رجال مثل الذهب

 

في السلسلة الصَّحِيحَةِ  [2288] قَال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " وَالَّذِي نَفْسُ محَمَّدٍ بِيَدِه: لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتىَّ يُخَوَّنَ الأَمِينُ وَيُؤْتَمَنَ الخَائِن، وَحَتىَّ يَظْهَرَ الفُحْشُ وَالتَّفَحُّش، وَقَطِيعَةُ الأَرْحَامِ وَسُوءُ الجِوَار، وَالَّذِي نَفْسُ محَمَّدٍ بِيَدِه: إِنَّ مَثَلَ المُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ الْقِطْعَةِ مِنَ الذَّهَب؛ نَفَخَ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا ـ أَيْ حَتىَّ تَطَايَرَ مِنهَا الشَّرَر ـ فَلَمْ تَتَغَيَّرْ وَلَمْ تَنْقُصْ، وَالَّذِي نَفْسُ محَمَّدٍ بِيَدِه: إِنَّ مَثَلَ المُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ النَّحْلَة؛ أَكَلَتْ طَيِّبَاً، وَوَضَعَتْ طَيِّبَاً، وَوَقَعَتْ فَلَمْ تَكْسِرْ وَلَمْ تُفْسِدْ "  أَيْ وَتَقِفُ عَلَى الْغُصْنِ فَلا تَكْسِرُه"

 

وفي صَحِيح الجامع: 5846 , والسلسلة الصّحِيحَة: 2288: " إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ الْقِطْعَةِ مِنْ الذَّهَبِ , إِنْ نُفِخَ عَلَيْهَا احْمَرَّتْ , وَإِنْ وُزِنَتْ لَمْ تَنْقُصْ , وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ , إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ , إِنْ أَكَلَتْ , أَكَلَتْ طَيِّبًا، وَإِنْ وَضَعَتْ , وَضَعَتْ طَيِّبًا , وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عُودِ شَجَرٍ , لَمْ تَكْسِرْ وَلَمْ تُفْسِدْ "[1]

 

فارتقِ للرجولة بهذه الصفات، ولا تخلد للذكورة التي تستوي في صفاتها جلُّ المخلوقات؛ فالذكورة غير الرجولة، فكل رجل ذكر ، وليس كل ذكرٍ رجلاً.

 

 هناك من الرجال من قد يساوي مائة رجل، ومن الرجال من قد يساوي ألف رجل، ومن الرجال من قد يساوي أمة، ومن الرجال من قد يساوي الأمم كلها وهو صفوة الخلق محمد صلوات الله وسلامه عليه، ومن الرجال من لا يساوي شيئا ( وهو الرجل الصفر) قيل: رجلٌ يساوي ألف رجل، ورجلٌ لا يساوي رجلاً. وكقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الصحيحين (خ) 6133 , (م) 2547 :" إِنَّمَا النَّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ , لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً " .

 

المَعْنَى أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ أَهْلُ نَقْصٍ , وَأَمَّا أَهْلُ الْفَضْلِ فَعَدَدُهُمْ قَلِيلٌ جِدًّا، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الرَّاحِلَةِ فِي الْإِبِلِ الْحَمُولَةِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} , وَنُقِلَ عَنْ اِبْن قُتَيْبَةَ أَنَّ الرَّاحِلَةَ هِيَ النَّجِيبَةُ الْمُخْتَارَةُ مِنْ الْإِبِل لِلرُّكُوبِ فَإِذَا كَانَتْ فِي إِبِلٍ عُرِفَتْ.

 

وَقَالَ اِبْنُ بَطَّال: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ النَّاسَ كَثِيرٌ , وَالْمَرْضِيَّ مِنْهُمْ قَلِيلٌ. فتح الباري (18/ 335)

 

 وقال الجاحظ في رسائله(1/ 151) : قد نجد الرجل يوزن بالأمة، ونجد الأمة لا تساوي قلامة ظفر الرجل.

 

 

{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 120]

 

وأمنية عمر دار مملوءة رجالا كأبي عبيدة ومعاذ

 

كما في فضائل الصحابة (2/ 740) :" أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا لِمَنْ حَوْلَهُ: تَمَنَّوْا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مَمْلُوءَةٌ ذَهَبًا فَأَنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ: تَمَنَّوْا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ لَؤْلُؤًا أَوْ زَبَرْجَدًا أَوْ جَوَهِرًا، فَأَنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَتَصَدَّقُ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: تَمَنَّوْا، فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ عُمَرُ: «أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ رِجَالًا مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ»[2] .

 

وفي لوامع الأنوار البهية (2/ 347)كَانَ كَتَبَ عَمْرُو بْنُ العاصِ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ يَسْتَمِدُّهُ بِثَلَاثَةِ آلَافِ فَارِسٍ فَأَمَدَّهُ بِخَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَالْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -."[3]

 

وصفات هؤلاء الرجال الذين مثل الذهب كما في القرآن الكريم:

 

1.        القيام بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم على خير وجه

 

سواء كانت هذه المسؤولية فردية أو أسرية أو اجتماعية أو دولية} الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ..} [النساء 34]

 

. { لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ..} [ النساء: 32].

 

{وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } [هود 78[

 

{وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا ..} [ الأعراف: 155] 

 

 2.        التطهر والتزكي:

 

".. لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ .." التوبة 108.

 

3.        المحافظة على الفرائض ممثلة في إقام الصّلاة وإيتاء الزكاة ولا ينسون نصيبهم من الدنيا

 

{ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } [النور 37].

 

4.        الوفاء والصدق والصبر والثبات على المبادئ والحق

 

{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب 23].

 

5.        الإيمان بالله والخوف من عذاب الله والصدق معه والقوة به والتوكل عليه:

 

{قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [المائدة 23].

 

6.        الإيجابية والفاعليّة: والحيلولة دون قتل الأنفس المعصومة

 

{وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [القصص 20].

 

{وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [ غافر: 27- 28].

 

7.        الدعوة إلى إتباع رسالات الله

 

} وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} [ يس 20].

 

8.        الرجال أصل في الانتشار والشهرة في الدنيا والآخرة:

 

{ يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً ....} [ النساء :1].

 

9.        الرجال آثرهم الله تعالى بالنبوة:

 

{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ ..} [يوسف: 109].

 

10. يردون الضالين إلى صوابهم :

 

{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا *وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا *أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} [الكهف: 37 - 41]

 

11. لحرمتهم وجمع من النساء منع الله تعالى رسوله من دخول المسجد الحرام.

 

وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً * هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً" [ الفتح: 24- 25 ]

 

 

[1] (حم) 6872 , انظر صَحِيح الْجَامِع: 5846 , الصَّحِيحَة: 2288

[2] فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل (2/ 740)

 [3] لوامع الأنوار البهية (2/ 347)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين