الإسلام ومراعاة مشاعر الناس -4-

 

عليك بأدب التَّغافل 

 

هناك ما يُسمَّى بأدب التَّغافل أو الإغضاء عن هفوات الناس كنوعٍ من مراعاة المشاعر والأحاسيس. 

وقد نبَّه الله إليه في كتابه الكريم فقال : {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ }سورة التّحريم: (3). 

وقال الحسن : "ما اسْتقصى كريمٌ قط قال الله تعالى: (عرَّفَ بعضَه وأعرضَ عن بعضٍ) " تفسير القرطبي/ج18ص188/. 

ذكر ابنُ جُرَيْجٍ عن عطاء بن أبي رَباح قال :" إنَّ الرَّجل لَيُحدِّثُني بالحديث فأُنْصِتُ له كأنْ لم أسمعْه قط، وقد سمعتُه قبل أنْ يولدَ. (تاريخ دمشق/ج40ص401) . 

وقال أبو علي الدَّقاق: جاءتِ امرأةٌ فسألت حاتماً عن مسألةٍ ، فاتَّفق أنَّه خرج منها صوتٌ في تلك الحالة فخجلتْ ،فقال حاتم : ارفعي صوتَك فأوهمَها أنَّه أصمُّ، فسُرَّتِ المرأة بذلك ، وقالت : إنَّه لم يسمعِ الصَّوتَ، فلُقِّبَ بحاتمٍ الأصمِّ. انتهى.ابن القيِّم. مدارج السَّالكين. ج2ص344.

ولقد دخل رجلٌ على الأمير المجاهد قتيبةَ بن مسلمٍ الباهليِّ، فكلَّمه في حاجةٍ له، ووضعَ نصلَ سيفه على الأرض، فجاء على أُصبع رجلِ الأميرِ، وجعل يكلِّمه في حاجته، وقد أدْمى النَّصلُ أُصْبُعَه، والرَّجل لا يشعر، والأمير لا يُظهرُ ما أصابه وجلساءُ الأمير لا يتكلَّمون هيبةً له، فلمَّا فرغ الرجل من حاجته وانصرف دعا قتيبةُ بن مسلم بمنديلٍ فمسح الدَم من أُصبعه وغسله، فقيل له: ألا نحَّيت رجْلَك أصلحك الله، أو أمرتَ الرَّجل برفع سيفه عنها؟ فقال: خشيتُ أن أقطعَ عنه حاجتَه. 

أنشد الشَّافعي رحمه الله:

أحبُّ من الإخـوان كـلَّ مواتـي * * * وكلَّ غضيضِ الطَّرْف عن عَثَراتي ‍ 

يوافقنـي فـي كـلِّ أمـرٍ أريـدُه * * * ويحفظنـي حيـَّاً وبعـد مَماتـي ‍ 

فمَنْ لي بهذا ؟ ليتَ أنـِّي أصبتـُه * * * لقاسَمْتُه ما لـي مـنَ الحسنـاتِ ‍ 

تصفَّحتُ إخوانـي فكـان أقلُّهـم * * * على كثرة الإخوان أهـل ثِقاتـي

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين