بنائنا الاجتماعي

 

 

لقد رأيت البعض يؤكد أن المرأة قعيدة بيتها.. لا تخرج منه أبداً إلا إلى الزواج أو إلى القبر.. ! 

قلت: أهذا هو البديل الإسلامي عن حالة المرأة في الغرب.. لا.. 

الإسلام غير ذلك.. إنَّ قرون التخلف التي مرت بنا انتهت في القرن الماضي بوضع للمرأة المسلمة لا يقول به فقيه مسلم! لقد رأيت المرأة في بلادنا لا تدخل مسجداً أبداً.. بل في قرانا.. وكثير من المدن كانت المرأة لا تصلي.. وهي إلى جانب هذا الحرمان الروحي، كان التعليم محرماً عليها.. فلا تدخل مدرسة أبداً.. وقلما يؤخذ لها رأي في الزواج، ويغلب أن يجتاح ميراثها. 

وإذا انحرف الشاب تسوهل معه.. أما إذا انحرفت المرأة فجزاؤها القتل!.. هل هذه المعالم المنكورة لحياة المرأة تنسب إلى الإسلام؟ 

الله يعلم أن الإسلام بريء من هذه التقاليد، كما هو بريء من المفاسد الجنسية في أوروبا وأمريكا...! ومع ذلك فإن منتسبين إلى الإسلام وعلومه يرتضون هذه الأحوال، أولا يتحمسون لتغييرها.. 

وأذكر أني كنت ألقي محاضرة في اليوم العالمي للمرأة، فلما قلت: إن وجه المرأة وصوتها ليسا بعورة.. حدثت ضدي مظاهرة صاخبة.. وسمعت طالباً يقول لزميله: كنا نحسن الظن بهذا الرجل فإذا هو شر من قاسم أمين! ولست ـ ولله المنة ـ مُفرطاً في ديني، ولكني مشفق على حاضره ومستقبله من الجُهّال والقاصرين.. لاسيما إذا واتتهم فرص فتحدثوا عنه وتكلموا باسمه. 

وأسوق للقراء قصة وقعت في مؤتمر مسيحي إسلامي انعقد في أستراليا في عام 1399 هـ 

روى هذه القصة الدكتور حسن باجودة رئيس قسم الدراسات العليا العربية ـ كلية الشريعة ـ قال: 

نظرت فوجدت المرأة في سمت عفريت داخل قاعة المؤتمر.. كانت مغطاة من أعلاها إلى أدناها، مستخفية الوجه واليدين تطل على الحضور من وراء ثقبين في نقاب الوجه عليهما غطاء من زجاج أو باغة.. قلت: ما هذا؟ قالوا: سيدة نصرانية جاءت تحتج على ظلم الإسلام للمرأة.. فارتدت هذا الزي الشرعي (!) عند المسلمين لتُري النساء في أستراليا ما يعده الإسلام لهن إذا انتشر في هذه القارة الجديدة.. 

إنَّ الحجاب الإسلامي يحفظ للمرأة شرفها، ويرد عنها عيون الذئاب.. وليس كما يتصور القاصرون أنهن في سَمت عفريت.. لماذا تحترم الراهبات ولا تحترم المحجبات وزيهما واحد؟! 

وقال لي أحد المبعوثين في لندن: إنَّ رجلا إنجليزياً أبدى إعجابه بالإسلام ثم قال: لكني أذهب مع امرأتي إلى الكنيسة يوم الأحد.. فأين تذهب امرأتي إذا كنتم تمنعونها من المسجد فلا تدخله طوال الأسبوع؟!! 

قلت: ما حدث في أستراليا وفي إنجلترا حجة على المسلمين لا على الإسلام.. فليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أنَّ وجه المرأة عورة يجب أن تستر.. ولا في كتاب الله تعالى أو سُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم أنها تُمنع من دخول المساجد.. 

إن ناساً غلبهم الهوى الجنسي هم الذين شرَّعوا هذه التقاليد بعدما تعسفوا في شرح الآي بتفاسير مرفوضة، تفاسير لم يَقُل بها واحد من الأئمة الأربعة الذين انتشر فقههم في طول البلاد وعرضها.. 

وقد دهشت لأن عالما من شنقيط ـ وهو قطر مالكي المذهب ـ وقف في المسجد النبوي يقول أثناء إلقاء درس له: إن مالك بن أنس يقول: إن وجه المرأة ليس بعورة.. وأنا أخالف مالك بن أنس!! قلت: ليس مالك وحده الذي يقول ذلك.. بل سائر الأئمة الأربعة إلا رواية واهية عن أحمد بن حنبل تخالف المقرر من مذهبه كما حكى ذلك ابن قدامة الحنبلي. والشيخ الشنقيطي ـ غفر الله له ـ حين يُخالف أو يوافق ما يقدم ولا يؤخر، وذكرت قول الشاعر: 

يقولون هذا عندنا غير جائز!=ومن أنتمُ حتى يكون لكم عندُ؟! 

إنَّ التربية الراشدة الناضجة هي الضمان الأول لكل نهضة، والبيت هو المدرسةالأولى لتلك التربية.. وعندما تكون المرأة صفر العقل والقلب، لا ثقافة في مدرسة.. ولا عبادة في مسجد.. فمن أين تحقق التربية المنشودة. 

إنه لا مجتمع يصلح عندما تكون المرأة حيواناً يحسن تقديم الأكل والمتعة.. وحسب! 

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

من كتاب الفساد السياسي

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين