حدث في الثامن من ربيع الأخر

 

هزيمة الدولة العثمانية في معركة كارتال أمام الإمبراطورية الروسية

في الثامن من ربيع الآخر من سنة 1184=1/8/1770 وقعت على نهر كاجول في جنوبي مولدافيا معركة كارتال بين الدولة العثمانية والإمبراطورية الروسية، والتي انتهت بهزيمة ساحقة للعثمانيين، وكانت أكبر معركة في الحرب الروسية – التركية الأولى التي غيرت موازين القوى في العالم، فقد كشفت ضعف الدولة العثمانية وتراجع مكانتها، وآذنت بصعود روسيا ودخولها مصاف الدول العظمى.

 

وتعود أسباب هذه الحرب إلى تصدي الدولة العثمانية للمطامع الروسية في أوروبا وبخاصة في بولندا والسويد، والتي كانت جزءً من الخطة الروسية للنفاذ إلى أوروبا، وذلك إن ملك بولندا أوغست الثالث مات سنة 1177=1763 تاركاً بولندا في حالة يرثى لها، فقد قضى 30 سنة على عرشها وهو لاه عن إدارة شؤونها فأصبح حكمها عملياً في يد أسرة زارتورسِكي.

 

وكانت هذه الأسرة تتطلع من زمن لأن يصبح لها عرش بولندا، فأرسلت قبل 6 سنوات، في سنة 1171=1757 صهرها ستانيسلاو بنياتوّسكي إلى العاصمة الروسية سان بطرسبرج، وكان عمره 25 سنة، ليحصل من الإمبراطورة الروسية إليزابيت على دعم للعائلة في مخططها للإطاحة بالملك، ولكنه أضاع وقته في اللهو، وأقام علاقة غير شرعية مع الأميرة كاترينا زوجة ولي العهد الروسي، وهي علاقة سيكون لها أثر كبير على مجريات الأحداث في المستقبل، فبعد وفاة الإمبراطورة إليزابيت في سنة 1175=1762 صارت الأميرة كاترينا إمبراطورة روسيا، بسبب أن زوجها كان لا يصلح للحكم لمعاناته من اضطرابات نفسية، وكانت هي بشخصها مؤهلة للحكم بما تتصف به من طموح واسع ودهاء سياسي، ورغم كونها ألمانية الأصل إلا أنها أحبت روسيا وعملت في سبيلها، فأصبحت محبوبة من شعبها كذلك.

 

ولما توفي ملك بولندا أوغست الثالث، خشيت الإمبراطورة الروسية كاترينا الثانية من مجيء ملك قوي ينهض بالبلاد، فأيدت مساعي عشيقها السابق ستانيسلاو بنياتوسكي للجلوس على عرش بولندا، لعلمها أنه سيكون طوع بنانها، وسخرت نفوذ روسيا وسطوتها العسكرية لدعم النبلاء الموالين لروسيا حتى استولوا على وارسو وشكلوا فيها مجلساً لهم انتخبه ملكاً على بولندا، وجرى تتويجه في سنة 1182= 1768 وتسمى بستانسيلاو الثاني، ولكن الحاكم الفعلي للبلاد كان الأمير الروسي نيقولاس رِبنين.

 

وحاول الملك الجديد إصلاح الحكومة وتقوية نظام الشورى فيها، ولكن ذلك لقي معارضة من النبلاء البولنديين ومن الإمبراطورة كاترينا التي هددته بالعزل، فتخلى عن هذه الإصلاحات، ثم أجبره السفير الروسي على عقد معاهدة مع روسيا سميت بالمعاهدة الأبدية، وكانت تتعارض مع المصالح البولندية تعارضاً شديداً أفضى إلى أن يثور عليها الرأي العام البولندي، وأثار حنق الكهنة الكاثوليك أن تضمنت المعاهدة منح غير الكاثوليك الحقوق الكاملة التي يتمتع بها الكاثوليك، وكانت روسيا تدعي أنها حامية الدين الأرثوذكسي فأرادت أن يتمتع الأرثوذكس بتلك الحقوق، وتطور الأمر إلى تمرد دام 4 سنوات قبل أن يقضى عليه الملك ستانسيلاو بمساعدة الجيش الروسي.

 

وكان السلطان العثماني آنذاك هو مصطفى الثالث المولود سنة 1129=1717، والذي تولى الخلافة سنة 1170=1757، وكانت سياسته الخارجية تقوم على عدم التورط في النزاعات الأوروبية والمحافظة على السلام الذي جلبته للدولة العثمانية معاهدة بلغراد الموقعة سنة 1152=1739، والتي منحت الدولة العثمانية كثيراً من الامتيازات القوية في سيطرتها على مناطق البلقان، وحرَّمت البحر الأسود على السفن الحربية الروسية ، وجعلت الملاحة الروسية التجارية فيه  خاضعة لرغبات الدولة العثمانية.

 

وأسس عدد من الأمراء البولنديين المعارضين للهيمنة الروسية حكومة في مدينة قرب الحدود العثمانية تدعى بار، وتزعم الحكومة النبيل البولندي كاسيمير بولاسكي، ولكن قوات هذه الحكومة كانت أقل من أن تستطيع مواجهة الجيش الروسي الذي هزمها بعد 4 شهور واحتل بار، فلجأ أغلب النبلاء إلى أراضي الدولة العثمانية، وزادت هذه الهزيمة من أوار الثورة في داخل بولندا، فما كانت الحكومة تخمد تارها في مكان حتى تندلع في مكان آخر.

 

وطلب النبلاء اللاجئون العون من السلطان مصطفى الثالث لإيقاف روسيا عن التدخل في شؤون بلادهم الداخلية، وفي الواقع لم يكن لدى السلطان خيار في ألا يتصدى للمخططات الروسية في السيطرة على بولندا، فهي إن نجحت ستأتي بروسيا إلى حدوده الغربية، فيصبح بين فكي الدب، وبخاصة أن روسيا لم تخف مطامعها في شبه جزيرة القِرِم.

 

وقام بعض فرسان القوزاق التابعين لروسيا بدخول الأراضي العثمانية في مطاردتهم لقوات بولندية هاربة منهم، وهاجموا بلدة بالطا العثمانية وأحرقوها وقتلوا من وصلت إليه أيديهم من سكانها، ولم يقبل السلطان مصطفى الثالث تبرؤ روسيا من هذا الهجوم، وسجن السفير الروسي وأعلن الحرب على روسيا في 13 جمادى الأولى سنة 1182 =25/9/1768، وطلب من الروس التوقف عن التدخل في بولندا، وهي الحرب المعروفة لدى الأترك بالحرب البولندية: لِه سفري.

 

أعلن السلطان الحرب وفي تقديره أن الجيش العثماني يعد ثلاثة أضعاف الجيش الروسي، وأن روسيا التي خرجت قبل 5 سنوات من حرب السنوات السبع الأوروبية لن تكون في وضع مالي يسمح بالإنفاق على حرب مع الدولة العثمانية، ولكن سرعان ما تبين أن الجيش العثماني لم يكن مستعداً للحرب، فقد مضت 21 سنة من السلم، أهملت فيها الدولة العثمانية تطوير الجيش وتسليحه وتدريبه، وفي المقابل كان الروس على أتم الاستعداد من الناحية التعبوية، وكثير من جنودهم وقادتهم حديثو عهد بالقتال، وزادت كفاءة الجيش الروسي لأن الإمبراطورة أمرت بإعادة تنظيم تشكيلاته على الطريقة البروسية، وفي استنادهم لتفوقهم العددي غاب عن ساسة الدولة العثمانية، أن حليفتهم فرنسا قد خضدت شوكتها وأفرغت خزائنها الحروب السابقة فما عادت في حال تمكنها من مساعدتهم إن لزم الأمر.

 

وبدأ العثمانيون الحرب بهجوم شنه خان القِرِم فعبر نهر الدنيستر وتوغل شمالا إقليم بِصارابيا، مولدافيا اليوم، الفاصل بين القرم وبين بولندا، وحقق في بداية هجومه انتصارات جيدة، فلم يكن الروس يتوقعون أن تعلن الدولة العثمانية حرباً شاملة، وخرب كثيراً من الحصون الروسية في بيصربيا التي أنشأها الروس مخالفين لاتفاقية بلغراد.

 

ولكن تلك الانتصارات المبدئية ما لبثت أن توقفت وتحولت إلى هزائم، فقد احتل الروس بقيادة الأمير فاسيلي دلجوروكي قلعة آزوف في القِرِم بعد 5 شهور من بدء الحرب، وتحت تهديد الحرب غير المتكافئة وافق خان القرم شاهين كراي على طلب روسيا أن تعلن القرم انفصالها عن الدولة العثمانية، واستقلالها تحت سيادة وحماية روسيا، ورغم أن شاهين في شبابه كان قد التقى بالإمبراطورة وأثنت عليه، إلا أن ذلك لم يشفع له من النفي إلى العاصمة سان بطرسبرج ليعيش تحت الإقامة الجبرية قبل أن يسمح له الروس بعد 11 سنة بالمغادرة إلى استانبول، ولكن العثمانيين نفوه إلى رودس حيث أعدموه في سنة 1201=1787

 

وتدهورت الأوضاع أكثر في جبهات القتال، فقد كان السلطان قد اختار لقيادة الجيش العثماني شخصاً مقرباً منه هو الصدر الأعظم محمد أمين نيشانجي باشا، فسار من استانبول إلى دبروجا حيث مصب نهر الدانوب على البحر الأسود، ولكن وبعيداً عنه هاجم جيش روسي يقوده الأمير جالتسين قلعة خوتين الاستراتيجية ومفتاح رومانيا وبولندا، وتقع اليوم في جنوب غربي أوكرانيا، واستطاع الجيش العثماني تشتيت الجيش الروسي إلى حد أنه احتاج 100 يوم حتى استطاع لملمة أموره وتكرار الهجوم على خوتين، ومرة أخرى خرجت إليه القوات المرابطة في القلعة ودحرته، وفي كلا الهجومين تحملت قوات الإنكشارية - دون القوات المجندة حديثا - عبء التصدي للهجوم وتحملت في سبيل إيقافه خسائر كبيرة.

 

وتردد جالتسين في تكرار الهجوم للمرة الثالثة في حصار خوتين بسبب التفوق العددي العثماني، ولكن الإمبراطورية كاترينا أمرته بالهجوم عليها مهما كلف ذلك من ثمن، فقام بما أمكنه من استعدادات ثم هاجم القلعة ليفاجئ أنها كانت خالية من الجنود!

 

وكان السبب في ذلك أن الصدر الأعظم، ووفقاً لتقليد عسكري عثماني عتيق، سحب القوات التركية من حول القلعة وأرسلها مسافة 500 كيلومترا لتقضي الشتاء في منطقة إيساجا قريباً من البحر الأسود، واستاءت من ذلك القوات المرابطة في القلعة، فما كان منها إلا تركت القلعة وتبعت الجيش.

 

وهنا تبدى أن تعيين نيشانجي باشا كان خطأ قاتلاً، فقد كان ينبغي على السلطان أن يعين رجلاً عملياً متمرساً بالحرب وإدارة الجيوش وضبط الجنود الذين كانت معنوياتهم ضعيفة، ومضى عليهم وقت في الدعة والراحة بعيدين عن القتال، بل وهرب كثير منهم من ميدان القتال، وتبين أن الصدر الأعظم كان رجلاً متردداً لا يحسن اتخاذ القرار، بل وخالف أوامر السلطان الذي كان يتابع سير الحرب، فعزله السلطان ثم أمر بإعدامه بعد قرابة عشرة شهور بعد أن بينت التحقيقات التي أجريت تقصيره وإهماله.

 

وعين السلطان رئيس الحرس السلطاني علي مولدوفانجي باشا في منصب الصدر الأعظم وقيادة الجيش،  وكان رجلاً متمرساً بالقتال قريباً من الجنود، ولكن ما لبث أن تبين أنه لم يكن على مستوى المسؤولية، فعزله السلطان بعد 3 أشهر بعد أن تسبب في كارثة أفنت جيشه، ومكنت الروس من احتلال خوتين.

 

ووقعت الكارثة بالجيش العثماني القادم حين أمر علي مولدوفانجي باشا بإنشاء جسر من المراكب على نهر الدنيستر ليهاجم الجيش الروسي المعسكِر على الضفة الأخرى، وفي أثناء عبور الجيش زاد جريان مياه النهر وتأرجحت الزوارق، فاضطرب الجنود الذين فوق الجسر وبدأوا في الرجوع، فتبعهم في ذلك من كان قد عبر وتمركز على الضفة الأخرى، وبسبب الهرج والمرج والتدافع اختل توازن الجسر وغرقت المراكب التي تحمله، ومات عدد كبير من الجنود غرقاً، وتولت مدافع الروس وبنادقهم إفناء بقية الجنود عن آخرهم، وكان ذلك في 17 جمادى الأولى سنة 1183= 18/9/1769، وكان الواجب على الصدر الأعظم وقادة الجيش تعيين أفراد على طول الجسر يحفظون النظام ويضبطون العابرين، وكان عليهم كذلك تعيين قوات لحماية العابرين وتغطية العبور من العدو الروسي، واستثمر جالتسين انتصاره المفاجئ فتابع تقدمه بسرعة واحتل بعد 20 يوماً مدينة جاسي عاصمة مولدافيا، وبعد أربعين يوماً احتل بوخارست عاصمة ولاية الأفلاخ، وهي اليوم رومانيا، ثم تابع مسيره حتى احتل في فترة غير متوقعة ولايتي الأفلاخ والبغدان والواقعتين اليوم في رومانيا.

 

وبعد هذه الكارثة بثلاثة أشهر عزل السلطان مولدوفانجي باشا وعين قائداً جديداً للجيش هو عوض خليل باشا الذي كان أمير آخور السلطان، أي المسؤول عن الاسطبلات السلطانية، ولكن ذلك لم يفلح في تغيير سير الحرب، وفي 13 ربيع الأول سنة 1184 =7/7/1770 خسر العثمانيون في مولدافيا معركة جرت على ضفاف نهر لارجا، وسميت باسمه، والتي تواجه فيها 65.000 خيال تتري من القِرِم و15.000 جندي عثماني يقودهم يقودهم خان القرم قبلان كراي ضد 38.000 جندي روسي يقودهم الفيلد مارشال بيتور رُوميانتسيف، ودامت المعركة 8 ساعات انجلت بعدها عن هزيمة منكرة للجيش العثماني الذي انسحب مخلفاً وراءه مدافعه وأسلحته، وفي نفس اليوم وعلى بعد مئات الأميال وقعت معركة جشمة البحرية بين العثمانيين والروس، وكانت نتيجتها سيئة كذلك على العثمانيين، كما سنرى فيما بعد.

 

وجاءت آخر الكوارث بعد أسبوعين في معركة كارتال على نهر كاجول في جنوبي مولدافيا، والتي كانت أهم معارك الحرب الروسية الأولى وإحدى أكبر معارك القرن الثامن عشر الميلادي، والتي تواجه فيها قرابة 40.000 جندي روسي يقودهم المارشال بيتور روميانتسيف مع الجيش العثماني الذي قاده الصدر الأعظم عوض خليل باشا وضم في أقل التقديرات 150.000 جندي، مكونين من 50.000 جندي و25.000 خيال إلى جانب 80.000 خيال تتري من القِرِم كانوا غير بعيدين عن ميدان المعركة ولكنهم لم يباشروها.

 

وقرر روميانتسيف أن يواجه التفوق العددي للجيش العثماني مواجهة مباشرة، فبادر هو بالهجوم بعد أن شكل جيشه على هيئة مربعات متراصة معها مدفعيتها، فلما هجمت الخيالة العثمانية قصفتها أثناء هجومها المدافع ومن وصل منها تولى المشاة الرمي عليه، وكان تقديره صائباً لأن الجيش العثماني كان في أغلبه من المجندين حديثاً، فلم يصمدوا طويلاً وبدأوا في الهرب خوفاً من المدافع، وانجلت المعركة عن مقتل وجرح ما يزيد على 20.000 جندي عثماني، وغتم الروس 130 مدفعاً، وكانت خسائرهم قرابة 1500 قتيل وجريح، ولم يتلكأ روميانتسيف في الاستفادة من انتصاره، فسار على الفور واستولى على كل القلاع العثمانية في المنطقة، وأصبحت مولدافيا في قبضة الروس، وبعد المعركة أرسل فردريك الثاني ملك بروسيا رسالة تهنئة إلى المارشال روميانتسيف قارن فيها انتصاره بفتوحات الرومان الأقدمين.

 

ولم تكن تلك مناطق المعارك الوحيدة، فقد كان روسيا تدبر أمراً آخر في المناطق الجنوبية من اليونان الخاضعة للدولة العثمانية، والمعروفة آنذاك باسم بلاد المورة، وأرسلت عملاءها للمنطقة وشجعت أهاليها الأرثوذكس على التمرد نصرة للدولة الروسية حامية الكنيسة الأرثوذكسية، ووعدتهم بأن سفن الإمبراطورة ستأتيهم قريباً بالجنود الروس.

 

وكان الأسطول الروسي في بحر البلطيق، فقد كانت المعاهدات السابقة تمنعه من الوجود في البحر الأسود، وضمن إطار تطوير القوات الروسية جرى تزويد البحرية الروسية بقادة ألمان، وكانت قيادة أسطولها في الحقيقة على عاتق الأدميرال الاسكتلندي إلفينستون ومعاونيه الإنجليز، وبعد نشوب الحرب سار عدد من السفن الروسية حول أوروبا ودخلت البحر المتوسط حتى وصلت بلاد المورة، واحتلت ميناء كوروني في جنوبها، وانضم إليها اليونانيون الذين فتكوا بكثير من المسلمين من سكان المورة، ولكن العثمانيين استطاعوا قمع التمرد وطرد الروس وأسطولهم من كوروني.

 

واتجه الأسطول الروسي إلى الساحل التركي غربي الأناضول، فالتقى مع الأسطول العثماني قرب جزيرة خيوس، ويسميها الأتراك ساقيز، وبعد معركة دامت يومين أغرق فيها العثمانيون سفينتين وأصابوا غيرها، انسحبت السفن الروسية وعاد العثمانيون ظافرين إلى ميناء جشمه، جنوبي إزمير، وبعد ذلك اقتربت من الميناء سفينتان روسيتان صغيرتان ظن العثمانيون أنهما قادمتان لغرض اللجوء، فلم يعارضوهما في الدخول إلى الميناء، وكانتا سفينتا إحراق مليئتين بالمتفجرات والمواد المشتعلة، فما أن اقتربتا من السفن العثمانية حتى فجرت ما فيها من البارود فأشعل أشرعة السفن العثمانية ثم انتقلت النار إلى السفن حتى أتت عليها كلها إلا سفينتين، ودخل الأدميرال إلفينستون الميناء وقصفه، وكان ذلك في 13 ربيع الأول سنة 1184=7/7/1770، وكان لهذه الغارة صدى كبير في أوروبا وزادت من احترام القدرة العسكرية للإمبراطورية الروسية.

 

وأراد الأدميرال إلفينستون الهجوم على مدينة القسطنطينية التي كانت مكشوفة من الناحية العسكرية، فلم تكن هناك أية استحكامات عسكرية لإعاقة السفن من المرور في مضائق الدردنيل، ولكن لم يكن لديه من الجنود على ظهر سفنه ما يمكنه من القيام بعمليات إنزال أو احتلال برية، فحاصر ميناء موندروس في جزيرة لمنوس ليستولي عليه ويجعله قاعدة للعمليات البحرية في بحر إيجة.

 

وفي تلك الأثناء أسرعت الدولة العثمانية لحماية القسطنطينية، وعينت لذلك البارون فرانسو دو توتّ، وهو فرنسي ينتمي لعائلة هنغارية نبيلة لجأت من قبل للدولة العثمانية، فقام في فترة وجيزة بتحصين مضيق الدردنيل وبناء الحصون على جانبيه وتسليحها بالمدافع، فأصبح الغرق يتهدد السفن الروسية إن هي حاولت الاقتراب، ثم حول عدة سفن تجارية إلى سفن حربية وزودها بالمدافع، وكلفه السلطان مصطفى الثالث بإنشاء مسبك لصب المدافع، وبإعادة تنظيم سلاح المدفعية على أساس حديث، فقام بالأمر خير قيام وأسس مدرسة ضباط المدفعية وأخرى لأركان الحرب، وثالثة لضباط البحرية خرَّجت بعد فترة وجيزة عدة من القادة البحريين الملمين بأساليب الملاحة والحرب البحرية الحديثة.

 

وظهرت نتيجة هذه الإصلاحات على الفور، فقد سار القائد حسن بك الجزائرلي في 23 سفينة واستطاع طرد الأسطول الروسي من جزيرة لمنوس بعد قتال خفيف، وكوفئ حسن بك على هذا الانتصار بتعيينه رئيساً للأسطول العثماني وترقيته إلى رتبة باشا.

 

وتحرك الروس كذلك لضرب الدولة العثمانية في ولاياتها العربية، فأرسلوا عملاءهم إلى علي بك الكبير، شيخ البلد في مصر، وهو منصب استحدثه العثمانيون بعد فتح مصر، وتركوا فيه أحد كبار المماليك إلى جانب الوالي العثماني، وشجع الروس علي بك على التمرد على العثمانيين والاستقلال بمصر والمشرق العربي، فلما وافق جاءت السفن الروسية وأمدته بالأسلحة والذخائر، فأعلن العصيان وسار من مصر إلى الشام واستولى على غزة ونابلس والقدس ويافا ودمشق، وكاد أن يدخل الأناضول، لولا أن بلغه أن أحد أمرائه وهو محمد بك أبو الذهب قد انقلب عليه وصارت مصر في يده، فعاد أدراجه مع جيشه إلى مصر.

 

واستطاع أبو الذهب هزيمة علي بك فعاد إلى فلسطين والتجأ إلى الشيخ ظاهر العُمَر الزيداني والي عكا، وكان هذا جباراً داهية له تاريخ في التمرد على الدولة العثمانية وتطلعٌ لا يخفى للاستقلال بفلسطين وما وراءها، فاتفقا على التعاون وأمدهما الروس بالأسلحة والذخيرة، فسارا إلى صيدا واستوليا عليها بعد أن هزما العثمانيين بمساعدة السفن الروسية التي قصفت المواقع العثمانية، ثم أبحرت شمالاً فقصفت بيروت وهدمت منها نحو 300 بيت.

 

وفي أول سنة 1187=1773 عاد علي بك إلى مصر ليستعيدها ومعه 400 جندي روسي، وأرسل ظاهر العمر معه ابنه الكبير صُليبي، فواجههم محمد بك أبو الذهب وانتصر عليهم، وقتل صُليبي وأسر علي بيك وأربعة ضباط روس، ثم مات علي بك متأثراً بجراحه وانتهى أمر التمرد في مصر.

 

وأمرت الدولة العثمانية محمد بك أبو الذهب أن يتصدى لظاهر العمر، فجهز في السنة التالية، سنة 1188، جيشاً كبيراً وزوده بالمدافع الضخمة، فحاصر يافا ثم اقتحم أسوارها واستولى عليها، وقتل أهلها حتى كاد يبيدهم، ولكنه في اليوم الثاني لحصارها مات، فانتهت حملة أبي الذهب، وقُتل ظاهر العمر بعد 8 سنوات في حملة أخرى شنتها الدولة العثمانية.

 

وكانت الدول الأوروبية الكبرى، باستثاء فرنسا، مع روسيا عندما شنت الحرب على بولندا وعلى الدولة العثمانية، وكانت بريطانيا في تحالف عملي مع روسيا التي كانت مصدر كثير من المواد الأولية الضرورية لمواصلة بريطانيا لثورتها الصناعية وبناء أسطولها القوي، وكان فردريك الثاني إمبراطور بروسيا يعتقد أن الحرب ستضعف الطرفين وتجعله القوي المهاب، وكان قد عقد تحالفاً دفاعياً مع الإمبراطورة كاترينا، فصار بموجبه يقدم لها الأموال اللازمة للحرب، وعلق ساخراً: هذا النزاع هو مجرد حرب يخوضها قصير النظر ضد الأعمى.

 

ولكن هذه الدول غيرت مواقفها بسبب الانتصارات الروسية الكبيرة والشاملة، والتي جعلت روسيا في موقع أقوى دولة في أوروبا بعد بريطانيا، وخشيت الإمبراطورة كاترينا أن تندلع حرب أوروبية ضد روسيا تتزعمها النمسا وبروسيا، فشاركتهما في الغنيمة، وتوصلت النمسا وروسيا وبروسيا سنة 1186=1772 لاتفاق تقاسمت فيه بولندا، واقتطعت منها ثلث أراضيها ونصف سكانها.

 

وكانت النمسا قد وقعت في سنة 1185=1771 معاهدة مع السلطنة العثمانية تضمنت موافقة العثمانيين أن تزيد حشود قواتها على حدود مولدافيا ورومانيا، وتضمنت تقديمها منحة مالية لخزينة الدولة العثمانية الفارغة، وتعهداً بدعم العثمانيين مقابل روسيا، ولكن النمسا بعد هذا الاتفاق أبلغت الدولة العثمانية أنها تعتبر المعاهدة لاغية.

 

وتوسطت النمسا وبريطانيا بين الفريقين، فأعلنت الهدنة في 9 ربيع الأول سنة 1186=10/6/1772، وبدأت المحادثات بينهما للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب، وطالت المفاوضات لأن الدولة العثمانية لم تقبل بطلبات روسيا التي تضمنت الاعتراف باستقلال القِرِم وحرية الملاحة للسفن الروسية التجارية في البحر الأسود وجميع بحار الدولة العثمانية، وكانت روسيا في كل جولة جديدة من المفاوضات تزيد في طلباتها المتعنتة، وطلب المفاوض الروسي الكونت أُرلوف تحرير كل المسيحيين من الحكم العثماني، وتفكيك ولايات الدولة العثمانية، وطلبت روسيا في آخر جولة أن أن يكون لها حق حماية جميع الأرثوذكس في بلاد الدولة العثمانية، ورفضت الدولة العثمانية هذه الطلبات، وهو ما كان الروس يتوقعونه ويأملونه، وانتهت الهدنة وعاد القتال على أشده في سِلستيريا، في الشمال الشرقي لبلغاريا، ولكن العثمانيين صمدوا أمام الهجمات الروسية صموداً غير متوقع، فمالت روسيا لاستئناف المفاوضات خشية أن تخسر اليوم في ميدان القتال ما ربحته بالأمس.

 

وفي هذه الأثناء توفي السلطان مصطفى الثالث في  8 ذي القعدة سنة 1187=21/1/1774، وخلفه أخوه عبد الحميد الأول المولود سنة 1137=1724، والذي خالف العادة المعهودة لدى تولي السلطنة، فلم يمنح العسكر أية إنعامات، فقد كانت خزائن الدولة خاوية بسبب ما استنزفته منها الحرب.

 

وكانت روسيا تستكمل استعدادتها لمعركة تنهي بها الحرب التي طالت، وبدأت ذلك في آخر سنة 1188= 1774حين عبر الجيش الروسي بقيادة المارشال الكساندر سوفوروف نهر الدنيستر قاصدا مدينة فارنا على ساحل البحر الأسود في بلغاريا، فاشتبك معه الجيش العثماني بالقرب من مدينة يقال لها قوزلُجا، بقيادة عبد الرزاق باشا، ورغم أن العثمانيين كانوا يعدون 40.000 جندي والروس يعدون 8.000 جندي، إلا أن المعركة انجلت عن هزيمة أخرى بددت الجيش العثماني، فقد بادرهم سوفوروف بالهجوم فور التقائهم، وكانت معنوياتهم في الحضيض فلم يصمدوا طويلاً، واستولى سوفوروف على أسلحتهم وذخائرهم، وسار بعد هذا الانتصار لقتال الصدر الأعظم عوض خليل باشا المخيِّم في مدينة شُملا على الطريق إلى فارنا، فطلب الصدر الأعظم من القائد الأعلى للقوات الروسية المارشال رُوميانتسيف التفاوض على وقف القتال

 

وجرت مفاوضات في قرية قينارجة، وهي اليوم على الحدود الشمالية الشرقية لبلغاريا، وتمخضت عن قبول العثمانيين بما أملته روسيا من شروط في معاهدة سميت معاهدة كُجُك قينارجه، أبرمت في 12 جمادى الأولى سنة 1188=12/7/1774، ومثل الجانب العثماني في المفاوضات السفير السابق للسلطان إلى فيينا وبرلين ورئيس الكتاب أحمد الرسمي الكريدي، أحمد بن إبراهيم الكريدي، المتوفى سنة 1197.

 

ولنعطي فكرة عن سفراء الدولة العثمانية في تلك الفترة نورد نبذة عن حياة الكريدي مما أورده المحبي في خلاصة الأثر، وكان قد التقى به في استانبول: ولد  سنة 1106 في مدينة رسمو بجزيرة كريت، وجاء إلى استانبول سنة 1147، ودرس بها التفسير والفقه واللغة والنحو والمنطق والمعاني والبيان والأدب والشعر، وتفوق وأتقن الإنشاء وحسن الترسل واللغة وحفظ الأمثال والشواهد والأغلب من أشعار العرب ووقائعهم، وصاهر رئيس الكتاب وانتسب إليه فجعله من أعيان الكتاب، وولي بعض المناصب ككتابة الصدر الوزير الأعظم، ثم صار رئيس الجاويشية وانعقدت عليه أمور الدولة وفُوضت إليه في أيام السلطان مصطفى خان، وكان هو مع من كان في المعسكر السلطاني أيام الغزو والجهاد على الكفار الروسية، وحُمدت سيرته بين أعيان الدولة، وكان الوزراء والأمراء والحكام ينقادون إلى كلامه ويستشيرونه في أمور الدولة وترتيب العساكر وتقليد المناصب واستقام على هذه الحالة قدر خمس سنين. ثم قال المحبي: واطلعني على آثاره منها: حديقة الرؤساء، ومنها خميلة الكبراء، تشتمل الأولى على تراجم رؤساء الكتاب في دولة العثمانية، والثانية تشتمل على تراجم الخواص والمقربين ورؤساء خدام الحرم السلطاني الأمراء السود والحبشان، وسمعت من أشعاره ونثاره الكثير، وكان بينه وبين والدي محبة ومودة... وكنت أسمع خبره من الوالد وغيره قبل الاجتماع، وكان الوالد يراسله ويكاتبه.

 

ورغم أن العثمانيين لم يخسروا بموجب معاهدة قينارجة كثيراً من الأراضي تتكافأ مع خسارتهم الكبيرة في ميادين القتال، إلا أن خسارتهم الكبرى كانت معنوية نفسية، ولذا تعتبر المعاهدة منعطفاً أساسياً في تاريخ الدولة العثمانية، إذ لم تكن بين ندين كما كانت الحال من قبل مع آل هابسبورج والإمبراطورية الرومانية المقدسة، بل مع دولة متخلفة كانت أوروبا تزدريها والدولة العثمانية لا تأبه لها، وجاءت ثمرة هزائم متتالية طعنت الكبرياء العثماني في الصميم.

 

وتتكون هذه المعاهدة الهامة المذلة من ثمانية وعشرين فقرة، أهمها استقلال القِرِم وتسليم روسيا ما احتله من مواقع لخان القرم ما عدا قلعتين، وأن تعيد روسيا للسلطنة ما احتلته من رومانيا ومولدافيا وبلغاريا مع استثناء بعض المواقع في البحر الأسود، وأن يلقب إمبراطور روسيا أسوة بالسلطان بلقب باديشاه في المعاهدات والمراسلات الرسمية، وأن تكون للسفن الروسية حرية الملاحة في البحر الأسود والبحر المتوسط، وأن تصون الدولة العلية حق الديانة المسيحية وكنائس المسيحيين صيانة قوية، والسماح لروسيا ببناء كنيسة للروس واليونان في غَلَطة باستانبول، وتسهيل زيارة الرهبان الأرثوذكس والرعايا الروس للقدس الشريف والأماكن المسيحية المقدسة، وتضمنت المعاهدة فقرة سرية تدفع بموجبها السلطنة العثمانية إلى روسيا غرامة مالية على مدى ثلاث سنوات.

 

ويذكر المؤرخون أن الإمبراطورة كاترينا كانت شديدة السرور والتأثر بالفقرة المتعلقة بالأرثوذكس،  وقالت في خطاب شكر أرسلته للكونت روميانتسيف: لم تحصل روسيا من قبل أبداً على مثل هذه المعاهدة! ويرى كثير من المؤرخين الغربيين أن روسيا استغلت الفقرة المتعلقة ببناء الكنيسة لتدعي في مرات كثيرة قادمة أن ذلك قد  منحها حق حماية جميع الأرثوذكس العثمانيين.

 

ولم تك تلك نهاية المطاف فقد ثار بعض أهالي القِرِم على شاهين كراي، وكادت أن تنشب حرب أهلية، فأمرت الإمبراطورة كاترينا الجنرال بوتمكين أن يحتل القرم فدخلها في جيش مكون من 70.000 جندي واحتلها، وفي 16 جمادى الأولى سنة 1197=19/4/1783 أعلنت الإمبراطورة أنها استجابت لمطالب شعب القرم وضمتها إلى روسيا.

 

وكان ذلك مخالفة صريحة لمعاهدة قينارجة التي نصت على استقلال القرم استقلالاً تاما وأن: الدولة العلية ودولة روسيا لا تتدخلان في أمر انتخاب الخانات المومأ إليهم وتنصيبهم ولا فيما يحدث من أمورهم المخصوصة في حكومتهم بوجه ما، بل يكون حكمهم نافذا في حكومتهم وفي الأمور الخارجية كدولة مستقلة مثل سائر الدول المستقلة، وطائفة التتار تكون مقبولة ومعترفا بكونها غير تابعة لأحد سوى الحق سبحانه وتعالى.

 

وهاجت استانبول وماجت، وكادت الدولة العثمانية تعلن الحرب على روسيا، لولا أن فرنسا بذلت مساعي كبيرة حتى أقنعت العثمانيين بخطأ وخطر ذلك، فقد كان الروس على استعداد لهذه الحرب، وكانوا قد عقدوا تحالفا سرياً مع النمسا لتقاسم أراضي الدولة العثمانية في البلقان، وفي النهاية أدركت الدولة العثمانية ما نصب لها من شراك، فقبلت بالأمر الواقع واعترفت بضم القرم لروسيا.

 

ولكن الروس عملوا على التحرش ومضايقة الدولة العثمانية في البحر الأسود فحصنوا ميناء سان سيباستول، وأنشأوا أسطولاً ضخماً في البحر الأسود، واستمروا في تحريض اليونانيين على التمرد، فما كان من الدولة العثمانية إلا أن أعلنت الحرب على روسيا في سنة 1201=1787.

 

وكان الجيش الروسي قد بلغ حد الإنهاك في الحرب السابقة، وأخبر الجنرال بوتمكين الإمبراطورة كاترينا أن الجيش ليس جاهزاً لحرب طويلة، وأوصى بالانسحاب من القرم حتى تتفرغ القوات الروسية للجيش العثماني، وكذلك لمواجهة محتملة مع ملك السويد جوستاف الثالث الذي بدا أنه سينتهز الحرب لاسترداد الأراضي التي تنازلت عنها السويد مجبرة لروسيا في معاهدة أبو قبل بضع وأربعين سنة، ولكن الإمبراطورة لم تأخذ بتوصيات بوتمكين وأمرته بالمبادرة بالهجوم، فهاجم مدينتي بندر وأوزي واحتلهما، وأعلنت النمسا الحرب على الدولة العثمانية مساعدة لروسيا.

 

وهاجم الإمبراطور جوزيف الثاني بلغراد على رأس جيش بلغ عدده 250.000 جندي، ولكن العثمانيون استطاعوا صده، فانسحب شمالاً إلى مدينة تمشوار يتعقبه الجيش العثماني.

 

وبعد ذلك بقليل توفي السلطان عبد الحميد الأول في 12 رجب سنة 1203=8/4/1789، وتولى السلطان سليم الثالث المولود سنة 1175=1762، وهو ابن السلطان مصطفى الثالث، وواجه سليم الثالث على الفور خطراً من عدة نواح، فقد كان اليأس قد شاع في صفوف الجيش العثماني واستشرى الفرار من جبهة القتال، وفي نفس السنة وحّد الروس والنمساويون عملياتهم العسكرية وحققوا من جراء ذلك انتصارات عظيمة على الجبهتين الشرقية والجنوبية فقد استطاع الروس احتلال أغلب رومانيا واحتل النمساويون صربيا ودخلوا بلغراد.

 

ولكن الإمبراطور جوزيف الثاني توفي في 5 جمادى الأخرة سنة 1204 =20/2/1790، وخلفه ليوبولد الثاني، وكانت الثورة الفرنسية التي بدأت قبل سنتين قد اتسع نطاقها وأصبح عرش ملك فرنسا لويس السادس عشر في مهب الرياح، وصار واضحاً أنها إن نجحت فستطيح بالنظام الملكي في فرنسا، ولذا تحولت أنظار ملوك أوروبا عن الحروب الخارجية إلى ضبط الأوضاع الداخلية، ولذا سارع ليوبولد فعقد في سبتمبر 1790 اتفاق سلام مبدئي مع الدولة العثمانية أعقبته بعد سنة معاهدة سلام نهائية تخلت فيها النمسا عن صربيا وبلغراد وأغلب ما احتلته في الحرب، وتعرف بمعاهدة سيستوفا باسم المدينة الواقعة على الدانوب في شمال بلغاريا اليوم والتي وقعت فيها.

 

ثم وقعت الدولة العثمانية مع روسيا معاهدة سلام جاسي في 14 جمادى الأولى 1206= 9/1/1792، وفيها تنازلت الدولة العثمانية لروسيا عن كافة الساحل الغربي لأُوكرانيا، ولن تكون تلك نهاية الحروب الروسية العثمانية التي سيشهد القرن القادم عدداً آخر منها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين