توأمة مدينتي إدلب وحلب عبر التاريخ

 

قبل ستينيات القرن العشرين الماضي كانت إدلب تعتبر أكبرمدينة تتبع محافظة حلب وذلك منذ عام 1700م وحتى عام 1958،حيث التحمت سوريا بوحدة مع مصر وشكلتا دولة الجمهورية العربية المتحدة. ونظرا لأهمية المدينة الاقتصادية والزراعية والمساحية تقرر فصل إدلب التي كانت «قضاء» حسب التسمية القديمة و»منطقة» بعد عام 1958، عن محافظة حلب وجعلها محافظة. انضم إلى المحافظة الناشئة عدة (مناطق) مجاورة مثل أريحا وحارم ومعرة النعمان وجسر الشغور وكلها كانت أقضية تابعة لحلب. تشتهر إدلب بزراعة الحبوب والشجر المثمر وشجر الزيتون المشهور بزيته الممتاز، كما تشتهر بزراعة شجر التين. كما تعد مدينة أريحا المجاورة أشهر بلدة في سوريا لإنتاج الكرز بكافة أنواعه، ومنه الكرز الأسود الحامض «الوشنا» الذي يتفنن أهالي حلب بطبخ عصيره مع الكباب الحلبي وفتة الخبز.

قدمت بهذه المقدمة لتكون مدخلا إلى قيام أهالي محافظة إدلب بجهد كبير في الثورة السورية لتشمل كل بلدات وقرى المحافظة. ومنذ بداية الثورة استعصت منطقة جبل الزاوية على جيش بشار. ظهر من هذا الجبل أول ضابطين انشقا عن جيش بشار صيف عام 2011، وهما المقدم حسين هرموش الذي شكل وقاد لواء الضباط الأحرار وقد تم خطفه من تركيا ثم أعدم، والعقيد رياض الأسعد الذي كان أول من شكل الجيش الحر وكان قائدا له.

(يذكر التاريخ الحديث أن أول ثورة تصدت لاحتلال فرنسا كانت في جبل الزاوية عام1920، قادها الزعيم السوري إبراهيم هنانو بن بلدة كفر تخاريم شمال إدلب. كان جبل الزاوية مسرحا لمعارك مع فرنسا غير متكافئة من ناحية السلاح، لذلك تم إخمادها. يتذكر أهالي جبل الزاوية تلك الثورة بالفخار، ويعتبرون أن ثورة آذار/مارس 2011 السورية هي امتداد لثورة عام 1920.لأنهم يذكرون أن سليمان جد حافظ أسد كان عميلا لفرنسا. وقد كتب رسالة أرسلها إلى فرنسا يرجو منها البقاء في سوريا ما زالت محفورة في إرشيف تاريخ سوريا النضالي).

مع أن مدينتي حلب وإدلب تأخرتا بعض الوقت عن الانخراط في الثورة السورية، إلا أن ريفي المدينتين سارعا بقوة للالتحاق بالثورة. وسجلت قرية «سرجة» من جبل الزاوية قيام أحد أبنائها وهو «أحمد عيسى الشيخ» بتشكيل لواء «صقور الشام»، وما يزال يشارك بقوة حتى الآن في مفاعيل الثورة، وقد استشهد أربعة من إخوته مع بداية الثورة. كما أوقعت مدينة جسر الشغور في غرب محافظة إدلب بأكثر من 120 عنصرا من أجهزة أمن النظام في بداية عام 2012. عمت المظاهرات مختلف قرى وبلدات محافظة إدلب وحظيت بلدة كفرنبل جنوب جبل الزوية باسم العاصمة الثقافية للثورة السورية لطرافة التعليقات التي تكتبها مظاهرات البلدة. ودمرت كتائب صقور الشام بقيادة أحمد عيسى الشيخ حاجزين عسكريين للنظام السوري بقرية المغارة في جبل الزاوية في6 تشرين الأول/اكتوبر عام 2012 وقتلوا جميع عناصرهما ودمروا دبابة وأسروا دبابة أخرى سليمة كانت أول دبابة يمتلكها الثوار.استطرادا فقد شكل جبل الزاوية خزانا بشريا للمقاتلين أمد جبهة النصرة وأحرار الشام بالمقاتلين. ويعتبر نهر العاصي فاصلا جغرافيا بين جبل العلويين وكل سكانه علويون، وبين جبل الزاوية وكل سكانه من أهل السنة. 

لم يكن ريف حلب أقل اشتعالا بالثورة. وسجلت بلدة مارع (30 كم شمال حلب) قيام الأستاذ عبد القادر صالح الملقب «حجي مارع» بقيادة ثورة ريف حلب حيث شكل وقاد لواء التوحيد، وسرعان ما حرر اللواء أحياء من شرق مدينة حلب بقيت في يد الثوار حتى خرج منها الثوار وأهلها أواخر كانون الأول/ديسمبر عام 2016 بعد أن دمر طيران بوتين أبنية تلك الأحياء.

ولما هاجم حزب الله مدينة القصير ربيع 2013 ذهب عبد القادر صالح لنجدة القصير لكنه وصلها بعد فوات الأوان. لم يكن استشهاد عبد القادر صالح عام 2013 ليفت في عضد ثوار ريف حلب. 

ليس الغرض من هذه العجالة السرد التاريخي للثورة السورية الذي ساهمت فيه حلب وإدلب بأوسع نصيب مثل غيرهما من المدن السورية، بقدر ما هو بيان اتصال ثوار إدلب بثوار حلب وتشكيل جبهة ممتدة من ريف حلب الجنوبي والغربي نحو ريف إدلب الشمالي والشرقي عبر السهول والهضاب المحررة خلال أعوام 2013 و2014 وتم تشكيل جيش «الفتح» من جبهة النصرة وأحرار الشام، سرعان ما أثمر قيام جيش الفتح بتحرير مدينة إدلب وطرد فلول حزب الله وما تبقى من أجهزة النظام المنهارة وهرب العقيد سهيل الحسن الملقب «بالنمر»، لكنه كان نمرا من ورق. وتم تحطيم الحواجز المسلحة في المسطومة (5 كم جنوب إدلب) فهرب سهيل الحسن إلى أريحا وجبل الأربعين وكنت ترى رتل السيارات التي تقل الهاربين.استمر هروب سهيل الحسن نحو مدينة جسر الشغور ثم عبر سهل الغاب لينتقل إلى جبل العلويين. وبذلك تم تحرير كامل تراب محافظة إدلب في ربيع عام 2015.

بعد تحرير محافظة إدلب حاول جيش الفتح أن يشكل جيشا موازيا في ريف حلب. لم يكن ذلك صعبا عليه، فقد أصبح هناك فائض في المقاتلين من أبناء ريفي حلب وإدلب، وكان يمكن أن تتعزز انتصارات جيش الفتح في حلب. لكن دخول طائرات روسيا الحرب بعنف كبير بجانب النظام أفشل مسعى جيش الفتح وتأجل الحسم إلى وقت آخر. وأثبتت إدلب وحلب أنهما توأمان يمكن أن يعيدا الكرة إذا ما تحسنت الظروف.

إن الانتصارالذي حققه جيش الفتح في محافظة إدلب نتج عنه تشكيل نواة دويلة تكفلت بشؤون سكان المحافظة في كل نواحي الحياة ولو بالقدر اليسير. كما أصبحت مأوى لكل الذين رحلتهم عصابات وميليشيات تقاتل تحت راية بشار.عاملت هذه الدويلة قريتي الفوعا وكفريا الشيعيتين بحسن جوار ولم تقم بترحيل سكانهما كما فعلت مليشيا حزب الله التي تدين بالولاء لطهران بـ «مضايا» وداريا وغيرهما.

يبقى أن نقول إن إدلب التي كانت بلدة صغيرة عدد سكانها لا يتجاوز 30 ألفا يوم أن أصبحت محافظة قبل 50 عاما، أصبحت الآن ملء السمع والبصر بعد أن دخلت الأخبار إلى كل قرية في المحافظة، ذلك بفضل الله وفضل التضحيات التي قدمها أبطالها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين