اللغز وراء الإعدامات الصامتة في بنغلاديش العزيزة؟!

 

منذ سنوات وحالة السادية الإرهابية الإعدامية تأخذ بتلابيب سيدة بنغالية تدعى حسينة واجد رئيسة وزراء بنغلاديش ابنة مؤسس البلاد مجيب الرحمن الذي قاد الانفصال عن باكستان عام 1971، وكأن حسينة التي كانت الناجية الوحيدة من المذبحة التي تعرضت لها العائلة يوم الانفصال على أيدي الجيش الباكستاني نظراً لوجودها خارج البيت يوم اقتحامه، تريد الثأر لذاك اليوم.

 

 كنت قد زرت بنغلاديش قبل سنوات وأعددت فيلماً وثائقياً للجزيرة عنه وتلك قصة أخرى قد نرويها في المستقبل،  ولكن لا زلت أذكر الدليل البنغالي،  وهو يشرح لي كيف قتل أفراد عائلة مجيب الرحمن،  مشيراً إلى  الدرج،  هنا سقط فلان، وهناك سقطت فلانة..

 

لا أخفي أنني كنت متضامناً مع الضحايا ربما لخلفيتي من حجم الظلم والإجرام الذي عانيناه في سوريا على مدى عقود على أيدي طغمة طائفية مجرمة، ولكن لم أكن أتوقع أن الضحية تتعلم من جلادها أسوء ما فيه، وما توقعت أن حسينة تلك المرأة التي رأت ما حل بوالدها ستنتقم ممن اجتهدوا يومها برفض الانفصال، كون الأمة مؤمنة بالوحدة وبغض النظر عن رموز هذه الوحدة الذين كانوا لا يمثلونها ولا يمثلون شعارات رفعوها كذباً وعدواناً، وها هم اليوم يثبت أحفادهم ذلك حين يتخلون عن الشيخ مطيع الرحمن نظامي وإخوانه الذين يعلقون على أعواد المشانق وسط صمت باكستاني مريب يرقى إلى حد الخيانة وربما الفرح والبهجة بما يجري لرفاق سلاحهم بالأمس ...

 

فقد رفض القادة السياسيون ممثلين بذو الفقار علي بوتو والعسكريون ممثلين بـ يحي خان كقائد للجيش الرضوخ لإرادة الشعب في تسليم السلطة للفائز في الانتخابات وهو الشيخ مجيب الرحمن الذي اكتسحها بالكامل، تماماً كما رفض سلفهم بالتسليم في جعل اللغة البنغالية لغة رسمية في البلاد كون الناطقين بها هم الأغلبية، بالإضافة إلى كون اللغة الأوردية المعتمدة ليست لغة أي من العرقيات الباكستانية البنجابية أو السندية أو البلوشية أو البشتونية وإنما هي لغة رسمية هندية وباكستانية، ولا بد من الإشارة السريعة إلى الدور الإقليمي الخفي في الانفصال إن كان من قبل الهند أو إيران وما نقل عن الشاه يومها أنه لا يتحمل دولة مسلمة سنية قوية وشاسعة كباكستان على حدوده ..

 

هذه المقدمة حتى لا يظن ظانّ أنني أؤيد ما فعله الجيش الباكستاني بحق البنغاليين في تلك الأيام السوداء، ولكن أن يُعاد فتح ملف شائك يهمّ الوطن وشرائحه كلها من قبل حزب استئصالي يجهر صباح مساء بولائه للهند، ويسمح لنفسه أن يكون مطية وأداة لتنفيذ الأجندة الهندية بقتل كل من كان له دور في وقف عدوانها على البنغاليين وتقسيمهم في حرب 1971، ويُستثنى الضباط وشرائح أخرى من تلك المحاكمات،  فهذا لا تقره قوانين الأرض ولا قوانين السماء، لا سيما وأن المعارضة البنغالية قاطعت بالكامل آخر انتخابات فازت عليها حسينة وحزبها بالتزكية بسبب المقاطعة، وقد سجلت استطلاعات الرأي مشاركة لا تتعدى الـ 3% فقط من الشعب البنغالي، وهو ما يعني ببساطة أن هذه المحاكمات حزبية لا علاقة لها بالوطن وهمومه بعد أن أعدمت شخصية وطنية معروفة تشودري، وماذا لو شكل حزب آخر كالجماعة الإسلامية المشارك في الحياة السياسية بعد فوزه محكمة ليعيد النظر في تلك المحاكمات ويعدم القائمين عليها اليوم، وتلك سلسلة من المحاكمات والمحاكمات المضادة لن تنتهي فالدم سيولد الدم وكذلك الثأر والحقد.

 

شيوخ بأعمار تتعدى الثمانين يواجهون الإعدام،  وذاك مرفوض في كل قوانين الأرض،  ولا يسمح لهم حتى بالمحاكمة العادلة بل المحكمة التي نصبتها حسينة واجد هزلية بان عوارها باستقبال رئيس المحكمة وبكل صفاقة السفير الهندي وذلك قبل يوم واحد من إعدام الشيخ مطيع الرحمن ليطمئن إلى عدم رضوخ بنغلاديش إلى نصائح دول عربية وإسلامية بألا تفعل ذلك، بالإضافة إلى ما تسرب من قول رئيس المحكمة في البداية للإدعاء ليس لدي دليل على قولكم بإعدامه، ثم ما تسرب من مكالمة بينه وبين قيادات الحزب الحاكم التي تطالبه بحكم الإعدام لنظامي ...

 

الآن أعود إلى اللغز التاريخي لفهم خلفيات الإعدامات الصامتة ومعها الصمت العالمي المريب إزاء هذا المسلسل المشين، فللتاريخ فإن العنصر البنغالي يعد من أخطر الأعراق الأسيوية على الاستعمار والمحتل، ولذا كان أحد عرقين اثنين وحيدين انتفضا ضد الاستعمار البريطاني للمنطقة التي لم تشهد طوال الـ 200 عاما انتفاضات شعبية إلا من خلالهما حين تمرد الجنود البنغال عام 1857 فكانت انتفاضة عارمة ضد الجنود البريطانيين راح ضحيتها أعداداً ضخمة من القتلى والجرحى، ولا تزال محفورة بالتاريخ البريطاني، بالإضافة إلى تمرد وثورة أحمد واسماعيل الشهيدين البشتونيين..

 

العرق البنغالي يتمتع بالثقافة والذكاء ولذلك كانت نسبة الأمية متدنية جداً أيام الحضارة المغولية وكانت مدن بنغلاديش يشهد لها بالعلم والثقافة وللعلم فإن  الشاعر طاغور ليس هندياً وإنما من بنغلاديش الراهنة، بالإضافة إلى ذلك يكتب مجيب الرحمن في مذكراته كيف أن مدن بنغلاديش كانت تنافس مانشستر بالصناعة والنسيج في القرن التاسع عشر ..

 

التآمر العالمي والاقليمي يستهدف حواضر الإسلام وكل من يُعتقد أنه سيشكل تهديداً مقبلاً عليه، وهو ما يحصل في الشام والعراق واليمن ويفسر ما يحصل في بنغلاديش، كلمة أخيرة وهي أن هذا الاستهداف سيفشل في تحقيق مرامي وأهداف من أطلقوه، وثورة حقيقية ستزهر من خلف هذه الإعدامات لتسقيها دماء شهداء ارتقوا إلى الله على درب الحرية والوحدة، يشكون إلى الله إجراماً داخلياً وخارجياً وصمتاً إسلامياً وعربيا..

المصدر : شؤون خليجية 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين