الأصوات النشاز في ساحة الجهاد الشامي؛متى ستتوقف عن نشازها؟!

 

من واجبنا الدعوة إلى الله، ولكن يحرم علينا شرعاً الفتوى في دين الله بغير علم.. ومن واجبنا التحريض على الجهاد في سبيل الله، ولكن يحرم علينا شرعاً أن نفتي ونحكم في الوقائع الجهادية بغير علم، بل يحرم علينا اتخاذ المواقف قبل قراءة أحكام الجهاد كاملة، وبالتفصيل الممل جداً!!

فالمزارع يجب عليه أن يتعلم أحكام الزراعة، والتاجر يجب عليه أن يتعلم أحكام التجارة، والسياسي يجب عليه أن يتعلم أحكام السياسة الشرعية. أما أن يأتي شخص إلى الجهاد وقد قرأ مجموعة من وجبات الهامبرغر الجهادي السريعة (كتيبات جهادية)، أو أن يأتي فيقول: قال فلان وقال فلان، فلا مؤلفو الكتب، ولا أولئك الأصنام التي تبعتها ستشفع لك يوم القيامة. قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: 165-167].

وتحديداً الجهاد في بلاد المسلمين فيحتاج المجاهد إضافة إلى أحكام الجهاد مجموعة من الأحكام؛ منها: أحكام الردة، وأحكام دفع الصائل، وأحكام البغي، وأحكام الفتنة؛ لأنك بخطأ صغير عن جهل، ومع عدم الرجوع لأهل العلم الأثبات في الفقه تحديداً، فستتحول من مجاهد إلى مرتكب لإحدى السبع الموبقات، وهي القتل العمد لإنسان مسلم، أو استباحة قتل المسلمين، وهذا يجعله في خانة الخوارج الذين كفرهم الإمام الأحمد - دون باقي المذاهب - بسبب استباحتهم للدماء المعصومة.

هكذا بدأت الأصوات النشاز:

هذه بذرة الفساد على الأراضي الشامية، وهكذا بدأت فتنة التكفير في بلاد الشام. أقوام جُهَّال عاشوا على ثقافة الهمبرغر الفكري، ووجبات الكتيبات الفكرية السريعة، وغرست فيهم حكوماتهم ودولهم الكِبْر واعتقاد الجهل والانحراف في جميع مسلمي الأرض، ويظنون أنفسهم أعلم أهل الأرض، فأصبحوا رجالاً آليةً تسير بالفساد ونشر الجهل بين الناس الذين تعمد الأسد تجهيلهم لعقود. وأصبحوا لعبة تخدم مصالح حكوماتهم التي كفروها، وتخدم مصالح عدوهم بجهلهم دون أن يعلموا، وأصبحوا كما قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103-104].

هذه كانت البداية، ويا ليتهم تعلموا أثناء جهادهم على أرض الشام؛ فالإنسان إذا غلبه العدو على أرضه فجأة فيجب عليه أن يدافع عنها على الفور، ويجب عليه أن يتعلم أحكام الجهاد أثناء ذلك، فإذا كانت تكفيه للتعلم سنة واحدة فقط، فلا يأثم فيها، فإذا تجاوزها دون أن يتعلم فهو آثم. فإن لم يجد وقتاً للتعلم فيجب عليه الرجوع إلى الفقهاء المختصين في الجهاد وأحكامه حصراً، دون غيرهم ممن ورثوا الفتاوى وراثة من أصدقائهم، ولا من الجهال الذين تعلموا أحكام الجهاد من كتيبات الوجبات السريعة، ولا يرجع إلى أصحاب القراءات العامة والأحكام العمومية في المسائل الجزئية التفصيلية الدقيقة.

ماذا خسرت ساحة الجهاد الشامي من هؤلاء:

أولئك الذين لا تتطور عقولهم، ولا يفهمون النص، ولا يبحثون في غير النصوص التي أوردها القدماء في المسائل العامة، ولا يقرؤون السيرة، ولا يدركون الواقع، ولا يعرفون معاني العربية، ولا يضبطون جملة واحدة يتكلمون بها، ويطعنون ويُكَذِّبُون كل من لا يتبعهم، ولا يثقون بشهادته في الوقائع ولو كان صادقاً، ولا يأخذون بفتواه ولو كان عالماً، ويُثْبِتُون العصمة لإخوة منهجهم في الدين ونقل الحوادث ولو كانوا جُهَّالاً مجاهيل كاذبين..

أولئك - الذين جمعوا كل أوصاف الجهل بالحكم الشرعي والاستنباط والفتوى - جاؤوا ليفتوا في دين الله بحجة أنهم حملوا السلاح، ثم أعطوا تفويضاً مطلقاً لكل من حمل السلاح أن يفتي في أحكام الجهاد، فأوقعوا أبلغ الأثر في فساد وإفساد الجهاد الشامي، ونتج عن فعلهم ما يلي:

1- تعلم أتباعهم الكبر، الذي يُفْسِدُ أعظم عمل يعمله الإنسان.

2- فرقوا المجاهدين، وأشعلوا بينهم فتن الطعن والقدح والانتقاص والتكفير.

3- عدم وجود ضوابط لتزكية الناس والطعن فيهم غير أخوة المنهج التي فضلوها على الإسلام، فأصبح من السهل دخول ضباط مخابرات الدول بين المجاهدين، بل قيادة المجاهدين مع احتفاظ بأسمائهم وحياتهم المجهولة التي كانوا يعملون بها في دولهم!!

4- أدخلوا بدعة الحكم على النيات، والوصف - بل والطعن - بالشبهات والتخمين، وهو ما لا يعلمه إلا الله، ولا تفعله إلا أجهزة المخابرات المتألهة.

5- جعلوا كتيبات الجهل (كتيبات الهامبرغر) علماً، بل وجعلوها بديلاً عن عشرات المجلدات في الفقه، وبنوا عليها أحكاماً فقهية، بل وحكموا من خلالها على الناس، ثم زادوا على ذلك أن وصفوا من لم يحكم بِصُحُفِهم بالابتداع والانحراف والضلال ووو.

6- وأخيراً، وليس آخراً: مجموعة ضخمة من الفتاوى الجاهلة وغير الصحيحة كما سنرى.

مجموعة من فتاويهم الخاطئة وانحرافاتهم الفقهية:

لقد ملأ هؤلاء الجُهال المتعالمون الساحة الشامية بمجموعة من الفتاوى الباطلة، وهم يظنون أنفسهم على شيء، وفيما يلي مجموعة من تلك الفتاوى الباطلة شرعاً:

1- فتوى وجوب القتال مع داعش، حتى بعد اتفاق طلبة العلم في الشام على أنهم من الخوارج.

2- فتوى وصف القتال مع الخوارج على أنه قتال فتنة.

3- فتاوى تكفير الحكومة المؤقتة والائتلاف بالجملة، دون تقديم أدلة على عمالة عناصر بعينها لأي دولة غربية أو شرقية.

4- الفتوى بكسر الصليب في الكنائس وإهراق خمور النصارى واستباحة أموالهم، مع أنهم أهل ذمة لا يجوز لنا شرعاً فعل ذلك، ولم نستطع حمايتهم لنطالبهم بما يجب عليهم شرعاً، بل لم نستطع حماية أنفسنا بعد لنتمكن من حمايتهم.

5- فتوى استباحة الأموال العامة على أنها غنائم، مع أن الأموال العامة هي ملك للمسلمين، فنحن في دار إسلام ولسنا في دار كفر، فكيف يسرقها الأسد أولاً، ثم يأتي هؤلاء ليغنموها ثانياً؟!!

6- فتوى استباحة أموال الشبيحة مطلقاً، اعتماداً على حكم تكفيرهم بالجملة، دون التمييز بين من يقف مع بشار وهو معتقد بكفره والجاهل، وبين من حمل السلاح ولم يحمله. فالمسلم منهم ماله لأسرته، والمرتد منهم يحسن ترك ماله (الذي لم يسرقه من المسلمين) لأسرته حتى لا نستعدي أسرته على المسلمين.

7- فتوى وجوب تحكيم الشريعة في عزاز التي أطلقها الأخ المحيسني هداه الله، وكأنهم يحكمون الطاغوت، أو كأنه لم ير المحاكم الشرعية في كامل المناطق المحررة.

8- فتوى تكفير كل من يجتمع بمسؤول غربي أو شرقي أو يفاوض الأسد، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم جالس الكفار وفاوضهم، وهو في حالة حرب معهم.

9- فتوى تكفير من يهادن الأسد أو الـ pkk، مع أنهم يهادنون الروافض في كفريا والفوعة، ويدخلون لهم الطعام والكهرباء والماء، مع أن حلب لا تزال محاصرة.

10- فتوى تجمع أهل العلم في الشام بحرمة القتال مع درع الفرات بحجة وجود ما أسموها "فصائل البنتاغون"، دون إيراد دليل على أنها تتبع للبنتاغون.

11- الفتوى بنبش القبور التي في ساحات الجوامع، مع أن ساحة الجامع ليست منه أولاً، وهذا من التنظيم العمراني قديماً في تجاور المقبرة والمدرسة والجامع ثانياً.

12- فتوى تفجير القبور، مع أن مخالفة الحي للشرع وتعظيمه للقبر توجب منعه عن ذلك، ولا تبيح امتهان الميت المسلم وانتهاك حرمته بتفجير قبره!!

13- فتاويهم الفردية بقتل المسلمين غِيلة دون إبراز حجة على كفر أو عمالة أو خيانة من يطلبون اغتياله، وبالتالي يُعَلِّمُون أتباعهم على جواز قتل المسلمين دون تثبت من كفرهم أو ردتهم أو عمالتهم، فإذا وصلوا يوم القيامة تبرأ المتبوع من التابع، كما يتبرأ الشيطان من أتباعه.

14- فتاويهم باعتقال المسلمين والمسلمات بالشبهة لمدد طويلة، أو لمجرد كونهم من الأكراد.

15- مخالفة جمهور الأمة في موعد الإمساك في رمضان، فكانوا يحددون موعد الإمساك بناء على قول شاذ بعد وقت الإمساك الصحيح.

16- فتوى تحريم التظاهر وبالتالي تحريم إبداء الرأي، كما حصل في الغوطة في الكتيب الذي أصدرته الهيئة الشرعية في الغوطة.

17- تحويل مسائل الخلاف الاجتهادية - التي اختلف فيها السلف - إلى أصول متفق عليها، وتبديع وتضليل من يخالفهم فيها، وإنكارها على الناس، مع أنها لا تخرج عن أقوال العلماء، مثل: الأذان الثاني يوم الجمعة، وصلاة التراويح عشرين ركعة اقتداء بعمر رضي الله عنه، الدعاء بعد الصلاة ورفع اليدين به، وصلاة أربع ركعات قبل صلاة الجمعة، وقراءة القرآن على الميت، ومسألة كشف وجه المرأة، وتكفين وتغسيل الشهيد خارج ساحة المعركة، وغيرها من المسائل التي ينكرونها على الناس تعنتاً، مع أنها اجتهادية فيها سعة.

18- في مقابل تحجيرهم للسعة الموجودة في خلاف العلماء في المسائل الاجتهادية، وإجبارهم للناس على الأخذ بأحد الأقوال، نجد تساهلاً عجيباً في القضاء، ويمنعون ويحرمون (في شرعهم) تحديد الأحكام القضائية وضبطها بقوانين، فنجد أن كل قاضي من قُضاتهم يفتي بالمسألة الواحدة بحكم يغاير القاضي الثاني، مما يولد فتنة عظيمة بين الناس، وشك عند الناس في عدالة التشريع، واستحالة مقاضاة القاضي إذا تحايل أو خالف الشريعة.

19- إفتاؤهم بضلال الأشعرية، ومن ثم إنزالهم من على المنابر، ومنعهم من مزاولة العمل الديني.

أحبابي في الله أوقفوا أصوات النشاز!!

فيا ليتهم يرجعون إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويا ليتهم يرجعون إلى شرائع الله وعلوم الدين التي تعلمناها عن السلف؛ من التفسير، والحديث، والجرح والتعديل، والفقه، وأصوله، وغيرها.

ويا ليتهم يفضلون ذلك على جماعاتهم وأحزابهم ومناهجهم وصحائفهم.

ويا ليتهم يتواضعون لله ورسوله، فيأخذون العلم عن أهله المختصين.

ويا ليتهم يقفون صفاً واحداً مع إخوتهم في الدين والإسلام والجهاد، ليشكلوا خندقاً وصفاً واحداً كما أمر الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4].

وليتركوا النشاز فيما لا يعلمون من أحكام الدين ومسائله الدقيقة، وليتقوا الله في دين الله، وفي الناس، وفي أنفسهم.

فإن فعلوا فليعزنهم الله في الدنيا، وليرفعنهم في درجات الجِنان في الآخرة بإذنه تعالى.

فوالله لا نقول لهم ذلك إلا حباً في هدايتهم وصلاحهم واستقامة أمرهم، ورغبة في عزة الأمة وقوة سلطانها: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 109، 127، 145، 164، 180]، {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين