ماذا لو ارتدَّ أميركي؟

 

ورد في مقال انتشر مؤخراً أن أحد الأمريكيين يخاف دخول الإسلام، لأنه إن ارتد عنه سيقتله المسلمون. ولن يسلم لأن الإسلام يقطع يد السارق، ويجلد الزاني وشارب الخمر، ويفرض الزكاة على الناس. مخيف ذلك الإسلام الذي يقتل أتباعه الناس في الطرقات.. ويجبر على الزكاة والجزية، ويجلد ويرجم ويقطع..

 

ولذلك فإنني أرد عليه متسائلاً، على اعتباره -بهذه المعلومات- قرأ كثيراً عن الإسلام: لعلك يا صاحبي لا تعرف عن دين الإسلام لا كـ "دين سماوي"، ولا كـ "تشريع دولة"، لأن المطلع على الإسلام يفرّق بين "الدين السماوي، وبين تشريعه" لاسيما أن أجهل مسلم يفرق بين "الإسلام" وبين "ممارسات داعش" الصنيعة المخابراتية التي اخترعتها بلادك، والتي يبدو أنك لا تعرف حتى عن بلادك كم تقتل من أبناء المسلمين، وكم طفلاً قتلت في العراق وحدها..

 

في الإسلام الحقيقي  من يقيم القانون هو فقط القاضي، ولذلك جلس الخليفة والمواطن اليهودي على الأرض أمامه ليحتكما، فحكم القاضي للمواطن اليهودي، فالقاضي أعلى سلطة في دولة الإسلام.

لا بأس طالما أنكم لا تقتلون باسم الدين، فالإعلام لن يسلط الضوء على ذلك، ولن تخاف أن تقيم في بلد، جيشه يعبر المحيطات إلى فيتنام، وأفغانستان، والعراق، وليبيا، واليمن، وسوريا، فيقتل الأطفال والنساء، بحجة واهية. حيث دافع القتل حفنة من الدولارات. ولا تخاف أن تعيش بين أناس يتسلون باعتقال الفتيات، ثم التناوب على اغتصابهن، ثم يقول: انتحرت الفتاة لا ندري لماذا، كما حصل في العراق. لا بأس، فالجريمة الوحشية هذه، ترتكب بقانون ودستور وجيش ممول من "دافعي الضرائب" يعني أنت أحد الممولين فبالتالي لن تبتئس.

 

فعندما تخاف من اعتناق دين تخاف أن تُقتل من قبل معتنقيه، يبدو أنك لا تعلم، أن من تظنهم سيقتلونك إن ارتددت، هم نفسهم سيقتلونك إن بقيت كافراً، فأنت كافر في الحالتين -لديهم- فلن يتغير شيء. لا أدري عن أي إسلام قرأت. لأن في الإسلام الحقيقي -الذي لم تقرأ عنه- من يقيم القانون هو فقط القاضي، ولذلك جلس الخليفة والمواطن اليهودي على الأرض أمامه ليحتكما، فحكم القاضي للمواطن اليهودي، فالقاضي أعلى سلطة في دولة الإسلام.

 

وإن الذي يقيم الحد من تلقاء نفسه يخالف القانون، فالإسلام دخل دمشق المسيحية، والقدس المسيحية، واسطنبول المسيحية، وبلاداً مسيحية ويهودية كثيرة، ولم نرَ أحداً يقتل الناس بالطرقات، وها هي الكنائس، والنصارى فيها يشهدون، والصلبان التي هي أقدم من الإسلام تشهد. ولم نسمع عن أحد فعل ذلك لا في التاريخ القديم ولا الحديث، اللهم إلا داعش التي لا تمثل الإسلام.

 

ولو قرأت عن الإسلام لعرفت أن داعش "الحديثة" لا علاقة لها بالإسلام الذي عمره 1400 سنة، فعن أي إسلام قرأت..؟؟ وأجيبك عن قتل المرتدّ بتساؤل: هل تعرف ما أحكام وضوابط الردّة من أساسها؟ وماذا تعني الردّة؟ وهل فعلاً حكم المرتد القتل؟ ولعلي أتساءل: ماذا تسمي خروج إنسان من بلد حصل على جنسيته، ثم انقلب عليه إلى جنسية يعادي أصحابها تلك الدولة، ما هو توصيفه القانوني؟

 

وعن أي إسلام قرأت، لتخلص أن الإسلام منحصر في "قتل المرتد، وجلد الزاني، وقطع يد السارق.." فإما أنك يا صاحبي ستدخل في الإسلام سارقاً زانياً مخموراً، وتبحث عن حكمك عندما تصبح مسلماً بهذه الصفات، أو أنك لم تقرأ عن الإسلام كله.. لأنك لا تعلم كما أسلفنا أن من يقيم العقوبة "الجلد أو القطع أو السجن" إنما هو فقط القاضي..

 

ثم يسأل صاحبنا: بأي دستور ستحكم دولة الإسلام عندما تصل أمريكا؟ لن نحكمه كما حكمتم "يا أمريكان" في أبو غريب.. أو الفلوجة.. أو فيتنام أو بالهنود الحمر أو بالزنوج.

ولا تعلم مثلاً أن من ينشل الناس، أو ينصب عليهم، أو يسرق من مكان عام -كمن يسرق سيارة- لا تقطع يده، وكذلك مثلاً من يسرق ليأكل.. تفاصيل ذلك سهل الوصول إليها لمن يريد أن يقرأ عن الاسلام.. فلا أدري عن أي إسلام قرأت؟ ولعلك لم تقرأ عن الإسلام الذي يقول أن القاضي إن حكم بشيء خطأ، فإن صاحب الحق لا يجوز أن يستلب حقه خارج إطار القضاء ولو كان القضاء مخطئاً، فالقانون فوق كل أحد، وإلا قلبت الدنيا فوضى.. فعن أي إسلام قرأت؟

 

ولعلك لا تعلم أنك "وأنت كافر" لا يمنعك الإسلام من بيع وشراء وشرب الخمر.. إلا إن كنت مصراً أن تدخل الإسلام بقارورتك، فحقّ لك أن تخاف.. ولكن يبدو أنك لم تقرأ عن حكم شارب الخمر بتوصيفه الشرعي لا الديني.. فعن أي إسلام قرأت؟

 

لو أنك بالفعل قرأت عن الإسلام لقرأت عن بر الوالدين، وعن حقوق الجيران، وعن عفة اليد عن أموال الناس، وعن حفظ اللسان والعين والأذن والفرج عن أملاك وحقوق وخصوصيات الاخرين.. لو قرأت عن الإسلام لقرأت عن العدالة الاجتماعية، عن الصلاة وأسرارها، عن الصيام وفوائده الشخصية والاجتماعية.. لقرأت عن الحج.. لقرأت عن عيسى من وجهة نظر الإسلام..

 

لقرأت عن "اقرأ" وعن العلم وفضله، والحضّ عليه، وعن التفكر في خلق السماوات والارض والجبال والقمر والنجوم ومنازلها ومشارقها ومغاربها.. لقرأت عن ألف أمر، قبل أن تقرأ عن أحكام الحدود التي تسمى بعرف اليوم "قانون العقوبات".. وقانون العقوبات كأي قانون في العالم يختلف من دولة لأخرى. فعن أيّ إسلامٍ قرأت؟

 

ثم يسأل صاحبنا: بأي دستور ستحكم دولة الإسلام عندما تصل أمريكا؟ مرة أخرى لو قرأت عن الإسلام لعرفت أننا لن نحكمه كما حكمتم "يا أمريكان" في أبو غريب.. أو الفلوجة.. أو فيتنام.. أو بالهنود الحمر.. أو بالزنوج.. ولن نحكم كما حكمتم في اليمن.. ولا كما فعلتم في هيروشيما، وناكازاكي.. ذاك تاريخنا، وهذا تاريخكم..

 

وإن كنت تخاف على نفسك أن تفرض عليك الزكاة أو الجزية، ففي دولة الإسلام -التي لم تقرأ عنها- لا توجد "ضريبة" على المواطنين، فلا "مكس" في الإسلام، والزكاة "التي هي بحكم الضريبة" أعدل اجتماعياً بمليار مرة من فوائدكم البنكية التي أثبتت فشلها.. والزكاة لا تشبه أبداً ما تدفعه اليوم باسم الضرائب، والتي لا تجروء أنت أن تتأخر عن سدادها شهراً وحداً.. وإلا أقاموا عليك الحد، الذي انت تسميه "قانون".

 

الدين الذي أنت تدعي أنك قرأت عنه "الإسلام"، هو بالتأكيد إرهابي، لأن إعلامك الذي صنع لك داعش، جعلك تصدق أن كل مسلم "داعش" وتنسى أن كل أمريكي "رامبو".

وأسألك سيدي الكريم: ماذا لو قررت -ليس الافراد، بل دول كاملة- كدول الخليج مثلاً، أن تتوقف عن دفع "جزية النفط" إلى دولتكم المدنية الديمقراطية؟ كم حاملة طائرات ستسيّر إليهم؟ وكم هيروشيما ستفعلون بشعبهم؟ وكم مجزرة سترتكبون؟ وكم مليوناً جديداً ستقتلون؟ وكم مارينز من أهلك ورفاقك وأولادك سيعود لك من بلادنا، ويروي لك كيف كان يتسلى بقنص الأطفال، أو اغتصاب الفتيات، أو تعرية الناس في السجون..

 

ويريك "سيلفي، والمغتصبة خلفي" ثم يقول لك اغتصبناها حتى انتحرت، وتشرب معه "نخب النصر على الجثث"، لن يؤلمك ذلك، ولن تسأل عن المدنية والعلمانية والإنسانية، فالطرف الآخر غير أمريكي، وغير علماني. وبما أنه لم يدفع -هو أو دولته- إتاوة أو "جزية النفط" فلن ينتابك أي شعور.

 

لن ألومك، فكما قال مـُحاوِرُك: أكثر دين يهاجمه الإعلام إنما هو دين الإسلام. فبالتالي أيّ أمريكي يحمل علم أمريكا ويقول: دولة أمريكا "باقية وتتمدد"، ويمسك رشاش الـ M16، وفوقه الـ F16 تحلق، ويقتل الناس وراء البحار لن يقول عنه الإعلام أنه إرهابي -إعلامك أعني سيدي الكريم..

 

وذلك الدين الذي أنت تدعي أنك قرأت عنه، هو بالتأكيد إرهابي، لأن إعلامك الذي صنع لك داعش، جعلك تصدق أن كل مسلم "داعش" وتنسى أن كل أمريكي "رامبو".

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين