سنقولها دائماً

 

الله أكبر...

إنها كلمة...ولكن الوجود كله يعتبر تفسيراً لها، وتعبيراً عنها، بل هو دون ما تدلُّ عليه أو تشير إليه، لأنه بكل ما فيه وما تقع عليه الحواس منه، وما نبصر وما لا نبصر فيه ليس إلا أثراً لبعض ما تدلُّ عليه أسماء الله تعالى الحسنى من قدرة ورحمة، وعلم وحكمة، وعزَّة وجلال، وسلطان وملكوت، كما يفهم من قوله تعالى: [وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ] {الزُّمر:67}.

الله أكبر...

إنَّها الكلمة التي ينطلق بها صوت المؤذنين حين ينفلق الظلام عن جبين الصبح، وحين تستوي الشمس في كبد السماء ساعة الظهر، وحين تميل للغروب وقت حلول العصر، وحين تغيب في الأفق غارقة في الشفق، وحين يذوب الشفق في ظلام المساء.

ليذكر المسلمون بها واجبهم نحو الخالق الرازق، القادر القاهر، ويصلون له حين يصبحون وحين يمسون، وفيما بين هذين الحينين، كما يقول الله تعالى: [وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ] {هود:114}. 

وكما يفهم من قوله تعالى: [فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ] {الرُّوم:17-18}. 

وكما يقول جلَّ شأنه: [وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا للهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ] {فصِّلت:37}.

الله أكبر...

إنَّها الكلمة التي يَفتتح بها المصلون كل صلاة، ويقولونها مع الركوع والسجود ليترجموا بها عن شعورهم بقدرة الله سبحانه التي لا تعجز، وقوته التي لا تضعف، ورحمته التي لا تضيق، وغناه عن كل ما سواه، ثم لينتظموا بها مع حركة الوجود في السجود له والإسلام إليه، كما يفهم من قوله تعالى: [وَللهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالغُدُوِّ وَالآَصَالِ] {الرعد:15}. وقوله جلَّ شأنه: [أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ] {آل عمران:83}.

الله أكبر...

إنها الكلمة التي يذكرها المؤمن فتصغر في عينه الدنيا، وتهون أمامه الخطوب، وتلين لعزمه الصعاب، إذ يجد فيها ما يعينه على اقتحام الأهوال واحتمال الشدائد، فلا يعبأ بما يصيبه، ولا يأبه لما يلقاه، لإيمانه الراسخ بقول الله تعالى: [مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ] {الحديد:22}. وإيمانه الصادق بأنَّ الموت والحياة بيد الله سبحانه، كما يُفهم من قوله تعالى: [وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا] {آل عمران:145}. ثم لثقته المطلقة بأنَّ الشهداء كما يقول الله تعالى: [وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ] {آل عمران:169-173}.

الله أكبر...

إنها الكلمة التي امتلأ قلب محمد صلى الله عليه وسلم إيماناً بها، وهو يرى الدنيا كلها تتحزَّب ضدَّه وتتألب عليه، فلم يساوره شعور بالضعف أو الخوف. وقال لعمه وهو يطلب الرفق به وبقومه: (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته).

وقال لصاحبه أبي بكر رضي الله عنه وهما يريان في الغار جموع أعدائهما تحدق بهما، وتكاد تطبق عليهما: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما).

ثم كان ما يحكيه القرآن إذ يقول الله جلَّ وعلا فيه: [إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] {التوبة:40}.

الله أكبر...

إنَّها الكلمة التي يخفق لها قلب المؤمن، وينطق بها لسانه فيتلاشى عنده الشعور بالزهو والغرور بالنصر، ويبقى معها الاعتزاز بالله تعالى، والاعتصام بحبله سبحانه، والثقة المطلقة في عدله وفضله، والعزم المصمم على امتثال أمره والجهاد في سبيله، فإنَّ ذلك من الإيمان بالمثابة العظمى التي نلمحها في قوله تعالى: [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ] {الحجرات:15}.

إنَّها الكلمة التي سنقولها دائماً وتخفق بها قلوبنا، وتقوى بها عزائمنا ونفرض بها وجودنا على الوجود من جديد، وصدق الله إذ يقول: [وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ] {الرُّوم:47}.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

المصدر: (مجلة الأزهر، السنة الخامسة والأربعون، ذو القعدة 1393 - الجزء 9 ).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين