حدث في الخامس من جمادى الأولى وفاة مفتي استانبول

 

أبي السعود العمادي 

 

في الخامس من جمادى الأولى من سنة 982 توفي في استانبول، عن 84 سنة، مفتي السلطنة العثمانية محمد بن محمد بن مصطفى العمادي المعروف بأبي السعود وصاحب التفسير المعروف باسمه: تفسير أبي السعود.  وهذه الترجمة مستقاة في أغلبها من كتاب خلاصة الأثر للمحبي ومن مخطوطة في مكتبة جامعة الملك سعود بالرياض تحت رقم 3149 ز.

 

ولد أبو السعود في 19 صفر سنة 898 في بلدة اسكيليب Iskilip التابعة لمحافظة جوروم في شمالي وسط تركية، لأسرة معروفة بالصلاح والعلم، والعمادي نسبة لجد له اسمه عماد الدين.

 

وكانت ولادة أبي السعود في زمن السلطان بايزيد، وكان والده الملقب بمحيي الدين ياوضي متصوفاً زاهداً، قريباً من السلطان بايزيد الذي كان قد دخل معه الخلوة الصوفية، وبنى له السلطان زاوية بعد سلطنته، فاشتُهر الأب بشيخ السلطان، وتوفي الوالد سنة 920 بعد سنتين من تولي السلطان بايزيد عرش السلطنة العثمانية.

 

وكان الأب يعمل في التدريس، وحرص على تعليم ابنه منذ الصغر، وحفّظه وهو صغير كتاب مفتاح العلوم في النحو والأدب والاشتقاق والمعاني والبيان، وهو كتابٌ مشهور ألفت فيه شروح وحواشي، وهو من تأليف الأديب الشهير سراج الدين أبي يعقوب يوسف بن محمد الخوارزمي الحنفي الشهير بالسكاكي المولود سنة 555 والمتوفي سنة 626، فامتاز أبو السعود منذ صغره بفصاحة العرب، لا يخالط نثره وشعره ركاكة العجمة، وجاءت براعته الأدبية من هذه التنشئة السديدة، وكان يتكلم العربية والفارسية والتركية. ويبدو أن كُتب الشريف الجرجاني،علي بن محمد المولود سنة 740 والمتوفى بشيراز سنة 816، كانت من الكتب المقررة آنذاك لأنه قرأ على والده شرح الجرجاني لكتاب تجريد العقائد للنصير الطوسي، وشرح الجرجاني على كتاب مفتاح العلوم للسكاكي، وشرحه كذلك لكتاب المواقف في أصول الدين والعقائد لعضد الدين الأيجي المتوفى سنة 756.

 

وكانت والدته كذلك من أسرة علمية فعمُّ والدته هو المفسر المؤرخ الفلكي علاء الدين القوشجي، علي بن محمد السمرقندي الرومي المتوفى سنة 879، وعليه درس والده.

 

عمل أبو السعود معيداً في مدرسة، ولما توفى والده عرض عليه السلطان أن يخلفه في زاويته، فاعتذر عن ذلك وبقي في التدريس، وتنقل في عدد من مدارس إستانبول ثم انتقل إلى مدرسة السلطان محمد في بورصة، ومنها نقل إلى إحدى المدارس الثمان الرئيسة في القسطنطينية، ولما صدر المر بنقله قال بيتين هما:

 

دنا النأيُ عن نجد فأصبحتَ قائلا ... وداعا لمن قد حل هذي المنازلا

فيا حبذا تيك المعالم والربا ... بها كل من تهوى وما كنتَ آملا

 

ثم ولي قضاء بورصة ثم نُقل منها إلى قضاء القسطنطينية، ثم قضاء الروم ايلي، أي تركيا الأوروبية، ثم عينه السلطان سليمان القانوني قاضياً للقضاة في سنة 944، وفي سنة 952 شغر منصب الإفتاء، ويدعى صاحبه شيخ الإسلام في الدولة العثمانية، فجمع السلطان سليمان رحمه الله العلماء في مجلسه، وأمرهم بالمناظرة، فرجح أبو السعود وتبين فضله واستحق التقديم، فعينه مفتياً في شعبان 952، فقام بأعباء ذلك المنصب خير قيام على مستوى الدولة وعلى مستوى الأفراد، وهو أطول شيوخ الإسلام مدة، إذ بقي في المنصب فوق 30 سنة، وإذا كان السلطان سليمان يُعرف بالقانوني لما استحدثه من إصلاحات قانونية وتشريعية، فإن المفتى أبا السعود هو الذي اضطلع بهذا الإنجاز الكبير ونظم قوانين البلاد على أساس الشرع الإسلامي، أما على مستوى الأفراد فقد عمل أبو السعود دون كلل لتيسير مصالح العباد وحل مشاكلهم، قال: جلستُ يوماً بعد صلاة الصبح أكتب على الأسئلة المجتمعة فكتبت إلى صلاة العصر ألف وأربعمئة واثني عشر فُتيا.

 

وتوفي السلطان سليمان القانوني في سنة 974، وتلاه ابنه السلطان سليم، وصلى أبو السعود على السلطان المتوفى، وكان أول من عقد البيعة للسلطان الجديد، ورثى أبو السعود السلطان سليمان بقصيدة دون الوسط، من أجودها:

 

مدارُ سلطنة الدنيا ومركزها ... خليفة الله في الآفاق مذكورُ

معلي معالم دين الله مظهرُها ... في العالمين بسعي منه مشكور

 

وكان أبو السعود عالماً عاملاً، وإماماً كاملاً، شديد التحري في فتاويه، حسن التعليق عليها، حاضر الفطنة، جيد القريحة، لطيف العبارة، حلو النادرة، ويعده المؤرخون أعظم علماء الترك وأفضلهم، لم يكن له نظير في زمانه في العلم والرئاسة والديانة، وقد اهتم به فقهاء الأحناف من بعده، فنجد ابن نجيم المصري، زين الدين بن إبراهيم بن محمد، المتوفى سنة 970، ينقل عنه كثيراً في كتابه البحر الرائق في شرح كنز الدقائق، كما نجد فقيه الديار الشامية وإمام الحنفية في عصره الإمام ابن عابدين، محمد أمين بن عمر الدمشقي، المولود سنة 1198 والمتوفى سنة 1252، ينقل عنه كثيراً في حاشيته الشهيرة والمعنونة رد المحتار على الدر المختار.

 

وفي أيام أبي السعود انتشر شرب قهوة البُن، وكان لها في أول أيامها مجالس شرب تشبه مجالس الخمر من حيث إدارة الأكواب وتبادل الأنخاب، ولذا حرمها عددٌ من العلماء لهذه الملابسة، وسئل رحمه الله عن حكم شرب القهوة وقد وصف له اجتماع الفسقة على شربها، فأجاب: ما أكبَّ أهل الفجور على تعاطيه، فينبغي أن يجتنبه من يخشى الله ويتقيه.  وفي هذا قال معاصره الشاعر الحمصي علي جلبي:

 

أقول لأصحابي: عن القهوة انتهوا ... ولا تجلسوا في مجلس هي فيهِ

وما كان تُركي شربها لكراهة ... ولكن غدت مشروب كل سفيه

 

وتتحدث بعض مواقع الشيعة على الانترنت أن شيخ الإسلام أبا السعود أفتى السلطان سليمان القانوني بجواز قتل الشيعة، ولم أتمكن من مراجعة كتاب فتاويه للتحقق مباشرة من هذين الخبرين، ولكن العلامة ابن عابدين في كتابه العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، ينقل عن أبي السعود مثل هذه الفتوى وذلك نقلاً عن العلامة محمد بن حسن بن أحمد الكواكبي الحلبي، مفتي حلب، المولود سنة 1018 والمتوفى سنة 1096، الذي أوردها في كتابه الفوائد السمية في شرح الفرائد السَّنية، وكلاهما له، مبيناً أن علة هذا الحكم هو سبهم لأبي بكر وعمر وافتراؤهم على عائشة رضي الله عنها.

 

ويتحدث موقع آخر أن أبا السعود أفتى السلطان سليمان كذلك بقتل اليزيديين، أما الفتوى بقتل اليزيدبين فهي - إن صحت - تستند إلى أسباب ومبررات سياسية، فلا إكراه في الدين، وأنا أستبعدها لأن الإمام محمد رشيد رضا رحمه الله يقول في مقالة له في مجلته المنار: وقد اشتُهِرَ أن السلطان سليمان استفتى شيخ الإسلام أبا السعود في إلزام نصارى الروم إيلي بالإسلام أو إبادتهم؛ لأن بقاءهم متمتّعين بحريتهم في الدين واللغة وجميع الشؤون الاجتماعية خطر على الدولة؛ لأنهم لتعصبهم لا بد أن ينتهزوا فرصة ضعف في الدولة أو تورط في حرب شاغلة فيخرجوا عليها، فلم يُفتِهِ أبو السعود بذلك.

 

وأشهر مؤلفات أبي السعود على الإطلاق هو تفسيره للقرآن الكريم الذي أسماه: إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، وجمع فيه ما في تفسير البيضاوي، وزاد فيه زيادات حسنة من تفسير القرطبي والثعلبي والواحدي والبغوي وغيرها، إضافة إلى تأملاته الفكرية والعقلية، وكشفه عن أسرار البلاغة القرآنية، وهو ليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل، وتقيد فيه باعتماد وجه التفسير الذي يناسب سياق النظم الكريم، ويسلك غالباً الإيضاح لمعاني كتاب الله، فكان من التفاسير التي لاقت القبول ويسَّر الله لها الاشتهار، وكتب حواشي على هذا التفسير عدد من العلماء في أزمنة مختلفة وأصقاع متباعدة ما بين الشام ومصر وتونس والمغرب.

 

والجدير بالذكر أن السلطان سليمان القانوني سمع بأن أبا السعود يكتب تفسيراً للقرآن الكريم فطلب أن يطلع عليه وذلك في سنة 972، وكان أبو السعود قد وصل فيه إلى تفسير سورة ص، فبيضه وأرسله للسلطان الذي استقبله بنفسه وتسلمه بيده وأعجب إعجاباً أن قيض الله في مملكته من يكتب مثله، وأمر بمضاعفة مخصصات أبي السعود وزيادة تشريفه، فأكمله في شعبان سنة 973، وأرسله إلى السلطان فتلقاه بالتعظيم والإجلال، ثم وقف نسختين من التفسير وأرسلتا للحرمين الشريفين، وصدر الإذن للطلاب باستنساخه.

 

وإلى جانب التفسير ألف أبو السعود مؤلفات حافلة في التفسير والقضاء وأصول الفقه والمناظرة، وجمعت فتاويه العديدة في كتاب، ويبدو أن فتاواه كانت باللغة التركية، لأن من ينقلون عنها ينقلونها كذلك، وله في أبواب الفقه الحنفي شرح على الأشباه والنظائر لابن نجيم، وله رسالة تناولت قضايا فقهية قديمة ومستجدة، واختار في كل قضية رأياً مناسباً من المذهب الحنفي رجحه على غيره، وعرض أبو السعود هذه الترجيحات على السلطان، فأمر بالتزامها في الفتوى والقضاء، ولذلك عُرفت بالمعروضات، وينقل منها ابن عابدين رحمه الله في الدر المختار، ويجعلها ملزمة بحكم أمر السلطان بالتزامها، وقد يصح أن نقول عنها إنها أول محاولة لصياغة أحكام الفقه الإسلامي في صيغة قانونية ملزمة.

 

ولأبي السعود شعر جيد منه ميمية قصيدة طويلة اشتُهِرت في حينها، وأعجبت الأدباء، فمنهم من خمسَّها، ومنهم من شرحها، وأوردُ قدراً واسعاً منها لبيان تمكنه من اللغة والبلاغة:

 

أبعد سُليمي مطلبٌ ومرامُ ... وغير هواها لوعة وغرام؟!

وفوق حماها ملجأٌ ومثابة ... ودون ذراها موقف ومقام؟!

وهيهات أن يُثني إلى غير بابها ... عنانُ المطايا أو يشد حزام

هي الغاية القصوى فإن فات نيلها ... فكل مُنى الدنيا عليَّ حرام

إلى كم أعاني تيهها ودلالها؟ ... ألم يأن عنها سلوة وسآم

 

تولت ليال للمسرات وانقضت ... لكل زمان غاية وتمام

فسرعان ما مرت وولت ولَيتَها ... تدوم ولكن ما لهن دوام

دهور تقضت بالمسرة ساعة ... ويوم تولى بالمسائة عام

فلله در الغم حيث أمدني ... بطول حياة والغموم سهام

أسيح بتيهاء التحير مفرداً ... ولي مع صحابي عشرة وندام

وكم عِشرة ما أورثت غير عُسرة ... ورب كَلام في القلوب كِلام

فما عشت لا أنسى حقوق صنيعة ... وهيهات أن يُنسى لدي ذمام

كما اعتاد أبناء الزمان وأجمعت ... عليه فئام إثر ذاك فئام

خبت نار أعلام المعارف والهدى ... وشب لنيران الضلال ضرام

وكان سرير العلم صرحاً ممرداً ... يناغي القباب السبع وهي عظام

متيناً رفيعاً لا يطار غرابه ... عزيزاً منيعاً لا يكاد يرام

يلوح سنا برق الهدى من بروجه ... كبرق بدا بين السحاب تسام

فجرَّت عليه الراسيات ذيولها ... فخرت عروش منه ثم دعام

وسيق إلى دار المهانة أهله ... مساق أسير لا يزال يضام

كذا تحكم الأيام بين الورى على ... طرائق منها جائر وتوام

فما كل قيل قيل علم وحكمة ... وما كل أفراد الحديد حسام

وللدهر ثارات تمر على الفتى ... نعيم وبؤس، صحة وسقام

ومن يك في الدنيا فلا يعتبنها ... فليس عليها معتب وملام

أجدَّك ما الدنيا وماذا نعيمها ... وما ذا الذي تبغيه وهو حطام

هب ان مقاليد الأمور ملكتها ... ودانت لك الدنيا وأنت همام

ومتعتَ باللذات دهراً بغبطة ... أليس بحتم بعد ذاك حِمام؟

فبين البرايا والخلود تباين ... وبين المنايا والنفوس لزام

محوت نقوش الجاه عن لوح خاطري ... فأضحى كأن لم يجر فيه قلام

أنسِتُ بلأواء الزمان وذله ... فيا عزة الدنيا عليك سلام

سل الأرض عن حال الملوك التي خلت ... لهم فوق فَرْق الفرقدين مقام

بأبوابهم للوافدين تراكم ... بأعتابهم للعاكفين زحام

تجبك عن أسرار الشؤون التي جرت ... عليهم جواباً ليس فيه كلام

بأن المنايا أقصدتهم تبابها ... وما طاش عن مرمى لهن سهام

وسيقوا مساق الغابرين إلى الردى ... وأقفر منهم منزل ومقام

وحلوا محلاً غير ما يعبدونه ... فليس لهم حتى القيام قيام

ألمَّ بهم ريب المنون فغالهم ... فهم تحت أطباق الرغام رغام

فسبحان رب العرش ليس لملكه ... تناهٍ وحدٌّ مبدأٌ وختام

 

كان أبو السعود طويل القد خفيف العارضين، غير متكلف في طعامه أو لباسه، يميل لمداراة الناس، وكان ذا مهابة عظيمة وتؤدة شديدة، قلما يقع في مجلسه للكبار المبادرة بالكلام، واسع التقرير سائغ التحرير، وكان مع ذلك متواضعاً، روي أن السلطان سليم سأل أحد علماء العصر: لو أنك كنت في زمن المحقق التفتازاني أو في زمن المدقق السيد الشريف الجرجاني ما كنت تكون لهما؟ فقال: لو كانا في زماني لحملا المظلة فوق رأسي! فاستكثر السلطان منه ذلك وأنكره في باطنه ولم يجبه بجواب بعدها. ثم سأل المفتي أبا السعود السؤال بعينه، فقال في جوابه: أكون تلميذا قابلاً. فاستحسن السلطان منه هذا الجواب، وقال له: أنت صاحب الرأي والصواب. وخلع عليه خلعة عظيمة.

 

توفي أبو السعود رحمه الله تعالى بالقسطنطينية في الخامس من جمادى الأولى من سنة 982، وأنشد قبل موته بساعة هذين البيتين:

 

ألم تر أن الدهر يومٌ وليلةٌ ... يكرن من سبت جديد إلى سبت

فقل لجديد الثوب لا بد من بلى ... وقل لاجتماع الشمل لا بد من شتِّ

 

وكانت جنازته حافلة وصُلِّي عليه في حرم جامع السلطان محمد الفاتح في ملأ عظيم وجمع كثير، وتقدم للصلاة عليه فخر الموالي سنان، ودفن بمقبرته التي أنشأها بالقرب من تربة أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وجاءت وفاته بعد أن توفي حفيده عبد الكريم بن محمد فحزن عليه حزناً شديداً، ودعا الله ألا يَتوفى أحداً من أهل بيته قبله، فاستجاب الله دعاءه وكان أول أهل بيته وفاة.

 

قال مفتي مكة قطب الدين النهروالي، محمد بن أحمد المتوفى سنة 988، في كتابه عن رحلته إلى بلاد الروم: واجتمعت به في الرحلة الأولى وهو قاضي اسطنبول سنة 943 فرأيته فصيحاً وفي الفن رجيحاً، فعجبت لتلك العربية ممن لم يسلك ديار العرب، ولا محالة أنها مِنحَ الرب ... وأتى نعيه إلى الحرم فنودي بالصلاة عليه من أعلى زمزم، وصُليَّ عليه صلاة الغائب، ورثاه جماعة من أهل مكة.

 

وكان لأبي السعود رحمه الله أولاد نجباء ساروا على طريقه في طلب العلم وإتقان البلاغة، ومنهم ابنه أحمد المولود سنة 944، والذي درس على والده، وعلى شمس الدين أحمد بن طاش كبرى، صاحب كتاب الشقائق النعمانية، وقد التقى به وأعجب به إعجاباً شديداً، وقال عنه: اجتمعت به في سنة 965، وهو مدرس في مدرسة رستم باشا في إستانبول، فأكرمني وأضافني وباسطني، فرأيت من حفظه، وذكائه، ما أدهشني وحيرني، مع صغر سنه، وكبر قدره وشأنه، وكان يحفظ  مقامات الحريري، وقرأ لي منها عدة مقامات، ومع ذلك كان ينظم شعراً غريباً بليغاً في أعلى درجات الفصاحة، مع كمال الحسن والملاحة، وأنشدني من لفظه تخميس قصيدة لأبي الطيب المتنبي، وأنه هو الذي خمسها، وقد بقي في حفظي منها هذا البيت:

 

نشرتُ على الآفاقِ دُرَّ فوائدي ... وفي سِلْك شعْرِي قد نَظَمْتُ فَرائدي

فمن ذا يُضاهيني وتلك مَقاصدي ... وما الدهرُ إلا مِن رُواةِ قصائِدي

إذا قلتُ شِعْراً أصبح الدهرُ مُنشِدَا

 

وكان لأبي السعود ولدٌ اسمه كذلك محمد، فهو محمد بن محمد بن محمد، ولد نحو سنة 930، وأصبح فاضلاً بارعاً، ترقى في المناصب حتى عيِّن قاضياً للقضاة بدمشق في 965، وكان محمود السيرة مشهوراً بالسخاء، ما جاء من الترك أسخى منه، وكان ودوداً مر بسوق الأساكفة في دمشق، فوقفوا وشكوا إليه ما هُم فيه من همِّ العوارض أي الضرائب الإضافية، فقال لهم: عليَّ جميع ما عليكم منها. فدفعها عنهم جميعاً دون تمييز بين غني وفقير، فبلغت 500 دينار، وكان خطاطاً متقناً عارفاً، وجمع الكثير من خطوط السلف وبذل فيها أموالا عظيمة، وتوفي سنة 971 في حياة أبيه رحمهما الله تعالى.

 

ولأبي السعود ولد اسمه مصطفى بلغ من العلم أن عينه الصدر الأعظم مدرساً في إحدى مدارس إستانبول الثمان الكبار، ثم عزلوه منها بعد ما توفي والده كيداً وحسداً، وما لبث أن أعيد إليها، ثم تقلد قضاء سالونيك، وتقلب في المناصب بين عزل وتعيين، إلى أن توفي في حدود 1007، ودفن بجوار أبيه في مقبرة أبي أيوب الأنصاري.

 

ومن تلاميذ أبي السعود المحقق العالم الأمير حسين باشا بن رستم المعروف بباشا زاده الرومي نزيل مصر، المولود في بلغراد سنة 958، والمتوفى بالقاهرة سنة، وكان أبو السعود آخر شيوخه وعلى يده التزم بطلب العلم. ومن تلاميذه كذلك حامد أفندي مفتي السلطنة من بعده والمتوفى سنة 985، ومن تلاميذه مصطفى الجنابي،  مصطفى بن حسن، المتوفى سنة 999، ويقال له السعودي نسبة إلى أستاذه أبى السعود.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين