صفحة من تاريخ الإسلام في السنغال

حدث في الخامس عشر من ربيع الأخر

 

في الخامس عشر من ربيع الآخر من سنة 1296=8/4/1879 أصدر مجلس الشيوخ في الحكومة الفرنسية مرسوماً منح بموجبه سكان أربع مدن في السنغال مقعداً في مجلس النواب الفرنسي المسمى بالجمعية الوطنية، وذلك في إطار التطورات السياسية الفرنسية التي تمخضت عنها حقبة الجمهورية الثالثة.

 

ولم تكن هذه أول مرة تعطى فيها السنغال هذا المقعد دون بقية المستعمرات الفرنسية في إفريقيا أو آسيا، فقد خصص لها مقعد بعد ثورة فبراير 1848 التي أطاحت بالملك لويس فيليب، وكانت ثورة مفعمة بالأفكار الإشتراكية والتقدمية، تمخضت عنها حقبة الجمهورية الثانية، فمنحت سكان أربع مناطق في السنغال؛ سان لويس في الشمال وداكار ومنطقتين حولها؛ روفيسك وجزيرة جوريه، الحقوق المواطنة الفرنسية الكاملة، ومنها أن ينتخبوا نائباً عنهم إلى الجمعية العمومية.

 

وترأس الجمهورية الثانية لويس نابليون بونابارت، وهو ابن أخي نابليون المشهور، وعمل رئيس الجمهورية على تأليف القلوب واجتذاب المؤيدين حتى حقق بعد قرابة 4 سنوات هدفه في أن ينادى به إمبراطوراً على فرنسا، في حقبة عرفت بالإمبراطورية الفرنسية الثانية، وكان من جملة ما فعله الإمبراطور نابليون الثالث أن ألغى مقعد السنغال في الجمعية الوطنية.

 

وحكم نابليون فرنسا قرابة 20 سنة، تورط في آخرها في حرب خاسرة مع ألمانيا أدت إلى ثورة قامت في سنة 1870 فأسقطت نابليون وأدخلت فرنسا في حقبة الجمهورية الثالثة، فأعيد مقعد السنغال في أول سنة 1871، ثم ما لبث المقعد أن ألغي في سنة 1875 ليعاد في سنة 1879، ويبقى حتى سقوط الجمهورية الثالثة في سنة 1940؛ المقعد الوحيد الذي يمثل جهة إفريقية في برلمان أوروبي.

 

والسنغال، كما سنرى، بلد مسلم عريق في الإسلام واللغة العربية، فلماذا اختصته فرنسا بهذه المزية وأعطت هذه المدن دون غيرها حق الانتخاب؟ الجواب أن الأمور لم تكن على ظاهرها، وكان الغرض الأساسي من هذه المزية هو أن يتمتع بها الفرنسيون ومن انحدر منهم والمتفرنسون لا المسلمون من أهل البلاد.

 

فقد صنف الفرنسيون سكان هذه المدن إلى ثلاثة طبقات: الأولى طبقة المستوطنين الفرنسيين البيض وذراريهم من زوجات إفريقيات، وهؤلاء فرنسيون لا جدال في فرنسيتهم وحقوقهم، والثانية طبقة أطلق عليها اسم الأصليين originaires، وهم الأفارقة المولودون في هذه المدن والذين حافظوا على التزامهم بالشريعة الإسلامية والتقاليد القبلية فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، التي لم تلغيها فرنسا، والطبقة الثالثة أطلق عليها المتحولون Évolué، وهم الذين أعلنوا تخليهم عن التزامهم بالشريعة الإسلامية والتقاليد القبلية، وهؤلاء منحوا من الناحية النظرية الجنسية الفرنسية الكاملة، وإن بقوا في الواقع عرضة لتمييز كبير في أراضيهم وفي فرنسا الأوروبية.

 

ومن الناحية الفعلية نجد أن الذين احتلوا هذا المقعد في الجمعية الوطنية الفرنسية كانوا إما مولدين من العنصرين الفرنسي والإفريقي أو من العنصر الفرنسي الأبيض، وجرى انتخاب أول رجل أفريقي في هذا المنصب سنة 1914 وهو المتنصر بلييس  دياجِنِه، وأول مسلم انتخب لهذا المنصب كان جالاندو ضيوف، الذي انتخب له في سنة 1934.

 

ويبدأ تاريخ فرنسا من سنة 1047=1638 حينما بدأت في احتلال السنغال وقضم أراضيه وكان أول ذلك أن أسس الفرنسيون موقعاً تجارياً على المحيط عند مصب نهر السنغال، وأسسوا في سنة 1069=1659 مكان مدينة أندر السنغالية مدينة حديثة أطلقوا عليها اسم سان لويز، وكانت مصالحهم التجارية في المنطقة تقوم على صادرات الصمغ العربي والعاج والذهب والرقيق، ومع تطور الصناعة الآلية في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي أصبحت صادرات الصمغ العربي هامة جداً لاستخدامها في صناعات القماش والأدوية، وأصبحت مناطق غرب أفريقيا أكبر مصدر له في العالم.

 

ونتيجة الصراعات الأوروبية تداولت البرتغال وهولندا بعض المواقع الفرنسية على ساحل السنغال، ولما ظهرت بريطانيا وقوتها البحرية تداولت مع فرنسا السيطرة على ساحل السنغال، ولكن ذلك التنافس والتداول انتهى عندما وقع البلدان معاهدة باريس في سنة 1814 تقاسما فيها مناطق النفوذ والاستعمار في العالم، ومنحت المعاهدة السنغال لفرنسا، وبعدها بدأت فرنسا تتوسع في داخل السنغال واصطدمت مع إمارة التَرارزة في جنوبي غربي موريتانيا، وهي إمارة إسلامية كانت تهيمن على التجارة شمال نهر السنغال، ولها نفوذ علمي وديني كبير بين المشايخ وطلبة العلم في السنغال، وكانت قد بدأت في التوسع جنوبي نهر السنغال بعد زواج أميرها محمد الحبيب بالأميرة جمبت وارثة عرش الوالو المقيمين جنوب النهر، فخاض الفرنسيون حرباً مع التررازة في سنة 1825، وأرسلوا قوة كبيرة هزمت جيش الأمير محمد، واستطاعت بسط النفوذ الفرنسي شمال نهر السنغال.

 

وفي سنة 1854 عينت فرنساً حاكماً جديداً للسنغال هو الضابط الرائد لويس فايدهيربه Louis Faidherbe، وكان عمره 36 عاماً، وكان رجلاً طموحاً أراد أن يجعل من السنغال قاعدة لمستعمرة فرنسية كبرى في غرب إفريقيا لتضاهي مستقبلاً ما حققه البريطانيون في الهند؛ جوهرة التاج البريطاني، وكان أول ما واجهه الحاكم الجديد طلباً من أكبر شركات الملاحة الفرنسية لإنشاء الحصون في الداخل على نهر السنغال والسيطرة على أراض أكثر، والقضاء بذلك على سيطرة الأفارقة على تجارة الصمغ المجلوب من الداخل.

 

وكانت إمارة الترارزة قد جددت تحالفها مع الوالو الذين أصبح أميرهم علياً ابن الأمير محمد الحبيب، وتحالفت كذلك مع إمارة البراكنة، وكانت عدوتها ومنافستها بالأمس، بهدف مقاومة التوسع الفرنسي الذي أضر بالجميع، وشنت قبائل هذا التحالف هجوماً في سنة 1271=1855 على ميناء سان لويس، وكادت أن تستولي عليه، فعجل الفرنسيون بشن ردٍّ سريع هزم قوات التحالف القبلي، وأدخلوا رسمياً أراضي الوالو ضمن المستعمرة الفرنسية، ثم عملوا على إخلائها من أهلها وتهجيرهم لمناطق أخرى.

 

ولم يكن ذلك الصدام الوحيد الذي دخل فيه فايدهيربه، بل اصطدم مع الزعيم التكروني عمر طال، أو طعل، المتمركز في مالي والذي بدأ في التوسع في الجنوب الشرقي من السنغال، فهزمه في سنة 1237=1857 في معركة عند حصن المدينة الفرنسي، وظل يلاحقه حتى أخرجه إلى ما بعد نهر السنغال في الجنوب، وكان الشيخ الحاج عمر بن سعيد الفوتي التيجاني، المولود سنة 1211=1796 في فوتا تورو في شمال السنغال على الحدود مع موريتانيا، قد قاد في سنة 1835 حركة جهادية قبلية واستطاع تأسيس دولة إسلامية امتدت من شرقي السنغال وغينيا إلى مدينة تمبكتو في مالي، وهاجم الفوتي الفرنسيين ولكن فايدهيربه هادنه ووقع معه اتفاق سلام، وبقيت دولة الفوتي حتى وفاته سنة 1281=1864.

 

وفي خلال سنوات سبع استطاع فايدهيربه تحويل المنطقة من مجموعة من الحصون التجارية إلى القوة المهيمنة على المنطقة عسكرياً وسياسياً، وأسس مدينة داكار في سنة 1273=1857 التي أصبحت من المدن المهمة في الساحل، وشهدت نمواً ملحوظاً في عهده وبعده.

 

وبقي فايدهيربه حاكماً للسنغال حتى سنة 1865، وتصفه المراجع التاريخية أنه كان على قدر كبير من التفهم والتعاطف مع الأفارقة، حريصاً على ألا يضر بمصالحهم المباشرة، ولم يكن يهدف إلى إلغاء فوري للمجتمعات التقليدية، ولذا ترك الرؤساء والوجهاء في مناصبهم مكتفياً بتدريب أبنائهم ليصبحوا في المستقبل أعواناً نافعين للحكم الفرنسي، وكانت فرنسا قد منعت تجارة الرقيق في سنة 1848 فصرف جهداً كبيراً في مكافحتها.

 

وفي سنة 1870 خسرت فرنسا حربها مع ألمانيا، فهدأت وتيرة الاستعمار، وترك الفرنسيون القبائل والإمارات وشأنها، ودخلت إمارة الترارزة في صراعات داخلية وقبلية أضعفت الإمارة وأفادت فرنسا فائدة كبرى، فقد صار تجارها في سان لويس يبيعون السلاح للمتنازعين ويشترون منهم السلع التجارية الإفريقية، ومع ذلك قاد الشيخ أحمد بادئ خُبا حركة مقاومة دامت 10 سنوات، ولكن الفرنسيين قضوا عليه بعد محالفات عقدوها مع الملوك الوثنيين في عام 1886.

 

وفي سنة 1318=1901 بدأ الحاكم الفرنسي إكزافيير كوبُّولاني، وكان متخصصاً بالشؤون الإسلامية، خطة للقضاء على المقاومة المسلمة للاستعمار الفرنسي، قوامها: فرِّقْ تسُد، وبناها على التناقضات الموجودة ضمن الصف المسلم، وأولها التمييز الطبقي الذي مارسه ذوو الأصول الشريفية ضد غيرهم من الطبقات البربرية والإفريقية، والذين وعدهم كوبولاني بالاستقلال في ظل الحماية الفرنسية، وبدأ كوبولاني خطته مع مشايخ موريتانيا نظراً لتأثيرهم الغالب في الساحة السنغالية التي كانت تعترف لهم بالفضل والريادة، واستمال كوبولاني شيخين كبيرين هما الشيخ علي بابه بن الشيخ سيديا الأبييري والشيخ سعد بوه بن الشيخ محمد فاضل القلقمي الإدريسي، المولود سنة 1265=1848 والمتوفى سنة 1336=1917، وبسبب ذلك وافق كثير من أمراء المناطق أن يعقدوا اتفاقيات حماية مع الحكومة الفرنسية، وبذلك استطاع كوبولاني خلال أقل من 4 سنوات تهدئة المقاومة الموجودة في شمال السنغال، والسيطرة على مناطق شاسعة من موريتانيا.

 

ولكن الشيخ محمد مصطفى ماء العينين الشِنقيطي كان قد أعلن في موريتانيا الجهاد على المستعمر الفرنسي، وأعلن أنه يوالي سلطان المغرب مولاي عبد العزيز، الذي آزره وأمده بالسلاح مباشرة وبواسطة ألمانيا التي كانت تنافس فرنسا، فاستطاع ماء العينين تجميع قوة لا يستهان بها واجهت المستعمر الفرنسي وقتلت كوبُّولاني، ولكن هذه الثورة تعثرت بعد قبول السلطان عبد العزيز باتفاقية الجزيرة التي توصلت فيها الدول الأوربية إلى تقاسم النفوذ في المغرب، وخلا الجو للكولونيل هنري غورو الذي جعلته الحكومة الفرنسية مسؤولاً عن موريتانيا ليبسط النفوذ الفرنسي في السنغال وموريتانيا.

 

وغورو هذا هو الذي سيصبح فيما بعد جنرالاً يقود جيش الاحتلال الفرنسي لسورية وجنوبي تركيا، ويهزم يوسف العظمة وقواته في معركة ميسلون في 7 ذي القعدة سنة 1338=23/7/1920، وسيعلن بعد 37 يوماً، في 17 ذي الحجة سنة 1338= 1/9/1920، فصل لبنان وإنشاء دولة لبنان الكبير.

 

وبعد اتضاح التفوق الفرنسي في ميدان المعركة، قام مؤسس الطريقة الصوفية المريدية، وهوالشيخ أحمدُّو بَمْبَا، أحمد بن محمد بن حبيب الله، المولود في إمبكي سنة 1269=1853، بإنشاء حركة للمقاومة السلمية ضد المستعمر الفرنسي تعتمد على التربية والتعليم، واجتذبت حركته كثيراً من المربين والشباب، فخشي منه الفرنسيون وحاكموه محاكمة صورية قضت بنفيه إلى الغابون 8 سنوات، ولما عاد للسنغال نفاه الفرنسيون مرة ثانية إلى موريتانيا 4 سنوات، ثم نفوه مدة 5 سنوات إلى منطقة منعزلة في الشمال الشرقي للسنغال، ثم سمحوا له في الإقامة في مدينة جربل سنة 1912 فعاش فيها لا يغادرها حتى وفاته سنة 1346=1927 .

 

وقد استمرت المقاومة ضد الفرنسيين إلى سنة 1920، حين بدأ أولاد شيوخ السنغال يتخرجون من المدارس والكليات الفرنسية في السنغال ويبتعث النابغون منهم للدراسة في باريس،  ليعملوا في حكومة المستعمر ويتعاونوا معه.

 

فقد أنشأ المستعمر الفرنسي مدرسة للقضاة والمترجمين، تهدف إلى تربية أولاد هؤلاء الشيوخ، وفي ذلك يقول الحاكم الفرنسي للسنغال آنذاك مبيناً الهدف من هذه المدرسة: لابد أن نوجد لهم مدرسة نكوِّن فيها أبناءهم ونفسر لهم فيها القرآن تفسيراً لا يتنافى مع الحكم الفرنسي، ونعلمهم فيها الفقه تعليماً لا يكون منافياً مع ما تريده الإدارة الفرنسية.

 

ومن ناحية أخرى سلك المستعمر الفرنسي طريق تجفيف المنابع التعليمية الإسلامية، وكان رائد هذه الطريقة وليام بونتي الحاكم العام لغرب إفريقيا الفرنسي من سنة 1908 إلى سنة 1915، ويذكر الباحث البرفسور عثمان كوبو في كتابه عن التجديد الإسلامي في القرن العشرين غرب أفريقيا: أن بونتي حذر موظفي الاستعمار من الوثوق بالمسلمين وشدد عليهم أن يبقوهم تحت المراقبة، وأن يعيقوا انتشار الكتب الإسلامية حتى لا تنتشر الأفكار المعادية للاستعمار، وعرَّف بونتي المظاهر الإسلامية التي تهدد الوجود الاستعماري بأنها: مظاهر التقوى والتقشف والعلم والشخصية الجذابة والتأثير الاجتماعي، وادّعي بونتي وجود إسلامين: إسلام إفريقي أسود مشوب بالخرافات ويتقبل الاحتلال الفرنسي، وإسلام عربي لا يحيد عن أصوله ولا يقبل الاحتلال الفرنسي، وكان يقول: إن مسلمينا لم يتخلوا عن معتقدات أجدادهم وشابوا بها إسلامهم، أما الإسلام العربي فلا يزال ملتزماً بأركان الإسلام الخمسة ويرفض الخرافات والتمائم.

 

وقد كانت السنغال مصدراً مهماً لجنود الجيش الفرنسي، وشارك الجنود السنغاليين في معارك الحروب الفرنسية، وعلى رأسها احتلال استانبول سنة 1918، وحرب تحرير فرنسا من الاحتلال الألماني في الحرب العالمية الثانية، وشاركوا كذلك في حروب فرنسا الاستعمارية، وكانوا لجهلهم وتخلفهم أداة طيعة في يد المستعمر الفرنسي يسلطها على شعوب البلاد التي يستعمرها، فذاقت منهم الأمرَّين شعوب المغرب والجزائر وتونس وسورية أيام الاستعمار الفرنسي.

 

وفي سنة 1946 أعلنت فرنسا السنغال أرضاً فرنسية وراء البحار ومنحت كل سكانها الجنسية الفرنسية، وفي سنة 1958 جعلتها جمهورية ذات حكم ذاتي، وفي سنة 1960 أعلنت فرنسا استقلال السنغال كدولة جمهورية يرأسها ليوبولد سنغور الزعيم الذي قاد حركة الاستقلال، والذي يمثل قمة نجاح المخطط الفرنسي في تحويل أبناء المسلمين إلى فرنسيين فكراً وثقافة ومرجعية، فقد ولد لأبوين مسلمين ولكنه تنصر قبل أن يبلغ من العمر 16 سنة، وتابع دراسته في السنغال ثم في فرنسا، ودخل العمل النقابي والسياسي، حتى صار رئيس البلاد، وفي حكمه تناقضات يتضح فيها الارتباط العضوي بفرنسا، فرغم كونه من دعاة الاشتراكية والاستقلال، إلا أنه حافظ على علاقات جد وثيقة مع الغرب وفرنسا بالذات، وبعد قرابة 5 سنوات من حكمه أطاح سنغور برئيس وزرائه محمدو ضياء، ثم أودعه السجن 12 عاماً بحجة أنه يدبر انقلاباً عليه، وكذلك أصدر سنغور عدة قوانين حدّت كثيراً من حرية العمل السياسي، وحوّل نظام الحكم إلى نظام جمهوري ليبقى مسيطراً على البلاد، ويعد سنغور  من أعلام الأدب الفرنسي الحديث، وانتخبته الأكاديمية الفرنسية في عضويتها سنة 1983، وهو أول أفريقي فيها، وفي سنة 1401= 1981 استقال سنغور من رئاسة السنغال، وسكن فرنسا مع زوجته الفرنسية، وتوفي فيها سنة 2001 عن 93 سنة.

 

وخلف سنغور رئيس وزرائه السابق عبدو ضيوف الذي رفع بعض القيود عن العمل السياسي، وفي عهده انعقد في داكار عاصمة السنغال مؤتمر القمة الإسلامية السادس في سنة 1411=1991، وانتُخِب عبدو ضيوف رئيساً لأربع مرات حتى خسارته الانتخابات في سنة 2000 أمام رئيس المعارضة أستاذ القانون عبد الله واد، والذي حكم البلاد حتى سنة 2012 حين خسر الانتخابات أمام منافسه مكي صالح، ويحرِّم القانون السنغالي تأسيس أحزاب على أساس ديني، ويخلو هذا البلد الإسلامي العريق من مراكز للدراسات الإسلامية العليا، فلا توجد في جامعات البلاد كلية للشريعة أو الدراسات الإسلامية، ويضم اتحادُ الجمعيات الإسلامية في السنغال المنظمات الإسلامية في السنغال ويمثلها أمام الحكومة.

 

دخل الإسلام السنغال في حوالي سنة 440 على يد المرابطين مع حركة عبد الله بن ياسين، البربري الصنهاجي، الذي كان عالماً من علماء سوس في المغرب، ثم قاد حركة المرابطين الإصلاحية وأسس دولة امتدت من المغرب إلى السنغال، وأقام فيها رباطاً عرف برباط السنغال، وتوفي سنة 451، ويرجح المؤرخون أن اسم السنغال اشتق في أصله من كلمة صنهاجة.

 

واعتنق ملك التكرور وارديابي بن ربيع الإسلام وقام بنشره بين القبائل التي تحت سلطانه، وأسس حكماً إسلامياً في أرجاء البلاد، وبعد ذلك قام شيوخ من أهل البلد بالدعوة إلى الإسلام في باقي أرجاء السنغال، منهم الحاج عمر الفوتي والحاج مالكسي، ولما جاء الفرنسيون في القرن السابع عشر الميلادي كانت هناك دولة إسلامية في منطقة فُتا بزعامة الشيخ الفقيه سليمان بعل، ويطلق عليه لقب الإمام بالمعنى الإداري السياسي، وباقي المناطق ذات الأغلبية المسلمة يحكمها شيوخ محليون مسلمون، وإلى جانب ذلك كانت هناك دويلات وثنية، وقتل الفرنسيون الإمام سليمان بعل وعينوا مكانه الشيخ عبد القادر كان، وكان آخر شيخ، وكانوا يطلقون اسم الإمام على الشيخ الذي كان يدير البلاد مثل الإمام سليمان بعل والإمام عبد القادر كان.

 

وقامت الطرق الصوفية بالدعوة الإسلامية في السنغال والبلاد المجاورة، وأصبح التصوف متلازما مع الالتزام الديني، ولا يزال للمشايخ نفوذ كبير في البلاد عبر الطرق الصوفية، وكان الشيخ أبو بكر بن مالك بن عثمان سِهْ، المولود سنة 1303=1885، خليفة الطائفة التيجانية منذ سنة 1922، وكان له نفوذ سياسي كبير لتأثيره في الانتخابات من خلال أتباعه، وبقي هكذا حتى وفاته سنة 1377= 1957، وخلفه ابنه عبد العزيز الذي بقي له ذات النفوذ الاجتماعي والسياسي حتى وفاته سنة 1418=1997.

 

وكانت الطريقة القادرية أول هذه الطرق في السنغال، ثم ما لبثت الطريقة التيجانية أن انتشرت قبل قرابة مئة سنة ونيف على يد الشيخ مالك بن عثمان بن معاذ سي التكروري، المتوفى سنة 1341=1922، وصار لها المحل الأول في البلاد إلى يومنا هذا، ويتلوهما في الأهمية الطريقة المريدية التي استجدت بعدهما، وقد أدى هذا لنشوب العداء بين الطريقتين إلى يومنا هذا.

 

ويجيد أغلب مشايخ الطرق الصوفية اللغة العربية ويقرضون الشعر في شتى المواضيع، ومن أبرز مشايخ الصوفية الشيخ إبراهيم إنياس بن عبد الله الكَوْلَـخي، المولود سنة 1319-1901 والمتوفى سنة 1395=1975، والذي كان عضواً في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، ورئيساً لمنظمة الاتحاد الإسلامي الإفريقي، وعضواً في عدد من الهيئات الأهلية الإسلامية العربية والإفريقية.

 

وكانت العلوم الشرعية واللغة العربية مزدهرة في السنغال، بفضل الطرق الصوفية التي أسست المساجد والزوايا في مدنها وقراها، وجعلتها بمثابة مراكز علمية يدرِّسُ فيها مشايخ موريتانيا والسنغال، ويتخرج على أيديهم أجيال متعاقبة من الطلبة الضليعين بحفظ القرآن الكريم وعلوم الشريعة والفقه المالكي وكذلك اللغة العربية وآدابها، ويتخرج منها المشايخ والفقهاء والشعراء، ويتضح ارتباط البلاد الوثيق بالتراث الإسلامي من انتشار اللغة العربية بين كثير من مثقفيها وأدبائها، الذين كتبوا بها الكتب ونظموا بها الأشعار، فكانت لغة الأمة المعبرة عن مشاعرها، ومن أهم اللغات الموجودة في السنغال؛ اللغة الوُلوفية التي تزخر بالمفردات العربية، وتسمي أيام الأسبوع ماعدا الأحد بأسمائها العربية، وقد ألف الباحث السنغالي المرحوم الأستاذ الدكتور عامر بن إبراهيم صمب، المولود سنة 1356=1937 والمتوفى سنة 1408=1987، كتاباً حافلاً بأدباء السنغال أسماه الأدب السنغالي العربي، ونشرته الشركة الوطنية للنشر والتوزيع بالجزائر في سنة 1978، وأفدت منه كثيراً في تعقب الشخصيات التاريخية.

 

صفحة من تاريخ الإسلام في غرب أفريقيا، اجتهدت أن أقدمها للقارئ العربي، على ما فيها من ثغرات وأخطاء لقلة المعلومات وتضاربها أحياناً، وأشكر من يتكرم عليَّ بتصحيح أو إضافة أو تصويب.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين