الحكم الصالح -1-

 

(1) لا نريد بالحُكم الصالح حُكمَ الأئمة الذين كانوا كالراشدين الذين بايعتهم الأمة الإسلامية، أو أهل الشورى فيها، فإنَّ عهد الإمامة قد مضى، وإن كان الدين يُوجبها، والآمال معقودةٌ عليها إذا أردنا تنفيذ حكم الإسلام، وأن تحكم بما أمر الله.

وإنما نريد حكم الولاة، الذين يتولون الحكم في البلاد الإسلامية قاصيها ودانيها، سواء أكانوا يتولَّون تابعين لمن هو أعلى منهم، أم كانوا مختارين من أقاليمهم، أو متغلبين عليها، أو مسيطرين بأي نوع من أنواع السيطرة، سواء أكانت بالرضا والاختيار، أم كانت بالقسر والاضطرار.

وسواءٌ كانوا يسيطرون في حكمهم باسم الإسلام، أو تنفيذ أحكام القرآن والمأثور من السنة، وإن خالفوا كثيراً منها، أم كانوا لا يحكمون بأحكام الإسلام، وإن أعلنوا أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام أو يربطون نسبهم بالإسلام.

وإنَّ هؤلاء الولاة وإن لم يكونوا أئمة، وإن تسمَّى بعضهم باسم أمير المؤمنين يمكن أن يتخلَّقوا بأخلاق الأئمة، ويعملوا أعمالهم في القيام بحق الإسلام، والعمل على توحيد المسلمين تحت أيِّ عنوان، وألا يُوالوا أحداً من أعداء الإسلام وأعداء الحق، وألا يُهونوا شأن الإسلام في قلوب الناس، وألا يتَّخذوا بطانة من غير المسلمين عملاً بقوله تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ] {آل عمران:118}. وألا يجعلوا أمر رعاياهم فرطاً لا يستمسكون بخلق، ولا يؤمنون بفضيلة.

إنَّ هؤلاء الحكام، نرجو أن يكونوا ولاةً عدولاً، يُؤثرون العدل والرحمة في حُكم الرعيَّة، وأن يُرشِدوا الرعية، وألا يصْطنعوا الصَّنائع من الرجال الذين يلبسون عليهم الباطل بالحق، والظلم بالعدل، حتى وجدنا الذين يقعون تحت تأثير تضليلهم لا يُفرقون بين الصالح والطالح، والعادل والظالم، ويذكرون بالتقدير الظالمين، ولا يذكرون بالتقدير من مَضَوْا من أهل العدل والنفع والخُلق الكريم، بل يشوِّهون أخبارهم، ويطمسون مآثرهم، ويعبثون بكل ما أقاموا من دعائم الحق والفضيلة.

حتى لقد عمَّ هؤلاء المفسدون فظلموا الحقائق، كما ظلموا الرجال، وعبثوا بها كما عبثوا بالكرامات.

***

----------------

(1) (الفكر الإسلامي) اللبنانية في العدد الثاني من السنة الثانية (1390هـ - 1971م) بعنوان: العمل الطيب والحكم الصالح.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين