الجامع الأموي الكبير بحلب خلال الثورة

 

بناه سليمان بن عبد الملك سنة 717 م. ويعدّ من أبرز المعالم الإسلامية والأثرية في حلب؛ إذ يكتسب أهميةً كبيرةً لا ترتبط بطرازه المعماريّ النادر وزخارفه فحسب، بل بشهادته على تعاقب كثيرٍ من الأحداث في تاريخ المدينة والمنطقة. وهو مدرجٌ على قائمة التراث العالميّ.

 

منذ 2009 وحتى 2011 شهد الجامع نشاطاً علمياً وتطوّراً إداريّاً وماليّاً ملحوظاً انعكس على تحسّن جميع مرافقه، وهي السنوات التي عُيّن فيها د. عبد الله سلقيني والشيخ يوسف هنداوي في إدارته.

 

عقب اندلاع الثورة شهد الجامع عدداً من الأحداث التي كان من أبرزها أول محاولةٍ للتظاهر داخله بعد صلاة الجمعة في 25 آذار 2011، سُرعان ما قَمَعَها الشّبيحة، وأعقبها على الفور بثٌ مباشرٌ للإعلام الرسميّ يُظهر خروج «مصلين» كانت قد جلبتهم باصاتٌ خاصةٌ بالاتحاد الوطنيّ لطلبة سورية بصحبة سيارات الأمن، في «مسيرة تأييدٍ عفوية». وفي التاسع من أيلول 2011 خرج من الجامع آلاف المشيّعين في جنازة مفتي حلب د. إبراهيم سلقيني، التي تحولت إلى مظاهرةٍ شهيرةٍ سُجّلت كإحدى أكبر المظاهرات التي شهدتها المدينة.

 

منتصف آذار 2012، في الذّكرى السنوية الأولى للثورة، شهد الجامع احتفالاً مميزاً، استجابةً لدعوةٍ شاركت فيها جميع تنسيقيات المدينة التي حضرت برجالها ونسائها. ولكن سُرعان ما استحال الاحتفال إلى مشهدٍ دمويٍّ بعد حضور الأمن والشبّيحة، الذين أُغلقوا كافة أبواب المسجد وبدأوا بإطلاق الرصاص على المتظاهرين واعتقالهم.

 

اعتقال مدير الجامع

 

من أبرز الأحداث التي شهدها الجامع أيضاً اعتقال مديره الشيخ يوسف هنداوي، صباح الخامس من أيلول 2012، وهو أحد كبار علماء حلب وفرضيّها الأول (علم الفرائض والمواريث). وذلك بعد انتشار عناصر جيش الأسد داخل باحات المسجد وانتهاك حرمته بالتدخين والخمور وأعمالٍ أخرى مشابهة، فأصرّ هنداوي -رغم تحذير المحيطين به- على الذهاب إلى المسجد ومنع هذه التّصرفات، قائلاً: «أنا خادم بيت الله. هذه مسؤوليّتي، وسأبذل ما في وسعي للدفاع عن حرمته المقدسة». وكان ينوي إخراج العناصر بطلب رسميٍّ للأوقاف ونقل النازحين فيه إلى مدرسةٍ قريبة، إلا أنّه اعتُقل أمام الجامع، ومنذ ذلك الحين لا يزال مغيّباً ومجهول المصير.

 

على خط المواجهات

 

في الرابع عشر من تشرين الأول 2012 دخل الجامع على خط المواجهة المسلّحة بين الجيش الحرّ وقوات النظام، انتهت بسيطرة الحرّ لبضعة أيامٍ فقط، وأظهرت صورٌ بثّها ناشطون حينها مجوهراتٍ -يبدو أنها مسروقةٌ- ومشروباتٍ كحوليةً بين أمتعة عناصر جيش النظام الفارّين، وتعرّض الجامع إثر ذلك لأضرارٍ جسيمة.

 

في 24 نيسان 2013 تجدّدت الاشتباكات في الجامع، وكانت الفاجعة باحتراق أروقته ومكتبته الشهيرة، وكذلك سقوط مئذنته الأثرية التي يبلغ طولها 45 متراً. اتَهم النظام حينها لواء التوحيد بالمسؤولية إلا أن الأخير دحض هذه المزاعم في بيانٍ وأكد سقوط المئذنة بفعل القصف المدفعيّ المكثّف من النظام، لينتهي الأمر بسيطرة لواء التوحيد على الجامع بشكلٍ كاملٍ بعد يومين من الحادثة.

 

نقل الآثار

 

عقب تحرير الجامع، وخشيةً على تلف آثاره نتيجة الاستهداف المتكرّر من النظام؛ تواصلت بعض الأطراف مع مديريتي الأوقاف والإفتاء التابعتين للنظام في حلب، بهدف دخول مناطق الاشتباك -بوساطةٍ من الجانبين- لحماية وإنقاذ ما يمكن من الآثار، ولكن دون جدوى!

 

وهنا كان لا بد من إنقاذ ما يمكن نقله من آثارٍ هامة، فتوجّه وفدٌ من مكتب التعليم والثقافة والآثار في مجلس محافظة حلب الحرّة، وقاموا بفكّ المنبر وباب الوالي (الحجرة المجاورة للمنبر)، إضافةً إلى اللّقى الأثريّة التي تقع داخل حجرة زكريا مع الكرسيّ حامل اللّقى، ونُقلت جميعها إلى منطقة الشيخ نجار، أواخر 2014. ومع تقدم النظام في المنطقة أُعيد نقلُها إلى مكانٍ آخر، ولكنها لم تدُم طويلاً في مكانها، فأعيد نقلُها بعد اقتراب داعش. أما الآثار الثابتة فقد وضعت سواتر ترابية عليها لحمايتها بدل نقلها، كالساعة الشمسية والأرضية وهي ما تعرف بالمِزْوَدَة.

 

سيطرة النظام وميليشيات إيران

 

منتصف كانون الأول 2016 سيطرت قوّات النظام والميليشيات الإيرانية على الجامع خلال حملتها لتهجير سكان حلب الشرقية، وحينها عاد النظام لاتهام الثوار بسرقة آثار الجامع ونقلها إلى تركيا. وقد التقينا عضو مكتب الآثار سابقاً، عمار طاووز، الذي أكد لنا أنّ جميع الآثار لا تزال محفوظةً في مكانٍ آمنٍ داخل محافظة حلب، وأشار إلى أن جهاتٍ عديدةً عرضت نقل المنبر إلى خارج سورية إلا أنهم رفضوا بشكلٍ قاطع. وأضاف: «آثارنا وحضارتنا نحن من يحميها وخيرُ من يحافظ عليها».

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين