المتصوفة والجامية .. وجهان لعملة داعش

 

تُعَدُّ حادثة اغتيال العالم الليبي الشيخ (نادر العمراني) صورة صارخة للفكر التطبيقي الجديد لفرقة من فرق الخوارج الداعية زعمًا إلى محاربة الخوارج!

 

إنهم هذه المرة (المداخلة) أتباع الشيخ الجائر -كما يصفه علماء ليبيا الذين عانوا من بلائه- ربيع المدخلي، أو (الجامية) حثالة وبقايا من أتباع الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله، الذي أزعم أنه لا يتخيل هذا الذي وصل إليه جنود البغي من نخالة التلاميذ.

 

الحديث عن فكر هؤلاء اليوم بات ضروريًا؛ لأنهم انتقلوا من فكرة الدعوة إلى الطاعة العمياء والمطلقة للحكام تحت ذرائع مختلفة، ثم انتقلوا إلى تسويغ قتل الأبرياء، والابتهاج بذلك، بل تطورت دعوتهم اليوم لتصبح حضًّا على القتل وممارسته بشكل فعلي!

 

( المداخلة ) اليوم يتلقون الفتوى عابرة القارات وبيدهم أسلحة القتل وأيديهم متوضئة بالدماء.

 

إنهم باعوا عقولهم لخونة على صدورهم اللحى، وسكتت عن فتاواهم استخبارات عالمية متنوعة!

 

ومعهم على ذات الطريق في هذه المرحلة فِرَقٌ من المتصوفة الذين على رؤوسهم عمائم ناسفة!

 

تُجيز الضرب في المليان، وتقف كالحرباء في وسائل الإعلام تمجد الظلمة وسفاكي الدماء، وتتلو الآيات لتفسرها على هواها، وتنقل الأحاديث محرِّفَةً إياها عن مَوَاضِعِهَا لتناسب شريعة الغاب الخاصة بها؛ فماذا بعد هذا؟!

 

المداخلة والجامية الجدد وبعض الفرق المتصوفة التي انغمست في السياسة والحكم، دخلوا اليوم مرحلة جديدة. 

 

ليست مرحلة انتقاص هذا أو ذاك، أو الدعوة لحرق كتب المختلفين معهم في الفكر والتوجه والاجتهاد والرأي الفقهي، أو تخوين وتصنيف كل داعية لا يروق لهم، كما كان شأن نشاط المدخلية والجامية المأفون في العقود الماضية، بل انتقلوا إلى مرحلة الدم، وهي شر لو تعلمون عظيم.

 

ولم تصبح بعض فرق المتصوفة على ما كانت عليه سابقًا، من محاولة خداع الناس بخطابهم التقليدي عن الزهد والتعلق بآل البيت، والتحذير من السياسة وما تجره على الدين من ويلات.

 

لا، إنهم اليوم كتلة حارقة، خرجت من عباءتها التقليدية وتصريحاتها التخديرية؛ لتدخل بوابة الصراع الدموي، وإن لم تدع للقتل بشكل مباشر، دعمت القاتل بالفتوى والخطبة والتغريدة!

 

(المداخلة) و (الجامية) و (المتصوفة) الجدد، انتقلوا من خفاء الأفكار إلى علانيتها، ومن الحديث عن دروشة القضايا إلى أخبث القضايا.

 

الثلاثي السياسي الجديد يلعب اليوم بالنار؛ فهو يتنقل بين التحريض العلني المباشر على قتل الأبرياء المسالمين المخالفين لأفكارهم، وبين تأييد القاتل وشرعنة أعماله وتنضير وجهه الكالح!

 

ومعهم مغفلون جدد حسبناهم في العقد الماضي من أولياء الله المحترمين؛ فكانوا بعدئذ في وسائل الإعلام من أولياء اللات المحاربين، وأصبحوا النار الموقدة لكل فتنة قتل، والحناجر المطلقة على منابر الحقد والغل؛ لتهيئة الأقوال الشرعية من هنا وهناك، وتسويغ الجرائم والعظائم.

 

ثم هم أنفسهم العين العمياء والأذن الخرساء والقلوب العجفاء التي تتغافل عن فظائع قتل الأبرياء والعلماء، وتأكل وترعى كالأنعام دون أن تشعر بوخز ضمير على وقاحتها في السكوت عن المظلومين والمسحوقين في أحراش الظلم في أقبية المستبدين.

 

والمضحك المبكي أن يدعو البعض من الشيوخ الطيبين لإعطائهم الفرص للتفاهم معهم، وإحسان الظن بهم؛ كأنهم - وعذرًا - ممن عناهم القائل: "في كلِّ دقيقة يُولد مُغفَّل، ويُولد اثنان للمتاجرة به".  

 

ثم المضحك المبكي أن يظن بعض الدعاة والشيوخ فضلًا عن المثقفين والمهتمين بالحراك السياسي وشؤون الأمة أن من يترخص في الدماء، ويصنف البشر في القتل حسب الهوية، يمكن دعوتهم للوحدة والتفاهم!

 

هؤلاء اليوم ليسوا ممن يعنيهم خطابنا من عقود حول التفاهم مع كل العاملين للإسلام، أيًّا كانت مسمياتهم، شريطة عدم الخوض في الدماء، أو التحريض على ذلك، والعمل بالمجمل العام وفق كليات وقواعد الشريعة.

 

إن هذا الفكر التحريضي المتحول للثلاثي السياسي -المدخلي والجامي والمتصوف-، إنما هو باختصار وتوضيح مباشر وجوه جديدة لعملة داعش التي ظنناها نادرة!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين