الحقيقة

 

الحقيقة حقيقتان: كونية، وشرعية

 

والحقيقة الكونية حقيقتان:

• دنيوية منقضية، 

• وأخروية دائمة.

 

وخاصة الحقيقة الشرعية أنها وحدها التي تنتظم الحقيقتين الكونيتين، وبها تعطى كل واحدة منهما حقها اللائق بها فالحقيقة الكونية الدنيوية جسر يعبر عليه ولا يوقف عنده، والحقيقة الكونية الأخروية هي الغاية التي يجب قصدها وإناطة كل الحسابات بها.

 

وخاصة الكفار: 

استغراقهم في الحقيقية الكونية الدنيوية دون الأخروية وظنهم أنها وحدها هي الحقيقة المطلقة ومعيار الصواب والخطأ، والنجاح والفشل، والسعادة والتعاسة، هذا مع أنهم لا يحيطون بها وغاية حظهم منها بعض ظواهر منها لا تتكامل بها عندهم صورتها الحقيقية فضلاً عن انعدام حظهم من غيرها

{ يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون } ..

 

وكل من أطلق اسم الحقيقة على الحقيقة الدنيوية غافلاً عن الحقيقة الأخروية فقد أخذ بحظ وافر من حال هؤلاء الذين يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ..

 

وقد امتلأ القرآن الحكيم بتقرير سنة الابتلاء والتمحيص والفتنة للعباد لتمييز المؤمنين من غيرهم، ولفرز أهل الإيمان بحسب مراتبهم ودرجاتهم منه

 

كقوله تعالى:{ آلم*أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ؟!.

وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ 

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ 

مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: "آمَنَّا بِاللَّهِ".. فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ? أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ.

وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا: اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ ? إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ

وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ ? وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ } ..

 

كم والله جدير بنا أن نتأمل هذه الآيات العظيمات في مثل وقتنا هذا وأن نتلوها على أنفسنا .. علماً بأن هذه السورة مكية ونص فيها على اسم المنافقين، فهذا هو النفاق المكي نفاق الابتلاء والشدة على أهل الحق الجامعين بين الحقائق الثلاث، كما أن النفاق المدني يتميز عليه بارتباطه بالعز والظهور والتمكين لأهل الحق..

 

وتأمل كيف جعل الله تعالى من معايير كشف صدق الإيمان من زيفه في أوقات الشدة والابتلاء: جعل فتنة الناس كعذاب الله.

 

مع أنَّ الكل من الله تعالى تقديراً وخلقاً، كما أنَّه تعالى باعتبار الخلق والتقدير هو: مرسل الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً كما في أواخر سورة مريم، كما أنه جاعل الملائكة رسلا كما في صدر سورة الملائكة(فاطر)، والمصطفي منهم ومن الناس الرسل كما في أواخر سورة الحج.

فمن لم يفرق بين فتنة الناس وعذاب الله مع كونهما جميعاً بقدر الله تعالى وعلمه وبخلقه وتكوينه فهو نظير من لم يفرق بين إرساله تعالى للشياطين وإرساله للملائكة، وإرساله للمصطفين منهم ومن الناس، وهذا هو الضلال البعيد، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين