سراج الفكر يزهر أدباً

 

* ثمَّة شعاعٌ أضاء من خلال اللفظة النورانية:" أخرجت "، والتي جاءت في القرآن الكريم في ثنايا الحديث عن خير أمَّة، يشير هذا الشعاع إلى مهمة كبيرة تكمن خلف المعنى المهمِّ المكنون في هذه اللفظة، والتي تومئ إلى المصدر الرباني لهذا الإعداد فقال سبحانه:" أخرجت "، ولم يقل: خرجت، أو ظهرت فهو الذي أنبتها وأخرجها وأعدَّها وهيأها لمهمَّة لم يعتدها أو يعرفها أحدٌ من قبل !.     

* أضحت الأمَّة اليوم في واقع أليم تخلَّت فيه عن كنزٍ طالما حملته لقرون ثمَّ هي تتنكَّب عنه، وأصبح مثلُها كما قال الشاعر: 

كالعيس في البيداء يقتلها الظما    والماء فوق ظهورها محمول

* يتوجَّب على من هام وولِهَ مبادئَه أن ينشر عبقَها على رؤوس الأشهاد، وخاصَّة إذا كانت ربانية الصبغة وعلى صلةٍ وثيقة بقنوات الوحي الإلهيِّ، والتي تفضي إلى التعرُّف على الباري ?، وهنا نكون قد أخذنا بيد الإنسانية جمعاء من تيه الظلمات إلى حديقة النور، ومن السقوط الحضاري إلى نهضة الشعوب؛ والذي لا يمكننا إغفاله أنَّ أصحاب المبادئ والقيَم هم الأبطال الحقيقيون على مسرح هذه الحياة. 

* هل الماضي المشِّرف لهذه الأمَّة، والمنير للأمم سواها لم يبق منه سوى الذكريات المشرقة؟!. إنها معضلة كبرى أن تسقط هذه الأمَّة إلى حضيض النسيان بعد أنِ اعتلت الصدارة، وتربَّعت على عرش السؤدد والعلياء؟!. هل ثمَّة أمل للنهوض من جديد، والوقوف على أرضٍ ثابتةٍ بعد قرون من الضعف والانكسار، والواقع التاريخيُّ يشير إلى أزمنة أضحت الأمَّة فيها في دهاليز ضيِّقةً ثمَّ انطلقت إلى ساحات واسعة من النهوض لكن بفضل أيادٍ متوضئة ونظيفة.

لنستثمر وسائل التجديد وعوامل التقدُّم للسير نحو ظاهرة جديدة من الرقيِّ الماديِّ والسمو الروحي، ولتتكسَّر أقلام المتنكرِّين للتراث وللقيم ولموروثنا الحضاري، ولتخرس أفواه أصحاب المصالح الشخصية الضيِّقة الذين لا ينظرون إلا إلى ذواتهم!.

* لنحمل من جديد المشاعر الراقية والرسالة الخالدة والأفكار السديدة والحضارة المستنيرة بكل إخلاص وجديَّة مقروناً بالقوة والصلابة في مواجهة التحديات، ولنكن كأصحاب موسى وحواريِّ عيسى وصحابة محمَّد عليهم جميعاً أزكى الصلوات، حملةً للمبادئ، مخلصين لها؛ وسوف نقطف الثمرة، ونجني حصاد ما قدَّمناه خدمة للإنسانية ليس كسواها من الخدمات التي عهدناها في كلِّ ركنٍ وزاويةٍ، وفي هذه المرحلة نكون قد اتخذنا من السُحُب موضعاً نقيم فيه لنمطِر على العالمين غيث قيَمنا ومبادئنا فنحي بالريِّ قلوباً آثرت الفناء، وأعيناً قد أصابها السكَر، وآذاناً اختارت الصَمَم!!. 

آن لنا أن نتحول من قطرات ماء متناثرة هنا وهناك إلى بحارٍ تنعُمُ الأحياء في قاعها، والوقت قد أذن لنا أن نأخذ بخيوط العلم والمعرفة فننسج منها ثوب التقدم والرفعة، وأن نعزف على [سيمفونيات] النهضة فننشد أناشيد العلا والإباء فتكون الذؤابة لمثيلاتها وقريناتها من الأناشيد.

وبثقةٍ بالغةٍ أنا لا أحلِّق في سماء [الطوباوية] والخيال المجنَّح، ولن أتجول في مدينة [أفلاطون] الفاضلة، والتاريخ شاهد حقٍّ لي، والانهزامية الفكرية والنفسية شاهد زور عند غيري.

وبعد فهذه دعوة صادقة نابعة من القلب والفكر والوجدان لنضع أقدامنا في مسار الخطوة الأولى ثمَّ الانطلاق لمرحلةٍ جديدةٍ عنوانها التقدم، وأجندتها عوامل الازدهار، وفي طيَّاتها السعادة الحقيقية للإنسانية جمعاء. 

 * لا بدَّ من إعادة المسيرة النورانية للأمَّة المسلمة في سلوكها الذي أصابه النكد، وفي تصوراتها المشوبة بألوان الثقافة الغربية الغريبة عن عالم الإسلام، ودنيا المسلمين!. وعندما خرجت الأمَّة من دائرة النور سقطت سقوطاً مريعاً في حمأة الجاهلية!.

* لنستنشق نسائم هادئة، ونميل معها تمايل رجلٍ متيَّمٍ، وفي ذات الوقت لا ننكسر في وجه العواصف بقوة مبادئنا ومواقفنا، وليكن فعلنا الحضاريِّ بديلاً لهزائمَ متتاليةٍ عصفت بنا على مدار القرون والأجيال!.

إنها بداية لصناعة غدٍ مشرقٍ، ولو تطلَّب ذلك منَّا أن نزرع الورود بين الأشواك فلن نتردَّد، ولو لبرهةٍ يسيرةٍ من الزمن، فثمَّة أناسٌ آخرون زرعوا العلقم والزقُّوم بكلِّ جرأةٍ وتبجُّحٍ دون أدنى حياء أو خجل! فلمَ نحن إذن نتردد؟!!. لِنُسكِت نعيق الغراب، وترنم اليأس الزائف ونشدو بأغنية الأمل، وهو وحده الموفِّق، وهو دون سواه أعظم من سُئِل وأفضل من أجاب. 

* إنَّ البحث عن الهوية، ومن ثَمَّ الحفاظ عليها هو أساس نفسيٌّ وواقعي وحتميٌّ وضروريٌ للاستقلال السياسي والفكري والاقتصادي للأمَّة المسلمة بعد زمنٍ طويلٍ من ذلِّ التبعية للآخرين.

   * ممَّا يؤسف له أنَّ كثيراً من الدعاة إلى الإسلام يُنهُون بعض مطالعاتهم في كتب الفقه، وسرعان ما يقفزون إلى منابر الدعوة دون التوجُّه إلى معرفة واقع الناس، ومجريات ما يحوم حولهم من سلوكيات وأفكار ومذاهب شتَّى!.

   * لا بدَّ لنا من وضوحٍ في الرؤية، ومن حسن اختيارٍ لمسارنا في الحياة، ما أجدر بنا أن يعشعش الإسلام في جنَبات نفوسنا فكرة ومنهجاً، الفكرة هي بمثابة جذور للشجرة المؤمَّل أن تكون باسقة مثمرة مورقة بالعطاء. أنبتها الله على أرض صلبة لا تقبل تزييف الحقائق أو ترضى التميّعُ في السلوكيات، وهذا العطاء لها هو المنهج في أبهى صوره وأنصع أشكاله. 

وثمَّة ترابط وثيق واضح المعالم بين الطرفين، الفكرة والمنهج؛ ولنتأمل قليلاً في المثال الذي ضربه الفيلسوف إقبال عن جواد السلطان المؤمن الذي مرض فسقاه الطبيب خمراً، وكيف أبى السلطان بعد هذا أن يركبه مجاهداً في سبيل الله. قلت: يحضرني بين يدي هذا المثال الرائع قول الباري تقدَّست صفاته:" والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبُث لا يخرج إلا نكدا ". 

* إنَّ تحوُّل الإسلام إلى صورة حيَّة من شأنه أن يقلب الموازين، ويحدث اهتزازاً، ويزلزل المعادلات، ويبعث على القلق عند أعدائه!!.

* العقيدة أقوى من كل سياسةٍ رعناء، والأمَّة العريقة أصلب عوداً وأمضى سيفاً وأطول عمراً من دولة الظلم. والمنهج أكبر من الأشخاص، وأثبت وجوداً من الرموز.

* إنَّ توزيع الأمة على أساس الحزبيات – كما يريد العلمانيون – إنما هو ترسيخ للتمزُّق الفكري الناتج عن فقدان الهدف الأعلى الذي لا حياة للمسلم بدونه ... ذلك لأنَّ هذا المسلم لا يخرج عن كونه خلية حيَّة في جسم أمته يتبادل معها التأثر والتأثير، وانفراد الخلية عن موضعها في الجسم موت لها وإضعاف له. فإذا ساغ تجزؤ الأمم الأخرى فلفقدانها الترابط المركزي بسبب فقدان الهدف الجامع بينها. وإنما أتيت الأمَّة المسلمة من التخلخل الذي ألمَّ بكيانها فأضعف مناعته وفتح السبيل لتفتتيه إلى فرَق وكياناتٍ حتى تحقِّق فيها إنذار الله:" إن الذين فرَّقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء".

وإنَّ من يستنكف عن الاستمساك بالعروة الوثقى يصبح عرضةً لكلِّ ما يعصف به من أهواء وضلالات تخطف فكره ومشاعره فلا يستقِّر على قاعدة ثابتة أو أرض صلبة.

* لا بدَّ أن نصل إلى مرحلةٍ تخضَّر الأرض فيها، وتورق فوق بساطها الأشجار بعد أن ضرب مفكرون سابقون من أمثال المودودي، والندوي بفؤوسهم أرض الفكر البكر!.

* إنَّ الإنسان المسلم الملتزم بعقيدته، ليس كغيره من الورى، إنه فرد فاق أقرانه بمسافات طويلة، إنه غصن من نخلة باسقة ضاربة للجذور في أعماق الفكر البشري!. 

* من المفارقة المؤلمة أننا اختزلنا الإسلام في دوائر محدَّدة في ذبيحة تُذبح، أو شعيرة تُقام، أو مناسبة دينية يُحتَفَى بها، وجهلنا أو تجاهلنا أنه منهج حياة جاء ليجعل أوتار الحياة وإيقاعاتها في انتظام تام!. 

* إنَّ التصور الصحيح لعقيدتنا كفيلٌ أن يجمع الفئة المؤمنة في موكب واحدٍ، وإذا كان الواقع مغايراً فالمشكلة فينا نحن فلنراجع حساباتنا!.

* إنَّ الأنبياء هم ينابيع الهدى في أرض البشر الروحية، وورثتهم من العلماء والمفكرين هم أمَنةٌ جددٌ على الوحي، وامتداد لقافلة الرسل على مدار القرون والأجيال، فيشكِّل الجميع موكب متصِّل قد تماسكت حلقاته. 

* في تاريخنا نقاط سوداء، وانحرافات أخذت مع الزمن تتمادى، وأخذت تنخر في جسم الأمَّة فلا يقال: هذه هي الصورة الواقعية للإسلام، بل هي أمراض طارئة تحتاج للعلاج، وللإنطلاق من جديد وفق النبع الصافي لقيمنا.

* التغيير الذي يريده الإسلام ليس نقل رقم من خانة إلى أخرى، أو من جدول إلى جدول!. بل هو تغيير جذريٌ يشمل عالمي التصور والسلوك.

* إذا سكبنا العبَرات أمام مشاهد من إذلال المسلمين، وما أكثر الأكلة حول قصعتهم مستبيحين لها دون ضوابط يعرفها عالم الخلق ودنيا الناس؟!. فهذا لا يكفي فلا بدَّ من تحركٍّ فاعل نقطف منه نتائج إيجابية وفاعلة على الأرض.

* الصحابة هم نجوم الهدى ومصابيحه نشئوا على الإخلاص وذلِّ العبودية لمولاهم، ورغم ذلك فثمَّة أناسٌ أقزامٌ محسوبون على الإسلام وأهله ينالون منهم نيلاً يائساً بائساً مشيناً، فيه رائحة النفاق، وعفونة الحقد، وانهيار لمنظومة القيم والأخلاق!!.

* لماذا يرِدُ بعضنا موارد الهلاك ويركب راحلته! ولماذا يظمأ الظامئون لنور الهدى والمورد منهم قريب؟ أليس هذا أمر عجاب؟!. أما آن لنا أن نستضيء بمشكاة الوحي، وندَعَ خلفنا الموروث الجاهليَّ، والقانون الوضعيَّ، والمذاهب الهدَّامة التي ما فتئت يعتريها التناقص ويحكمها التهافت، وفي قرآننا الكمال بجميع أطرافه!!.    

* كلما غرقنا في بحر الجدل الأيديولوجي والسياسي كلما كان ذلك على حساب تأهيل الإنسان الذي من المفترض أن يبدأ في بناء الحضارة، ويكون فاعلاً فيها.

 * بعض دولنا في العالم الثالث لا تسحب فقط جواز السفر من معارضيها، بل تسحب حقَّ الوجود، وحقَّ التعبير منها!!.

* يرى غلاة العلمانيين أن يغيب الإسلاميون المعتدلون أصحاب المشروع الحضاري عن الساحة الثقافية، وأن لا يقفوا على الأرض! ونحن نقول لهم: متى كانت بغاث الطير تتعايش مع آساد الشرى.

* الإنسان الحرُّ هو الذي يفخر بحضارته وانتمائه وهويته، إذ ليس كلُّ ما يستورد جميلاً.

* لا بدَّ لأيِّ عملٍ سياسيٍّ تمارسه حركة إسلامية لها حضورها في المجتمع من تأصيل أفكار هذا العمل، والإفصاح عن برامجه بشيء من التفصيل، ومن صياغة مواقفه المستقبلية وفق الثوابت الإسلامية والاجتهادات الراجحة. مع ملاحظة ضرورة التعامل مع الواقع بصورة مرحلية بعد امتلاك القدرة على تحليله. ثم إني أشير إلى ضرورة وجود النقد الذاتي في صفوف الحركة استنارة به لتقويم المسار ووضعه على الطريق الصحيح؛ ومن لا يعترف بخطئه لا يُرجى له سعيٌ إلى كمال!. كما على المنظِّرين في هذه الحركة عدم الوقوع في أسر الذات والنظر إلى الآخر بتوجسٍ وريبةٍ، فنظرية المؤامرة لا يصحُّ اعتمادها على وجه الديمومة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين