تأملات في الدين والحياة

 

 

ناس طيبون!!

 

جلس إلىَّ الرجل يقص رؤياه التى كانت أضغاث أحلام، وتبرق جبهته وهو يحدثني كيف قضى أول الليل فى الحضرة الصوفية التى تقيمها "طريقته " وكيف أن "الشيخ " عاب على مريديه تقصيرهم فى العبادة، وذكر لهم أن هناك نسوة من أتباع الطريقة بلغ بهن الصفاء أن رأين النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام... وأنتم أيها الرجال لا تصلون إلى هذه المنزلة!!

 

وهنا فتل الرجل شاربه، وقطب جبينه، وفهمت منه أن هذا التقريع أثر فيه فنام وقام، ثم جاءنى برؤياه الصالحة! قبل أن يخبر بها شيخه العظيم!

 

وقمت عن الرجل فإذا حلقة صغيرة تضم عددا من الرجال الذين يكثرون التردد على المسجد أبوا إلا أن يشركونى فى حديثهم، فأخذت مكانى بينهم مضطرا ، وسمعت أحدهم يقول- وهو يستأنف كلامه حريصا على أن يسمعنى وأن يمتعنى: لقد كان الشيخ فلان يبنى دارا فى بلدة كذا فكان الغمام يظله فى حر الظهيرة! وتلك بركة الإخلاص ورفعة الدرجة عند الله.

 

وقال جليس آخر ـ بعد أن أمن على رأى زميله- : ولقد دخل الشيخ فلان على جماعة يغنون ويطربون فإذا آلات اللهو تنكسر فى أيديهم، وتخرس أصوات الغناء فى حضرته!! وهل تعلمون أن الشيخ فلانا دعى إلى مأدبة الخديوى فذهب إلى هناك وأمسك بأطباق الطعام يعصرها فإذا هى تقطر دما.

وهنا صاح الشيخ يقول: أنا لا آكل من دم العباد!

 

ثم شرع أحد الجلوس يعلق فى تشاؤم وضيق: لقد فسدت الحال ورق الإيمان وضاع الإخلاص و... وانشغل العلماء بالدنيا.. 

 

ثم سكت قليلا يحسب أن فى الكلام تعريضا بى.

 

وهنا أنقذ الموقف جليس وقور يقول وهو يهز رأسه:الفاتحة أن ينصر الله الإسلام!! 

 

وكدت أقرأ الفاتحة بنية أن الله ينقذ الإسلام من هؤلاء. لولا أنى تذكرت فتوى عالم فاضل بأن هذه بدعة فانصرفت عنهم وأنا أحدث نفسى، إن الدين أصبح كالجنون. فنونا أى فنون!

 

* * *

 

• وعظ فى الهواء .. وقرآن للبيع 

 

اشتركت وزارة الشئون الاجتماعية، ووزارة الصحة، ووزارة الأوقاف، وإدارة الأزهر، وعدة هيئات شعبية فى الاحتفال بذكرى الحسين.. 

 

وقلت لنفسى: أذهب إلى الساحة المائجة لأسمع وأرى.. فلما ذهبت لم أدر أأتهم نفسى أم أتهم الناس، كانت مكبرات الصوت مبثوثة هنا وهناك، والأغانى الخليعة تذاع إلى جانب المحاضرات الدينية.

 

أفتظن الجد كان يتميز كثيرا عن الهزل؟ لا! إن تميز فى جوهره فما يتميز لدى جمهور السامعين الذاهلين! إن صيحات الوعظ كانت تهز موجات الهواء ولكنها لم تهز جوانب القلوب. 

 

واستوقفت نظرى أمور شتى فى خطب أولئك الواعظين. ما هذه الأحاديث الشريفة التى تلقى فى الهواء بالعشرات؟، إنها الدرر التى كانت تنحدر من فم الرسول صلى الله عليه وسلم يلقفها السامعون بمشاعر الإعزاز البالغ، ويعرف صاحبها العظيم قيمتها فهو يقتصد فى إلقائها اقتصادا ، ويوجز فى أحاديثه حتى لتحصى على الأصابع إحصاء. 

 

هذه الأحاديث كانت تلقى فى إسراف شديد... فى الهواء! أو لقوم قلوبهم فى الهواء. 

 

ورأيت رجلا قارب الستين أو جاوزها، يدخل فى دكان ليعرض على من فيه بضاعته، وما بضاعته؟ إنه الوحى الذى نزل به الروح الأمين.

 

هذا رجل أشيب يرتزق بالقرآن من قديم، وكان صاحب الدكان زاهدا فى السماع فأعطى السائل قريشات وصرفه. 

 

وتبعت القارئ السائل بعين تكاد تطفر دمعا، وقلب ملىء بالكآبة. 

 

وهل رأيت مواكب الصوفية المتتابعة فى هذه الساحة الغاصة؟ إن طبولها تدق لا لإعلان الحرب على الشيطان، بل لإعلان حرب الشيطان على دين الرحمن! 

 

ورأيت يهوديا يرمق الموكب الصاخب بنظرات شزراء! فتضاءلت فى شخصى، وأحسست بسهام الخزى تخترق فؤادى من كل صوب، ثم مرت الأعلام التى نقشت جوانبها بأسماء الخلفاء الأربعة، ومن تحتها فلول من الفلاحين الأغبياء! 

 

ووقفت فى مكانى أستعرض المارة كما يستعرض القائد المكسور جيشه المهزوم! ولم أجد أفضل من أن أعود أدراجى تاركا لوزارات الشئون، والصحة، والأوقاف، والأزهر عبء العمل المنتج فى ساحة الاحتفال المهيب! 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين