء السنة النبوية، ثم التعامي عن الردود الكثيرة التي يكتبها إخوانه.

وقلت في نفسي: لعله كتب شيئا ذا بال ، فقرأت المقالة بسرعة ، ووجدتها تنضح بأفكار وأسلوب أساتذته الذين يُروِّج لهم ، وظننت أولا أنها أيضا من جملة اختياراته التي يقصها ويلصقها ويوزعها على بعض إخوانه ، لأن الأسلوب والأفكار هي نفسها التي يكررها في ملصقاته السابقة.

وأداء للأمانة العلمية، أورد المقالة  كاملة كما أرسلت إلينا، وقد قمت بتصحيح ما فيها من أخطاء إملائية وطباعية وإضافة علامات الترقيم : 

 

خليفة

قال الكاتب: {واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة }  

فما دلالة كلمة خليفة ؟؟  

يبدو أنَّ الملائكة نفسها لم تُعط مدلول كلمة "خليفة" على وجهها الصحيح فحصرت المعنى الذي أراده الله في جزئية غير مكتملة {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}.

 فكان الجواب: أنكم ما علمتم مرادي في هذا الخليفة: { إني أعلم ما لا تعلمون} .

ويبدو أن البرهنة من الله للملائكة على ذلك لم تطل ، لقد بدأت بتعليم آدم  { وعلم آدم }، العلم الذي لم تستطع الملائكة سلوك طريقه فلم تنجح في أول امتحان وجِّه إليها { لا علم لنا }.

 ونجح آدم في ذلك ، نجح آدم عندما سُئل فاستطاع  الربط بين الشيء واسمه بشكل صحيح، إنها الخطوة الأولى الصحيحة في طريق العلم الحقيقي حينما تُسمِّي الاشياء بمسمَّياتها الحقيقية بعيدا عن الاوهام التي قد تعتريها ، فالوهم عين الجهل ،ونتيجة لتفوق آدم بعلمه على الملائكة دُعوا لأن يسجدوا له.

إلا أن الأمر لم يطل كثيرًا ، ويبدو أن الشيطان قد عرف الأمر الذي سَمَا به آدم ،  فنفذ إليه ليغيِّر ما علمه الله إيَّاه ،وبدأ ليقنعه أن يأكل من الشجرة وأضفى عليها صفة وهمية دغدغت فيه رغبته بالعلو والبقاء ، إنها يا آدم  {شجرة الخلد}.... وإنها أكثر من ذلك ، إنها....{ وملكٍ لا يبلى}.

 هكذا أقنع الشيطان آدم ، وما لبثت أن انطلت الحيلة على آدم فنسي ما علمه الله إياه ووقع في الشَّرَك الشيطاني ، فأنى لشجرة ان تكون خلدا !! وأنى لها ان تكون ملكا لا يبلى!!

وعوقب آدم  بالهبوط من الجنة نتيجة لتلك الزلة الشيطانية : {فأزلهما الشيطان عنها}.

الهبوط الذي يزداد في كل مرة يخطئ فيها الإنسان فيمنح الاشياء مسمَّى غير حقيقي وينساق وراء ما يتبع ذلك من أوهام.

لقد أودع الله في النفس البشرية  وبفعل النفخة الروحية  التي كانت منه شيئا من صفاته سبحانه  وتعالى من الرحمة والعفو والمقدرة والحكمة ...وغيرها، ومنح الإنسان حريَّة اختيار تزكيتها ونمائها فيه أو طمسها وإخفائها ، ورتب على ذلك  إما فلاحا  ونجاحا أو خيبة وانتكاسا: { قد أفلح من زَكَّاهَا وقد خاب من دَسَّاهَا } ).

 وحتى تسمو لتقترب من مراد الله لك  بكونك " خليفة"، وتظل متفوقا على مخلوقاته كلها ، لا بد من أن تنمي تلك النفخة من روحه بالاتصاف أكثر 

وأكثر بصفاته سبحانه وتعالى.

لقد كانت للأحداث الدموية التي حصلت في نهاية عصر الخلفاء الراشدين، وبداية الحكم الأموي القسري، ومن ثم العباسي مدخلا لوأد الحرية التي أتيحت في عصر الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وعهد الخلفاء الأربعة ، أدى ذلك إلى تكريس أفكار ومفاهيم وتعريفات رُبطت بالدين عنوة، واستُدل بها بالنصوص القرآنية، وبأقوال الرسول تأويلا لإقناع الناس بها ، ولم تكن المشكلة هنا فحسب ، بل إنها أعطيت مدلولات بوصفها نهائية، وأقفلت الأبواب عن الإضافة أو التعديل أو التحسين دونها ، وكان للحكم السياسي الدور الفعّال في نصر هذه الأفكار والتي توافق أهدافه وتهيء له الاستقرار وإن كانت باطلة على أُخرى وإن كانت محقة ، فنشأت تعريفات  للقضاء والقدر، وعلاقة الله بالكون وعلاقته بالإنسان، وعلاقة الإنسان بالكون، وعلاقة الحاكم بالمحكوم ، ومفاهيم التخيير والتسيير، ومفاهيم الإيمان والكفر ......الخ  

وأعطيت خلاصة الأمور على الشكل التالي: أن الله بالنسبة للمسلم ليس خالقَ الكون، بل ومدبره ايضا، وأن السلطان هو سيفه ورمحه في الأرض، وحياة المسلم على هذه الأرض تكليف ومحنة، وبالتالي خضوع وتسليم تامَّين، أما البحث عن العلل والاحتكام لها فكلها عائد إلى شبهة اللعين الأول إبليس ومصدرها "استبداده بالرأي في مقابلة النص، واختياره الهوى في معارضة الامر".  .

كل ذلك أدى الى دلالات ناقصة ومشوّهة ما زلنا نعاني من تأثيراتها حتى اليوم .

لقد حقق سيدنا إبراهيم تفوقًا  بكونه استطاع أن يعرف ربه عندما نجح أن يربط الأشياء بمسمَّياتها الحقيقية ، فلم يبهره سطوع نجم الكوكب كثيرا ولا ضوء القمر ولا حجم الشمس في أن يتخذ أيّاً منها ربا،  واستحق بعد أن هداه عقله وعلمه أن يرتقي إلى أن يتَّخذه الله بنفسه "خليلا" .

إن الهبوط الانساني التدريجي والمستمر ينشأ عندما يتكرر خطأ أبيهم آدم ، فيسمون مخلوقات الله آلهة، والأولياء- بالتحريم والتحليل- أربابا، والمقلد الناقل عالما، والرقص في بيوت الله ذكرا، والشعوذة رقية، والفلسفة تهافتا، والمقلد مفكرًا، والتفكير بدعة ، والرياضيات والفيزياء والكيمياء علوما دنيوية ، والناسخ والمنسوخ وأصول الفقه علوما دينية، والقاضي أو المجتهد عن رب العالمين موقعًا ، والظالم إماما متغلبًا، والإنسان المكرَّم حيوانا ناطقا، والمعترض على الحاكم خارجيا،  وغير ذلك من المسمَّيات  المغلوطة ،وما يترتب على هذه التَّسميات من نتائج وأفعال وتوجهات ينتج سقوطا  كارثيا ما لم يصار إلى التصحيح والتصويب.  

إن المتفحص لقصص الأنبياء وللأحداث التي يوردها كتاب الله يجد أن من أحد الأهداف الأساسية لهذه الوقائع هو محاولة إعادة ربط الأشياء بمسمَّياتها الحقيقية بعيدًا عن مسمَّياتها الوهمية الباطلة التي تراكمت بفعل الغفلة والجهل والتقليد ، والتي تؤدي إلى الهبوط والتدهور ، وإنه والامر كذلك فإنَّ  المسمَّيات القرآنية لا بد أن تفهم دلالاتها بشكل متجدِّد ومستمر، وَفْق الزمان والمكان  حتى تحقق فائدتها، ومراد الله منها.

لقد أخبرنا الله سبحانه في مواقع متفرقة  في كتابه أنه سخر لنا الشمس والقمر والنجوم والدواب والطير والفلك ...... وبأنه قد سخر لنا جميع مخلوقاته في السماء وفي الأرض وبلا استثناء: {وسخر لكم ما في السموات وما في الارض جميعا منه } ، وأعقب ذلك بقوله: {إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون }.

 إن هذا الخطاب موجَّه لأهل الاستخلاف الذين يُعمِلون عقولهم باستمرار، ويعرفون لكلِّ شيء حقيقته، ولا يتوقفون أو يجمّدون عند قول أو نص أو تفسير، وبالتالي فإنهم يعطون للتسخير معانيه المتجدِّدة والتي تناسب الفهم الصحيح لكلمة " خليفة".

 إنه حينما يخطئ الإنسان في تسمية الأشياء على وجهها الحقيقي  فيحسب مثلا القتل نصرًا،  يتردَّى فيصبح الغراب أستاذا له، ويتردى اكثر ليكون قردا او خنزيرا.

وحينما يعطي الإنسان الأشياء مسمَّياتها الحقيقية، يرقى في سلَّم العلم فيقترب أكثر من سمو النفخة الربَّانية، فيسخِّر لنفسه الريح والجن والشياطين والطير، ويفهم تسبيح الجبال وكلام النمل  والدواب، وإذا استمر في نفس النهج السليم فإنه قد يخلق الطير ويحيي الموتى، ويبرئ كل مريض. 

إن الرياح والزلازل والأعاصير والبراكين  والرعد والبرق وغيرها من الظواهر الكونية ، حينما لا يستطيع الإنسان تسخيرها فلأنه لم يستطع إدراك مسائلها وكنهها العلمي، ولأنه لم يَسْمُ أكثر فيدرك مشيئة الله في تسخيرها وأمرها.

لقد أخطأ من علمنا كما قَصُر فهم الشاعر الذي تجمَّدت أفهامنا في قفار عصره حينما قال:

                                                                   

 ما كل ما يتمنى المرء يدركــــــــــه       

 تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

 

وكان الواجب ان نعلم قول الشاعر: 

 لا تجري الرياح كما تجري سفينتنا       نحن الرياح ونحن البحر والسفن                                                              

إن الذي  يرتجي  شيئا    بهمته        يلقاه  لو  حاربته  الإنس  والجن

                                                                 

فاقصد الى قمم الأشياء تدركها       تجري الرياح كما رادت لها السفن

إنه النهج الحقيقي للخليفة والاستخلاف:  {واتقوا الله ....... ويعلمكم االله}. 

انتهى المقال بحروفه.

                        

نظرات في المقال

 

بعدما اطلعت على المقال تبيَّن لي أن مؤهلاته العلمية  لا ترقى للكتابة في هذا الموضوع الكبير " مفهوم الخلافة" الذي كتب فيه كثير من المتقدمين والمتأخرين . وأعدت النظر في المقالة لعلي أجد فيها شيئا أستفيد منه، فلم أقف على فكرة واحدة تستحق الإشادة والثناء، بل هي أخطاء متراكمة بعضها فوق بعض.

 واقتنعت بأنه مقال صحفي يعتمد على الإثارة والضجيج الفارغ من أي مضمون، وانتهيت إلى  أن قيمته العلمية أقل بكثير من إضاعة الوقت في مناقشته، ولم أجد فيما كتبه علما نافعا، بل مجمله من العلم الذي استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه:" وأعوذ بك من علم لا ينفع". 

وقد نشرت المقال في مجموعة علمية لينظروا فيه، ويبدو رأيهم ، فلعل لهم رأيا يخالف رأيي، وأرسلته أيضا لبعض العلماء الفضلاء، وقد علق عليه عدد من الإخوة الكرام في تلك المجموعة العلمية ،ووصلني أيضا بعض الردود، ومن أجمعها ما كتبه الأستاذ  الأخ الشيخ إبراهيم منصور حفظه الله تعالى، فأحببت أن أنشر بعض رده، وأضيف إليه بعض الإضافات، وأبعده عن ( شخصنة) النقاش، والهجوم على صاحب الفكرة، أو الحكم عليه، فهو أخ لنا نحب له الخير ونتمنى له الرجوع إلى الحق. 

ثم وصلني ردٌّ مفصل من شيخنا العلامة عبد الكريم تتان ، نشرته كما وصلني في ثلاث حلقات على موقع الرابطة .

وما وصلني من ردود أخرى ، قمتُ بجمعها وترتيبها، ووجدت في كل ذلك ما يغني عن كتابة ردٍّ طويل جديد ، وفيما ذكره الإخوة الكفاية .

ولا أريد بجمع هذه الردود أن أغير من قناعات الكاتب، ولا أن أحجر عليه فكره، وخاصة إذا كان معجبا برأيه ، متأثرا بمدرسة شحرور وأمثاله  كما قال الإمام الخليل بن أحمد الفراهيدي: " لا ترُدَّنَّ على معجب خطأ، فيستفيد منك علما، ويتخذك عدوا" .

ولكن أحببت من جمع هذه الردود ونشرها أن أحصن بعض الإخوة الكرام الذين طلبوا مني الرد على هذا المقال، ولم أجد متسعا من الوقت لأفند كل ما فيه من أخطاء وعثرات . 

وأبدأ بسياق رد فضيلة الشيخ إبراهيم منصور حفظه الله تعالى مع تعديلات وإضافات :

 

الله سبحانه خالق الكون ولا شأن له بتدبيره : 

 

أولا: هذه المقالة  يبدو فيها المذهب (القدري)  الذي ينكر الإيمان بالقدر أصلا. 

وفيها استخفاف بمن يعتقدون بأنَّ الله خالق الكون ومدبره أيضا؟!!وأن ذلك الاعتقاد من نتائج انحراف الحكم في بداية العهد الأموي فيقول بالحرف :[وكان للحكم السياسي الدور الفعّال في نصر هذه الأفكار والتي توافق أهدافه، وتهيئ له الاستقرار، وإن كانت باطلة على أُخرى وإن كانت محقة ، فنشأت تعريفات  للقضاء والقدر، وعلاقة الله بالكون وعلاقته بالإنسان، وعلاقة الإنسان بالكون، وعلاقة الحاكم بالمحكوم ، ومفاهيم التخيير والتسيير، ومفاهيم الإيمان والكفر ......الخ  

وأعطيت خلاصة الأمور على الشكل التالي: أن الله بالنسبة للمسلم ليس خالقَ الكون، بل ومدبره ايضا]!!

فهو يرى أنه سبحانه هو الخالق، وأما التدبير فهو شأن الإنسان. 

وفي المقالة نسب العلم  إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام متعمدا قطع صلة علم إبراهيم بتوفيق ربه؛ لأن الله تعالى خالق لا مدبر!!!

انظر قوله: (واستحق إبراهيم بعد أن هداه عقله وعلمه أن يرتقي إلى أن يتَّخذه الله بنفسه خليلا ).

وقد قال  إبراهيم عليه السلام  : (لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين).

الإنسان قادر على خلق الطير وإحياء الموتى: 

ودليل آخر على الدعوة إلى (القدرية) ، وأن أعمال العباد متحررة تماما عن تدبير الله تعالى وإرادته وإذنه. الزعم  بأن الإنسان إذا ترقى في تسمية الأشياء بأسمائها فإنه قد يخلق الطير ويحيي الموتى .....

ولم يربط ذلك بإذن الله . مع أنَّ القرآن الكريم عندما ذكر شيئا من ذلك لعيسى عليه السلام في جملة معجزاته الدالة على نبوته ، فإنه قرنه بإذن الله.  بإذن الله. في تكرار لافت. 

الدعوة إلى العبث بالمصطلحات العلمية : 

ثانيا :في المقالة دعوة إلى عدم الجمود على المصطلحات القرآنية المتوارثة المقررة التي وصفها :[ المسمَّيات القرآنية ] وقال: [لا بد أن تفهم دلالاتها بشكل مُتجدِّد ومستمر، وَفْق الزمان والمكان  حتى تحقق فائدتها، ومراد الله منها ]!!

وليس المراد بذلك تجديد الفهم لمعاني القرآن وبيانه، ففرق بين ذلك- وهو أمر مطلوب - وبين تجديد معاني المُسمَّيات والمصطلحات [التي تراكمت بفعل الغفلة والجهل والتقليد ، والتي تؤدي إلى الهبوط والتدهور].

وهذا المنهج  في تغيير المُسميات والمصطلحات  الذي يسلكه غلاة العلمانيين مثل محمد شحرور وأمثاله ،هو في حقيقته دعوة لتحريف معاصر للقرآن الكريم ، وهدم للمصطلحات العلمية المتواترة .

وفي التحذير من مثل هذا المسلك وإشاعته قال شيخنا العالم الداعية الحكيم السيد أبو الحسن الندوي رحمه الله تعالى : " إذا فقدت هذه الكلمات ( العبادة، الصلاة، الزكاة، الحج...) التي توارثت فهمها الأجيال المسلمة، وتواتر في المسلمين، وأصبح فيها مَساغ لكلِّ داعٍ إلى نِحْلة جديدة، ورأي شاذ، وقول طريف، فقد أصبحت قلعة الإسلام مفتوحة لكلِّ مهاجم ولكلِّ منافق، وزالت الثقة بالقرآن والحديث واللغة العربية، وجاز لكل قائل أن يقول ما شاء، ويدعو إلى ما شاء، وهذه فتنة لا تساويها فتنة، وخطر لا يكافئه خطر.

إنَّ مفاهيم هذه الكلمات معيَّنة – على اتِّساعها وبلاغتها وعمقها وكثرة معانيها – وأنَّ الأمَّة توارثت هذه المفاهيم المعيَّنة كما توارثت أشكال الصلاة والصوم والحج، ونظمها الظاهرة، وتناقلتها وحافظت عليها من غير أقل انقطاع أو أقصر فترة، وإنه معنى قوله تعالى:[إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] {الحجر:9}.و: [اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا] {المائدة:3}. وهو معنى الحديث المشهور الذي صحَّ معناه: "لا تجتمع أمتي على الضلالة".

والكلمات هي الوسيلة الوحيّدة لنقل المعاني والحقائق من جيل إلى جيل، ومن عصر إلى عصر، ومن إنسان إلى إنسان، فإذا وقع الشك في مدلول هذه الكلمات ومصداقها، أو صار التلاعب بها هيِّناً، اضْطربت دعائم الدين وتزلزلت أركانه، وهذا يعم التاريخ والشعر والأدب، لذلك كانت الفوضى اللغوية linguistic anqrchyأشد خطراً وأكثر ضرراً من الفوضى السياسية political anarchy.

ويقول أيضا في ضرورة صيانة الحقائق الدينية والمفاهيم الإسلامية من التحريف:  والتلاعب بمدلولاتها:

" يجب على العاملين في مجال الدعوة الإسلاميِّة: صيانة الحقائق الدينيَّة والمفاهيم الإسلاميَّة من التحريف، وإخضاعها للتصورات العصرية الغربية، أو المصطلحات السياسيَّة والاقتصاديَّة التي نشأت في أجواء خاصَّة ، وبيئات مختلفة، ولها خلفيات وعوامل وتاريخ، وهي خاضعة دائماً للتطور والتغيير، فيجب أن نغار على هذه الحقائق الدينيَّة والمصطلحات الإسلاميَّة غيرتنا على المُقدَّسات، وعلى الأعراض والكرامات، بل أكثر منها وأشد، لأنها حصون الإسلام المنيعة، وحِماه وشعائره، وإخضاعها للتصوُّرات الحديثة أو تفسيرها بالمصطلحات الأجنبية إساءة إليها لا إحسان، وإضعاف لها لا تقوية، وتعريض للخطر لا حصانة، ونزول بها إلى المستوى الواطي المنخفض، لا رفع لشأنها كما يتصور كثير من الناس".

الدعوة إلى الإضافة والتعديل والتحسين في الدين :

ثالثا: ليس في المقالة  شيء يوصف بأنه مسلمات دينيَّة، أو حرمة لنصوص قطعيَّة. 

وذلك واضح من خلال الدعوة إلى فتح باب (الإضافة والتعديل والتحسين على نصوص القرآن والسنة ). 

ويعيب على الذين يقفلون الأبواب دون ذلك.

إنها دعوة إلى صياغة ديننا كما نحب. إضافة وتعديلا وتحسينا. حتى إذا أصبح مرضيا عندنا  نلتزمه !! 

 

تقديس العلم واعتباره مقياس التفضيل : 

رابعا: في المقالة دعوة إلى تقديس (العلم ) ، وأنه معيار التفضيل، وأنه كسب واجتهاد العبد مستقلا به عن ربه، وأن آدم أهبط من الجنة لأن إبليس استطاع أن يغيِّر ما عند آدم من العلم.

وفي هذه الدعوة  غفلة عن جملة حقائق:

منها: أن عنوان مقالته هو قوله تعالى : { إني جاعل في الأرض خليفة }. في الأرض، وليس في الجنة.

ومنها: أن إبليس كان أعلم من آدم بشهادة الكاتب على هذه الحقيقة؛ لأنه  أدرك سرَّ تفوق آدم بالعلم،  فأراد أن يغيره عند آدم، ونجح في ذلك.

فلو كان مقياس الفضل العلم، لكان إبليس أولى من آدم بالسجود له.

 

ومنها : أن حقائق القرآن المتظاهرة شاهدة بأن معيار التفضيل التقوى والطاعة. وليس العلم. والأدلة على ذلك أشهر من أن تذكر.

وإلا فأين نذهب بقوله تعالى عن الكاتب وأمثاله : (وأضله الله على علم )؟

وقوله: ( وتكتمون الحق وأنتم تعلمون )؟

ونحو ذلك من الآيات، وهي كثيرة.

 

استنكاره أن يكون القتل نصرا ؟ 

خامسا: المقال يدندن حول فكرة (اللاعنف) المشهورة عند الأستاذين جودت سعيد وصهره د جلبي. وذلك عندما يقول: ( حينما يخطئ الإنسان فيحسب القتل نصرا ... )!!

وهو استنكار من الكاتب لكلِّ قتل، من غير تفريق بين قتلٍ بحق، وقد تكرر في القرآن والسنة الحث عليه،  وبين قتل بغير بحق، وقد تكرر في القرآن تغليظه والزجر  عنه.

دعاوى لا برهان لها:

سادسا: في المقالة دعوى على العلم والفقه وعلى العلماء والفقهاء.

 

لم يقل العلماء المعتبرون: إن السلطان سيف الله ورمحه بالمطلق. وإنما بمقدار قيام سيفه ورمحه بنصرة الحق وإقامة العدل.

 

لم يمنع العلماء البحث عن العلل. وهل الفقه الإسلامي العظيم في مجمله إلا بحث عن أدلة الأحكام وعللها ومقاصدها؟!!!

 

لم يقل أحد من العلماء المعتبرين أنَّ المعترض على السلطان خارجي. ما دام اعتراضه بالبيان لا بالسنان، بل إن هذا الاعتراض على الحاكم الظالم من أفضل الجهاد كما هو مقرر في صحيح الحديث، بل الاعتراض بالسنان له أسبابه ومسوغاته  وضوابطه عند الفقهاء.

 

وخلاصة القول: أن المقال فيه قصور علمي كبير، وإثارة صحفية ، وهو – كما قال أخونا الأستاذ زهير الخطيب - : هناك اتجاه يحاول عمل مراجعات، ويدعو إلى التجديد، ولكن تعوزه اللغة الأصولية الشرعية ، بل هم قد يتعمدون ويعمدون إلى الإثارة والمبالغة للفت الانتباه وصدم سكون الفكر الراكد. 

 

 

ومن نماذج هؤلاء الكتاب: خالص حلبي و...... ومن لفَّ لفهم. 

أرى أن لا نصنف بحوثهم في العلم الشرعي ولا حتى في الفكر الاسلامي. 

إنها مقالات صحفية وأبحاث إثارة للعصف الذهني. ولا أرى حمل الكلام الملتبس الذي يوردونه على محمل الزندقة. 

بل نحمله على انه حكي جرائد واثارة صحفية حمالة وجوه. ولو حاورتهم لتنصلوا مما يخدش الدين ودافعوا عن أنفسهم بتأويلات بعيدة ولكنها محتملة.  

 

لو قال احدهم مثلا : من يطع الله ويتعلم الأسماء فإنه يحيى الموتى، وينقل عرش بلقيس.

  فإذا قلت له: كيف يحيي الموتى بنفسه؟ هذه زندقة !!!  لقال لك ببرود : أنا اقصد طبعا بإذن الله ولكن لم اذكر ذلك لأنه بديهي.  

 

أرى ان نصنف هذه الأبحاث  تحت عنوان: حكي جرائد وإثارة صحفية أصبحت من موضات عصرنا ولا نأخذها على محمل الجد والبحث الشرعي). 

 

هنا تجد رد الشيخ عبد الكريم تتان على المقال هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين