الثورة السورية وحرب المصطلحات السياسية

 

لا نستطيع أن ننكر أنه من الأسباب الرئيسية للأزمة السورية والاختلاف بين أطياف المعارضة إنما هو إشكالية المصطلحات فهذه المصطلحات المستوردة من الغرب (الديمقراطية والمدنية والمواطنة ..) اختلفت المعارضة في الأخذ بها فبعض الحركات الإسلامية ترى أن هذه المصطلحات من مفرزات الدولة العلمانية وأن الأخذ بها كفر ويجب علينا الاعتماد على مصطلحاتنا الأصيلة وأطياف من المعارضة وبعض الأحزاب الإسلامية ترى أنه لا مانع من الأخذ بهذه المصطلحات وأنها لا تتعارض مع ديننا الحنيف وما بين معارض للمصطلحات ومبيح لها انعدمت الثقة بين المعارضة وعلت لغة التخوين بينهم وانتشرت ثقافة الرفض .

وأرى أننا لا يمكننا التخلص من هذا الخلاف إلا إذا فرقنا بين المصطلح ومضمونه 

 فالمواطنة مثلا مصطلح غربي من مفرزات الدولة المدنية ولكن المواطنة كمضمون تركز على موضوع المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين أمام الدولة دون تمييز والديمقراطية مصطلح غربي وافد إلينا أما مضمونها فهي تركز على الحرية والمساواة وإن أجرينا مقارنة بسيطة لرؤية من يطبق هذه المفاهيم ويؤكد عليها سنجد أن الشريعة الإسلامية كانت تؤكد على هذه المفاهيم (الحرية والعدالة والمساواة والشورى ..).  

إن العالم اليوم يركز على المصطلحات ولا يركز على المضامين وحتى النظام المجرم ينادي بدولة المدنية والديمقراطية ويتكلم بهذه اللغة وهو أبعد ما يكون عنها والدول القوية تنادي بحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير المصير والسلم الدولي وهي أبعد ما تكون عنه.

وعلى اعتبار أن القوة السياسية والعسكرية المهيمنة اليوم هي القوة الغربية يجب علينا أن نمارس هذه اللعبة ونتكلم بلغتهم السياسية كما نتكلم بلغتهم العسكرية مع تأكيدنا أن الإسلام يركز على الحرية والعدالة والمساوة كمفاهيم وأن هذه المصطلحات ممكن الأخذ بها بما يتناسب مع ثقافتنا وأدبياتنا الإسلامية مع إدراكنا بأننا اليوم نعيش مرحلة شدة وأن ننطلق من هذا الواقع نحو التغيير المنشود لا أن نعيش مرحلة الرفض الدائم ونبقى خارج التاريخ .

فهذه المصطلحات هي مصطلحات سياسية مؤقتة قد تتغير مع تغير الزمان فقد يأتي زمان وتصبح هذه المصطلحات مرفوضة وعندما نعيش مرحلة التمكين كمسلمين يجب علينا أن نفرض مصطلحاتنا الأصيلة مع التذكير أن هذه المصطلحات هي مصطلحات سياسية وليست شرعية فهي تعد من السياسة الشرعية .

فإن أدركنا هذا الموضوع واستطعنا أن نفرق بين المصطلحات ومضامينها أعتقد أننا سنقطع شوطاً كبير في اتجاه عودة الثقة بين المعارضة السياسية وبين الحركات الإسلامية.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين