الإسلام في أفريقيا -25-

 

أبو العباس والياً على أفريقيا

 

تولى الأمر بعد وفاة إبراهيم ولده أبو العباس عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب، وبايعه الناس واستتب له الأمر سنة (197هـ/812م)، وكان عبد الله هذا جميل الخلقة وحسن الصورة، حتى قيل فيه: أنه كان من أجمل أهل زمانه. ولكن هذا الجمال في الشكل كان على عكسه في السلوك والسيرة - لسوء طالع هذه الدولة - قبيح السلوك في سياسته الخاصة مع أفراد عائلته، وفي سياسته العامة تجاه مواطنيه. 

فقد سلك هذا الحاكم الجديد سلوكاً سيئاً اتصف بالصلف والرعونة والحمق مبتعداً عن سيرة أبيه وسننه، فبدأ علاقته مع رعيته بإلغائه لضريبة العشر وتعويضها بخراج على الأراضي قطعه على كل فدان ثمانية دنانير، وفي رواية ثمانية عشر ديناراً، سواء أصابت الأرض أم أمحلت، وكان هذا الابتداع بعيداً عن المنطق والعدل مما أغضب الناس والعلماء. 

ضجَّ الناس لهذا القرار الأرعن الجائر واعتبروا ذلك أول خروج على أحكام الشريعة، فعادوه وكرهوه، وحسبوا ولايته شر وبلية حلت بهم، بعد تيمنهم بعهد أبيه. وحال بين الناس وإعلان الخروج عليه ما خلف له أبوه من جيش كبير لا يدين بالولاء إلا للأغالبة.

ولم تجد نصائح العلماء والفقهاء ولا مواعظهم، بل كان يتمادى في طغيانه وظلمه، فلجأ الناس إلى الدعاء والتضرع إلى الله ليخلصهم من هذا الأرعن، واستجاب الله سبحانه وتعالى لدعائهم، فقد أصابته قرحة تحت أذنه أودت بحياته ليلة الجمعة لست خلون من ذي الحجة سنة (201هـ/816م) بعد أن مكث في الحكم خمسة أعوام وثلاثة أشهر إلا أياما ذاق خلالها رعية الدولة ظلماً وجوراً ما عهدوه من قبل.

وتبوأ الحكم من بعده أخوه زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب، الذي عدّه الرواة والمؤرخون من أعظم ملوك الدولة الأغلبية على الإطلاق وأعلاهم صيتاً وأبعدهم نظراً في الأمور، وقد تسلم الحكم وإفريقية تموج بالفتن والثورات، فصابر الخارجين على الدولة والثائرين عليها حتى فاز عليهم وظفر بهم جميعا. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين