احتياجات الإنسان في زمن الحرب

 

لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وجعل له جسداً وروحاً ووضع لكلّ منهما احتياجات على الإنسان أن يعطيها حقها، وقد صنف علماء النفس والتنمية البشرية احتياجات الإنسان إلى عشر درجات مرتبة كما في الهرم التالي:

البقاء والأمان، الضمان والاستمرارية، الحب، التقدير، الانتماء، استقلال الشخصية، الإنجاز، الرضى والاستمتاع، التغيير، وجود المعنى في هذه الحياة.

فهناك احتياجات تمثل قاعدة الهرم للحاجات الأخرى، فالإنسان لا يفكر في إشباع الحاجات الأخرى طالما أنّ الحاجة الأساسية غير مشبعة.

فالحاجة إلى البقاء: تعني أنّ كل واحد منَّا متمسك بالحياة إلى أقصى حدٍّ حتى وإن كان يدَّعي غير ذلك، ومن أولويات البقاء الأساسية الهواء والماء والطعام والسكن…. وكلنا يعرف ماذا يمكن أن يفعل الإنسان إذا أحسَّ أنَّه مهدد في بقائه فيمكن أن يقضي على حياة أخرى ليحرص على بقائه.

وتظهر الحاجة إلى الأمان بعد إشباع حاجة البقاء، وهي تشمل:

(السلامة الجسدية من العنف والاعتداء -الأمن المعنوي والنفسي -الأمن الأسري -أمن الممتلكات الشخصية ضد الجريمة -الأمن الوظيفي   -الأمن الصحي ….)

الضمان والاستمرارية: ضمان البقاء وتكريس الوجود، كجمع الأموال، وتكديس الطعام في المنازل، وكأنَّ المأكولات ستفقد من السوق، فهذه السلوكيات تهدف إلى تثبيت البقاء ولو بطريقة لا شعورية.

فمثلا في وضعنا الراهن كسوريين، إنسان محاصر جائع و آخر مهجّر دون سكن و عمل ، هل يمكن أن يفكر في الحاجات الأخرى غير الأمان و البقاء و الضمان والاستمرارية ؟

نعم ربَّما يفكر “لكن تفكيره هنا لا يتعدى كونه حلماً وفقط” ولا يسعى إلى تحقيقه، فكل ما يشغله هو إيجاد لقمة يسد بها جوعه ومأوى يسكن فيه، وعمل يضمن استمرار حياته.

ربَّما يطرأ في بالك لماذا لا يفكر في أن يكون مبدعاً أو أن تكون له مكانة مرموقة في المجتمع؟ طبعاً هو لا يفكر، لأنَّ أهم الحاجات لم يقم بإشباعها وهي الغذاء، المسكن، الأمان، وضمان استمراره.

لن يفكر الإنسان ولن يستطيع تحقيق باقي الحاجات الأخرى طالما لديه نقص في أي من هذه الحاجات، فالفرد الذي يعاني لفترات من عدم إشباع الحاجات الفيزيولوجية، قد يرغب في المستقبل عندما يصبح قادراً على أن يشبع هذه الحاجات في أن يشبعها بشكل مفرط، فمثلا قد نجد أنَّ الفقير عندما يزداد غنى فإنَّ معظم نفقاته قد تتجه إلى الأكل والشرب والزواج.

وهناك قاعدة مهمة وهي أنَّ إشباع الاحتياجات لدرجة التخمة تؤدي الى حالة من الترهل والضعف والمرض، ولذلك فلابدَّ من وجود توازن بين درجة الإشباع ودرجة الحرمان، لأنَّ الحرمان ينشط الدوافع ويجعل الإنسان يتحرك ويعمل ويكون عنده أمل ويسعى وراء هدفه، ولكن إذا أشبعت كل احتياجاته فسيتوقف الإنسان عن السعي والحركة والتفكير والإبداع، ولن يكون عنده معنى لحياته، كما يحصل عند بعض الأشخاص المترفين في هذا العالم.

و هذه رسالة مهمة إلى المهتمين بشؤون الشعب السوري  لفتح مراكز دراسات اجتماعية  لتلافي انهيار المجتمع السوري،  فسياسة التجويع و فقدان الأمن في المناطق المحاصرة و سياسة التهجير القسري  جاءت عن دراسة نفسية عميقة و هي إبقاء المواطن السوري  يبحث عن بقائه و أمنه و ضمان استمراره، و لم يعد يهتم مطلقاً بباقي الاحتياجات، فها نحن نفقد  الحب المنغرس بين السوريين لبعضنا  البعض و الذي تربينا عليه من آبائنا، وفقدنا  تقديرنا لأنفسنا، وانتماؤنا لبلدنا أصبح لدى الكثيرين ليس له قيمة، و أصبحت شخصية المواطن السوري في كثير من الأحيان مرهونة للداعم الذي يقدم له السلة الغذائية، و بقية الاحتياجات من الإنجاز و الاستمتاع والتغيير، وأن يكون لحياته معنى أصبحت  لدينا حلماً بعيد المنال.

المصدر : مجلة حبر

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين