العلم المذموم في القرآن -2-

• العلم الذي يكتمه صاحبُه عن أهله:

وهناك صورٌ أُخرى للعلم الذي ذمَّه القرآن، وذمَّ أهله. منها: 

صورة العلم الذي يكتمه صاحبه عن أهله، كما قال تعالى عن أهلٍ الكتاب: [وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ] {آل عمران:187} 

وقال سبحانه في شأن اليهود:[الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ] {البقرة:146}.

وقال عَزَّ وجَلَّ:[إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ(159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(160) ]. {البقرة}..

* *

• العلم الذي لا يعمل به صاحبه:

صورة العلم الذي لا يعمل به صاحبه، ولا يؤثِّر في توجُّهه وسلوكه، بل يعمل بعكسه، كما في قوله تعالى:[وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ(175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(176) ]. {الأعراف}

فانظر كيف صوَّر القرآن هذا النموذج، الذي يُؤْتَى آيات الله، فينسلخ منها، هكذا كما ينسلخ الحيوان من جلده، فيبقى مكشوفًا، أو كما ينسلخ الإنسان من ثوبه، فيصبح عاريًا مفضوحًا، وكان يمكن أن ترتفع به آياتُ الله التي عنده وأن ترقى به ويرقى بها إلى القمة، و لكنه هبط إلى أسفل، إلى الطين، وأخلد إلى الأرض، واتَّبع داعية الهوى لا داعية الدين  والحكمة. 

* *

• العلم المادي الذي يعارض علم النبوة:

صورة العلم الماديّ الذي يغتر به صاحبه، ويحجبُه عن الإيمان بالوحي، واتباع الرُّسُل، فيهلك مع الهالكين.

وفي هذا جاء قول الله تعالى:[أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(82) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ(83) ]. {غافر}. 

فَفَرَح هؤلاء بما عندهم من العلم المادي أعماهم عن علم النبوة وأنوار الوحي، واستهزؤوا به، فحاق بهم عاقبة استهزائهم. 

* *

• العلم بظاهرة الحياة الدنيا مع الغفلة عن الآخرة:

صورة العلم الذي يشغل صاحبه بظاهر الحياة الدنيا، وينسيه الدار الآخرة، وهذا العلم اعتبره القرآن كلا علم، أي اعتبره جهلًا، قال تعالى:[وَعْدَ اللهِ لَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ(7) ]. {الرُّوم}. 

فانظر – يا رعاك الله – كيف وصفهم بأنهم لا يعلمون. ثم أثبت لهم أنهم يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا، مع الغفلة التامَّة عن الآخرة؛ ليدلنا أن هذا العلم والعدم سواء. 

* *

• العلم الذي يغرُّ صاحبه بالثروة أو السُلْطة:

ومن ذلك: العلم الذي يغر صاحبَه بما أُوتي من مال وثروة، وينسى فضل الله عليه، الذي رزقه هذا المال،  وسخَّره لمنفعته. 

وذلك مثل قارون الذي آتاه الله من الكنوز ما آتاه، و نصحه قومُه جملة نصائح ثمينة؛ ليعمل بها في نفسه وماله، ولكنه[قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي] {القصص:78}.

وكان تعقيب القرآن عليه:[ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا] {القصص:78} ؛ يعني: ألم يصل إلى علمه الذي يَدَّعيه ما حدَث للقرون من قبله، وما نزل بهم من عذاب الله وبأسه، حتى هلكوا وبادوا، وقد كانوا أشدَّ منه قوة وأكثر عددا؟! 

* *

• العلم الذي يؤدى إلى اختلاف الكلمة بغيًا بين أهله:

ومن ذلك: العلم الذي يُؤدِّي بأهله إلى أن تختلف كلمتهم، ويتفرَّق صفُّهم، الذي كان واحدًا، مثل بني إسرائيل الذين آتاهم الله الكتاب والحكم والنبوة، ولكن العلم الذي آتاهم الله لم يجمع كلمتهم، وإنما اختلفوا من بعده، بغيًا بينهم وتحاسدًا.

 يقول تعالى:[وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الكِتَابَ وَالحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى العَالَمِينَ(16) وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ(17) ]. 

ويقول سبحانه:[وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ] {الشُّورى:14}  .

ويقول:[إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ] {آل عمران:19}.

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين