وقفات مع كتاب

هذا الكتاب من تأليف الدكتورة سناء عبد اللطيف، ترصد فيه القيم والتوجيهات التي تتضمنها الكتب الإسرائيلية الموجّهة للأطفال. وقد قام الأستاذ الناقد الأدبي عبد الله الطنطاوي بدراسة ضافية للكتاب المذكور، وهذه الدراسة هي التي قرأتها وأثارت في نفسي مشاعر شتى، أحببت أن أثبتها في هذه السطور، لعل فيها عبرة.

1- الاهتمام بأدب الأطفال: يؤكد الكتاب أن لأدب الأطفال أهمية قصوى في عملية تنشئتهم.. فإن ما يكتسبه الطفل في سنوات عمره الأولى من عادات واتجاهات وقيم ومُثُل، يؤثر في تكوين شخصيته.

نعم هكذا يهتم الإسرائيليون بأدب الأطفال، ولا يلقى أدب الأطفال عندنا كثير اهتمام. إذ قلّة من كتّابنا من يتوجه إلى هذا النوع من الأدب، وقليل من هؤلاء من يؤدي الرسالة بأمانة ونجاح.

وبخلاصة سريعة نقول: إن أدب الأطفال حتى يؤدّى بأمانة ونجاح يحتاج إلى عناصر كثيرة، أهمها ثلاثة:

الأول: أن يحمل هذا الأدب القيم العليا التي ينبغي تنشئة الطفل عليها من حب الله تعالى ورقابته، وحب نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه... وتعظيمٍ لقيم الصدق والوفاء والشجاعة والتعاون والتسامح..

الثاني: أن يكتب بلغة عربية سليمة وسهلة. ومن أبرز النماذج التي تحضرني في هذا المجال قصيدة "الطفل والبحر" وعشرات القصائد الأخرى للشاعر سليم عبد القادر، هذه القصائد التي أصدرتها مؤسسة سنا، بألحان وغناء غاية في الروعة.

الثالث: أن يخرج بحُلّة جميلة، وطباعة تناسب سن الطفل وذوقه، وأن تكون مرفقة بصور ملونة...

2- الدعوة إلى الاهتمام باللغة العبرية: لقد حرص أدب الأطفال الإسرائيلي على تأكيد أهمية وحدة اللغة للشراذم التي جاءت من أصقاع الأرض، واحتلت بلداً تزعم أنه أرض بلا شعب. ولأن هؤلاء الشراذم يتكلمون لغات شتى من حيث البلدان التي كانوا يقيمون فيها، فقد اقتضى توحيدُ هؤلاء، أن يعاد إحياء لغة كانت قد ماتت، فلا يكاد يتكلم بها إلا الحاخامات حين يؤدون الصلوات اليهودية. وكم كان صعباً على أبناء الشتات أن يتعلموا لغة من اللغات الميتة!!..

أقول: كم تألمتُ حين قرأت عما فعله اليهود من إحياء لغة ميتة حتى تكون عاملاً يوحّدهم، ونظرت إلى قومي الذين أكرمهم الله بلسان عربي مبين، أنزل فيه كتاباً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كتاباً خالداً تعهّد الله تعالى بحفظه، وكان سبباً في المجد الذي كسبه العرب، وتشرّف به كل من هداه الله إلى هذا الدين العظيم... قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً، وراحوا يحيون لغات عامية تفرّق بين أبناء قطر وآخر، من أقطار الأمة المسلمة، بل تفرّق بين ابن مدينة وأخرى، وقرية وأخرى. وكم حذّر أصحاب الغيرة من إهمال الفصيح وتوكيد العامي، للدمار الذي يحدثه ذلك على وحدة الأمة. بل اختلط في لغتنا العامية كثير من الكلمات الأعجمية، ننطقها جهلاً، أو تظرّفاً، أو تهاوناً.. فيرسل أحدنا رسالة إلى صاحبه، لكنه يسميها "مسِج" وتسأله: "أهذا مناسب؟" فيقول لك: "أوكي"، ويرسل إليّ أحدهم رسالة على الخلوي: "عمو أبوي بدو يشوفك"، وقد شقّ عليه أن يقول: "أبي يريد رؤيتك".

أليس من أسباب قوة إسرائيل، الدولةِ المغتصبة أرضنا، حرصُها على لغة تجمعها، ومن أسباب ضعفنا تفرّقنا عن لغة كانت تجمعنا؟!!.

3- في بعض قصص الأطفال في الأدب الإسرائيلي أن مجموعتين من "أطفالهم" كانتا فريقين متخاصمين، وفي أثناء صدامهما إذا بطفل يجلس على غصن شجرة وكاد ينكسر به ذلك الغصن ويقع الطفل... تقول القصة: "وقفنا جميعاً حول الشجرة، فلم نعد مجموعتين متعاديتين، ولم تعد روح الحرب تفرّق بيننا.. إن القلق على سلامة الطفل وحّد بيننا".

نعم، إنها قيمة عليا تدعو إليها القصة: الاتحاد ونسيان الخصومة أمام خطر يهدد واحداً منا.

لقد جاءت نصوص كتاب ربنا، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، تؤكد جمع الكلمة، وتحذّر من التفرّق، فما بالنا، وقد رمتنا الأمم عن قوس واحدة، نثير أسباب الفرقة، ونبحث عما يفرّق، ونصدّق دعاوى الأعداء التي تحرّض بعضنا على بعض، ونغفُل عما يجمعنا، وما يجمعنا من حب لله تعالى ودينه ورسوله.. أكبر بمئات المرات مما يفرّق؟ ما بالنا نتخاصم ونتنازع فنفشل وتذهب ريحنا، ونحن أمام أعداء يتربصون بنا، بل ينهشوننا من كل جانب؟!.

4- وليس بعيداً عن النقطة السابقة: يرمي أدب الأطفال العبري إلى تنمية الوعي بالمصير المشترك، وتجسيد القدوة الصالحة في شخصيات عرفها، أو زعمها، التاريخ اليهودي، وإبراز دور الأعياد اليهودية والطقوس الدينية في توطيد العلاقة بين أبناء الشعب، وإثارة مشاعر الشفقة على الفقراء والضعفاء..

قد لا يحتاج الأمر إلى مزيد من التعليق. فأين نحن من إحياء سِيَرٍ لقدوات صالحة من الصحابة فمن بعدهم، وما أكثرهم، وما أعظمَ مزاياهم، ومِن تذكيرٍ لأسر بطرت معيشتها في بعض البلدان، بأسر لا تجد لقمة الخبز، أو علبة الحليب، أو زجاجة الدواء.

5- والتمسك بالتوراة: في الكتاب أن أحد المفكرين الصهيونيين يقول: "إن القومية التي أمثّلُها هي تلك القومية التي روحها التوراة، وحياتها مستمدة من تعاليم التوراة ووصاياها. إن الدين هو مصدر القومية".

نعم يقولونها بالفم العريض إنهم يتمسكون بالتوراة وتعاليمها. وقبل أيام كنت أسمع إلى إذاعة لندن وهي تتصل بمحلل سياسي إسرائيلي تسأله عن بعض قضايا النزاع بينهم وبين أصحاب الأرض الفلسطينيين... فيقول للإذاعة: نحن شعب الله المختار! وقد منحنا الله هذه الأرض.

وأنظر إلى قومي وإذا فيهم من يرفض الاحتكام إلى كتاب الله، وفيهم من يخجل لو قال: إنه يطالب بالحكم بما في كتاب الله، بل يكتفي بالمطالبة بأمور لا تتعارض (يزعم) مع كتاب الله. أما الدعوة إلى الحكم بالقرآن فقد أصبحت جريمة يلاحَق أصحابها. ألسنا منذ ربع قرن ونحن نسمع بين الحين والآخر أن جهة ما، ينبغي محاربتها، لأنها تريد إقامة "إمارة إسلامية" سواءٌ سلكت لذلك سبيل الانتخابات الحرة والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، أو سلكت أسباب القوة المادية؟!. إن إقامة إمارة إسلامية جريمة، أما إقامة دولة صهيوينة على أساس تعاليم التوراة، لِـ "شعب الله المختار"، فأمر يستحق الدعم السياسي والإعلامي والمالي... من الولايات المتحدة ومن حلفائها وعملائها.

6- وفي الكتاب: "يركّز أدب الأطفال العبري على تدعيم الإحساس بحتمية الحروب من أجل ضمان الوجود البيولوجي الإسرائيلي، حتى تنتقل المشاعر إليهم تلقائياً فتجعل الأطفال يتعايشون مع ويلات الحروب.. وتزرع في نفوسهم شعوراً بضرورة التفوق والتدريب.. وتستثير الروح العسكرية..".

هل يحتاج هذا إلى تعليق؟!!..

7- وفي الكتاب تأكيد لأهمية القصة التاريخية التي تحيي الأمجاد، أو تصور الظلم الذي تعرّض له الشعب في مرحلة ما، أو تصور نماذج من البطولة القتالية، أو البطولة الأخلاقية، وأهمية العمل والإنتاج، والتعاون والتراحم، وتنمية التفكير الإبداعي...

إنها رسالة إلى كتّابنا، ومفكرينا، وإعلاميينا... أن تعلموا الدروس من عدوّكم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين