نظرات نقدية موضوعية  في مقال : (العلم الذي لا ينفع) -1-

 

 

هذه نظرات عابرة وتساؤلات سريعة على هذا المقال الذي أتيح لي اليوم إلقاء نظرة عليه.

  وحتى لا أتهم بالتعصب والجمود والانغلاق وغيرها من دعاوى "المتحررين المتنورين" الكثيرة..

 

 أقول:  إنني أدعو إلى التجديد في العلوم الشرعية، وأحتفي  بطلبة العلم النوابغ المجدِّدين، وأتواصل معهم وأشجعهم ، وأستفيد منهم .. 

 

ولي تجربة متواضعة في تجديد المناهج وكتابات  في عرض العقيدة والتفسير وغيرها  من العلوم الشرعية ومشاريع علمية أخرى منها ما صدر ، ومنها ما أسال الله تعالى أن ييسر لي إتمامه ويبارك في الوقت لإنجازه. 

 

وإنني – بفضل الله -  من أتباع مدرسة التجديد لا التبديد والعمل لا مجرد التنظير والدعاوى الفارغة...

 

إنني من أتباع  مدرسة  كبار العلماء المجددين في التفسير والحديث والفقه والفتوى، في القديم والحديث... ممن لهم قدم راسخة في إحياء العلوم الشرعية، وتقديمها  بثوب جديد،  وعمل علمي أصيل .. 

 

وهذا المقال الذي أكتب حوله هذه الكلمات - كجميع ما قرأته للطبيب محمد سيد يوسف -  يستدل فيه كاتبه بمفاهيم خاطئة، وتهويمات عائمة، وتعميمات باطلة.

 

فأصل الفكرة التي يدعو إليها  نتفق عليها، وهي الدعوة إلى تجديد العلوم الشرعية، وتفعيل صلتها بالواقع وبحياة الناس، وألا تكون حبيسة رفوف المكتبات ورؤوس العلماء وكراريسهم.

 

والمقال لا يستحق الرد التفصيلي  ولا استقصاء  الأخطاء المتكاثرة التي فيه.

 

وإنما هو الرد الإجمالي العام الذي يحتاج إلى أن يجيب الكاتب على جملة من الأسئلة التي توضح لنا مقصده ومراده من دعوته.

 

اعتماده على المذهب الفلسفي النفعي !!

 

يفتتح الكاتب مقاله بقوله : يُعرَّف النفع على أنه السعادة أو البهجة مقابل المعاناة والألم...

 

ولا أدري على أي قاموس في اللغة العربية اعتمد في تفسير النفع بالبهجة والسعادة في مقابل الألم والمعاناة!! فلا يوجد واحد في اللغة فسر النفع بالبهجة  والسعادة. وإنما يريد الطبيب  أن يلزمنا بتعريف المدرسة النفعية الفلسفة الغربية، ثم يبني على هذا الأساس المنهار أصولا ، ويقعِّد عليه قواعد يلزمنا بها ويحاكمنا إليها. رغم وجود عشرات المدارس الفلسفية التي تخالف المدرسة النفعية، ورغم اختلاف نظرة ديننا وحضارتنا لفلسفة الوجود عن الفلسفات الغربية.

 

والسؤال الذي نترقب جوابه عليه: 

هل صحيح أن النفع يعني السعادة والبهجة مقابل المعاناة والألم ؟؟

 وهل هذا هو معنى النفع في القرآن والسنة وكلام العرب ؟ 

لا بد من تحرير معنى النفع بدقة حتى تصح النتائج . 

والمطلوب منه - كباحث- يتصدى لهذه المواضيع أن يعرف لنا هذه المصطلحات: النفع، والعلم، والعلم الشرعي. وما مصدره في هذه التعريفات؟

 

ثم ما هي معيارية النفع للأمة؟

من الذي يفرق بين النافع وغير النافع؟؟؟

هناك أقوام انسلخوا من مبادئ الإسلام لأنهم يرون أن النافع هو نبذ دين الإسلام جملة وتفصيلا والارتماء على أقدام الفلسفات المادية المعاصرة

فلا بد من الرجوع إلى معايير متفق عليها.

فالمؤمن له طريقة في الفهم والوعي والتمييز بين ما ينفع وما لا ينفع، والعلماني  له طريقة أخرى مختلفة تمام الاختلاف..

   

العلم النافع في النظرة الإسلامية : 

 

ثم يقول الكاتب : بالمقابل فإن العلم النافع في النظرة الإسلامية في أغلب تعريفاته هو حصراً للعلم الشرعي (تفسير، حديث، فقه... إلخ)...

 

والسؤال: من قال إن العلم النافع في النظرة الإسلامية يقتصر على العلم الشرعي ؟

 

 وهل يكتفى بدعوى قصره على العلم الشرعي بنظرة سريعة في محركات البحث الإلكتروني كما ادعى ذلك لما حوصر أمام الحقائق !! 

 

وهل علوم الطب والبرمجة والاتصالات والفلك ... ليست من العلم النافع في الشرع؟

 أم أن الكاتب بنى أفكاره هذه على قولٍ قرأه في إحدى المجلات، ثم عمّمه على ما ظنَّه (العلم النافع في أغلب تعريفاته)؟

دعواه في المرتكز الأساسي للعلم النافع قابليته للتغيير والإضافة والإلغاء!!

 

يدَّعي الكاتب الطبيب هذه الدعوى العريضة : "إن المرتكز الأساسي للعلم ليصبح نافعاً هو أن يكون قابلاً للتصحيح والتغيير والإضافة والحذف وحتى الإلغاء" ؟؟!!

 

ومن المعلوم : أن من العلم ما هو قابل للإضافة والتغيير، ومنه ما لا يتغير بحال، بل هو أساس يبني عليه، مبادئ الرياضيات والعلوم، ونصوص القرآن والسنة، والفرائض وألأركان.

 

ولي على دعواه عدة أسئلة أنتظر جوابها : 

 

- هل كل علم نافع قابل للتغيير والإضافة والحذف ؟ 

- أليس القرآن الكريم كلام الله تعالى من العلم النافع بل منبع العلوم والمعارف ؟!!

- أليست السنة النبوية الصحيحة الثابتة من العلم النافع .؟!!

- أليست مسائل العلم الضروري والإجماع الثابت من العلم النافع. !! 

- هل كل هذه  العلوم قابلة للحذف والإضافة والتغيير والإلغاء ؟!!

 

نظرته إلى العلوم الإسلامية واختلاف العلماء : 

 

يقول الطبيب : "ولعل نظرة إلى “علوم القرآن” أو “علم مصطلح الحديث” أو “القواعد الفقهية” أو كتب “الفقه” أو إلى الأحكام الفقهية بشيء من التجرد وبعيداً عن التبريرات اللامنطقية قد يخلص إلى تلك النتيجة، فالأمر الواحد -على سبيل المثال- قد يكون حراماً “يأثم فاعله”، وقد يكون هو نفسه وفي نفس المذهب جائزاً أو حلالاً “يثاب فاعله”، وقد يكون مكروهاً أو لا شيء فيه، ناهيك عن استعمال كلمات ومكاييل وتصنيفات ومعايير وأمثلة لم تعد مستخدمة منذ زمن بعيد".

 

ولا ريب أن الخطوة الأولى للتجديد في العلوم هو استيعابها وهضمها، ثم تجديدها، أما أن يأتي جاهل أو أمّي لعلم من العلوم، وتحت عنوان التجديد يريد إلغاء علوم لا يعرف عن أصولها إلا القليل، فضلا عن دقائقها وتفصيلاتها، فهذا ما لا يقبل بحال. 

ومن الذي منع صاحبنا من التجديد في كل هذه العلوم التي أشار إليها، أو حتى على الأقل في واحد منها.

 

 وهنا عدة أسئلة أنتظر أيضا الجواب عليها : 

- هل اختلاف الأحكام الفقهية يعد من التضارب والتناقض أم له أسبابه ومسوغاته ؟ 

وهل يريد أن يعطينا الطبيب أحكاما نهائية  قطعية في مئات المسائل المختلف فيها في العبادات والمعاملات والأسرة والمجتمع ؟ وكل هذا الاختلاف من دلائل سعة الشريعة وثرائها بتعدد هذه المذاهب والأقوال ؟ أم يريد أن يدخل المسائل المختلف فيها في أحكام الطهارة والوضوء والصلاة والزكاة في المخابر وحقول التجارب ؟

 

-ألا يختلف أطباء الأسنان زملاء صاحبنا الكاتب، في تقويم الإجراء الواجب اتخاذه أمام حالة من الحالات، واحد منهم يرى حشو الضرس، وآخر يرى خلعه، وثالث ينصح بتركيب سن اصطناعي مكانه، ورابع يرى معالجة الالتهاب حول الضرس. هل يعني هذا أنهم جهلة لم يتخرجوا في كلية طب الأسنان؟!

 

- وأخيرا: ننتظر من الكاتب الطبيب  حتى لا ندخل في تفصيلات وجزئيات كثيرة أن يتحول من التنظير الكلامي إلى الواقع العملي، فيكتب لنا كتابا في علوم القرآن أو في مصطلح الحديث، ويكون كتابا جامعا مانعا يأتي فيه  بالجديد المفيد، ويتجاوز فيه  كتب علوم السابقين ، وتظهر فيه  روح النقد والتعديل والإضافة والإلغاء، ويتميز أيضا  بالمتعة  والبهجة  وإدخال السرور كما عرف النفع في أول مقالته . 

 

ونحن ننتظر تطبيق مقترحاته ولا نريد أن نشق عليه في الكتابة في الأصول أو القواعد الفقهية أو الأحكام الشرعية . حتى لا تكثر الطلبات عليه ونكلفه فوق استطاعته. . 

 

تنظر تتمة الردود  في الحلقة القادمة بعون الله 


http://www.huffpostarabi.com/../../mohammed-sayed-yousef/-_8169_b_12786640.html

العلم الذي لا ينفع - تدوينة محمد سيد يوسف
www.huffpostarabi.com
للكاتب محمد سيد يوسف. 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين