حلب .. التجربة التي لا نرغب بتكرارها -1-

 

لقد خُضنا في حلب منذ اليوم الأول للثورة حربًا عبثيةً لا طائل من ورائها، وكنَّا بين وقت وآخر نحاول أن نقول بخجل: إنَّ هذه الحرب يجب أن تُصحَّح، يجب أن تمتلك مقومات نصرها، ونخاف أن نرفع صوتنا لكي لا نُتَّهم بالعمالة أو الإرجاف أو الجبن، بينما كان ضياع حلب يزداد، كنَّا نحن نراهن على المصادفة التي ستنتشلنا إلى نصرٍ كبيرٍ لأنَّنا أصحاب حقٍ كما ندَّعي، أو لأنَّنا المؤمنون الذين يقاتلون الكفار، أو لأنَّ فينا وبيننا يرقد المظلومون الذين يرفعون أيديهم بالدعاء على الظَلمَة، ولم نتخيل أبداً بأنَّنا الظَلمَة التي ستصيبهم سهام الليل القاتلة.

 

صدَّقنا كذبةً كبيرةً كان يُروَّج لها كالمعجزة بأنَّ نصف المدينة قد حررت ببضعة آلاف طلقة، وبعض البواريد الصدئة، وبعض الرجال الصادقين الذين حاربت الملائكة إلى جانبهم، يا إلهي كم كنَّا أغبياء وسذَّج عندما اعتقدنا أنَّ الملائكة تحارب إلى جانب الحمقى الذين يفشلون في الإعداد للمعركة!!!

 

اعتقدنا بغباء أنَّنا كنَّا نحرر الأرض ونخوض المعارك ضد الدبابات التي تنسحب خوفاً من بواريدنا المحشوة بطلقات متعفنة انفجرت مرات عديدة بين أيدينا، وكلما كان عدوُّنا ينسحب من منطقة ما، كنَّا نظنُّ أنَّ نصراً إلهياً قد تحقق على أيدينا، نحن الذين كانت أيديهم تغوص في السَّرقات التي كنَّا نسميها غنائم الحرب، وفي دماء من نتهمهم بالعمالة للنظام، كنَّا أغبياء بما فيه الكفاية لكي لا نقول كفى، ولكي لا نستغرب هذا النصر الإلهي المتناقض مع كلِّ التعاليم التي نؤمن بها كمسلمين.

 

كنَّا نخاف من الانتقاد ونحن نحارب في سبيل الحرية، ونتبع جميع شيوخ الحرب فاغرين أفواهنا باستغراب أمام التعاليم التي تسهِّل لنا اقتناص النصر الذي نريده، وتحمِّلنا أهدافاً لم نكن لنتفق عليها أبداً، وتشعرنا بنشوة العزة والكرامة المبنية على دماء وأحلام الضعفاء والفقراء الذين صادرنا لهم قرارهم يوم كان لابدَّ أن يسيروا في هذه الثورة، وإلا عليهم أن يكونوا مجموعة من الخونة والعملاء والمرتزقة للنظام الذين يخافون على رواتبهم من الانقطاع ولا يخافون على دماء المسلمين كما كنَّا نصفهم دائماً.

 

رسمنا الأساطير حول صمودنا العجائبي، وحول انتصاراتنا الوهمية الكثيرة، ونسجنا حكاية الحرية العظيمة التي يطالب بها هذا الشعب العظيم، تلك الحرية التي كنَّا نصادرها مع كلِّ نصرٍ نحققه، فأصحاب النصر فقط هم من يحق لهم الكلام ورسم ملامح الدولة القادمة، والكلُّ عليه أن يكون مطيعاً لدولة الثورة والتغيير والحرية !!!

 

يتبع …

المصدر : موقع حبر

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين