حكايات ليلى وأبوها وزوجها

 

كانت ليلى فتاة فائقة الجمال ، وذات خلق ودين ، وأسرتها ذات حسب ونسب ، وكان أبوها وجيهاً من الوجهاء، وثرياً من أكبر الأثرياء ولم يـكن لليلى إخوة ولا أخوات ، وقد كتب أبوها باسمها كثيراً مما يملك من الأموال والعقاراتولهذا كثر الشباب الراغبون في الزواج منها ، وحُقَّ لهم ذلك ، فقد جمعت ليلى النسب والمال ، والدين والجمال ، جمعت الأربعة التي أخبرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم أن المرأة تنكح من أجلها فقال : (( تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك )) متفق عليه وكان أبو ليلى يجلس مع من يتقدم لخطبة ابنته ، ويسأله كثيراً ويحادثه طويلاً ، ثم يستقصي عن حاله وأهله ، وخلقه ودينه ، فإذا وجد نقصاً في جانب من الجوانب اعتذر للشاب عن عدم موافقته على خطبته ولم يكن الناس يلومون أبا ليلى على هذا  فهم يعذرونه لحرصه على أن يختار لابنته من يكون كفئاً لها ، ومن يقدر على إسعادها ، ما دام ليس له من الذرية سواها وكان يستعين بالله تعالى على هذا فيستخير الاستخارة الشرعية في كل شاب يتقدم لطلب يد ابتنه ، إذ كان على يقين أنه مهما سأل وبحث ، واستقصي واستأنس بما يقوله الناس عن الشاب ، سيبقى ما يعلمه لا شيء إزاء علم الله تعالى ، ولهذا كان يردد كثيراً ما في دعاء الاستخارة (( فإنك تعلم ولا أعلم ، وتقدر ولا أقدر ، وأنت علام الغيوب )) وجاء اليوم الذي انشرح فيه صدر الأب لأحد الشباب المتقدمين لخطبة ليلى ، وأيدت المعلومات التي جمعها انشراح صدره ، وزادت الاستخارة قلبه طمأنينة ورضا ؛ ولم يبق إلا ارتياح ابنته للشاب وموافقتها عليه وضرب الأب مـوعداً للخاطب يزورهم فيه لينظر إلى ليلى وتنظر إليه ، ويسمع منها وتسمع منه جلس أحمد – وهذا اسم الشاب – قريباً من ساعة ، والسعادة تغمر قلبه وتفيض من عينيه ، وهو غير مصدق ما يراه من جمال ، وما يجده في ليلى من علم بدينها ، وما يحس به من عظم أدبها وتهذيبه اخرج أحمد وهو يدعو ربه أن يحظى بموافقة ليلى وأبيها عليه

سأل الأب ابتنه عن رأيها في أحمد إن كانت ترضى به زوجاً لها ، فأجابت ليلى : لقد استخرت الله تعالى قبل أن يزورنا أحمد فانشرح صدري ، وها أنا ذا اليوم أشعر بالرضا بعد مقابلته  والأمر إليك يا أبي

فهم الأب أن ليلى موافقة على خطبة أحمد لها ، وأنها راضية به ، فأتم إجراءات الخطبة وعقد القران وتم الزواج بعد ذلك في حفل بهيج لم يحدث فيه أي أمر مخالف للشرع 

?كانت ليلى سعيدة بزوجها أحمد كما كان أحمد سعيداً بزوجته ليلى ، هذا ما كان يحس به جميع من هم حولهما من الأهل والأقارب والأصدقاء بعد أربعة أشهر مضت على الزواج ، وفي إحدى زيارات والد ليلى لابنته لم يجد زوجها أحمد في البيت ، فسألها : أين أحمد ؟ قالت : خرج ليشتري لنا بعض ما نحتاجه  سألها أبوها : كيف أحمد معك ؟ هل أنت سعيدة معه قالت ليلى : الحمد لله يا أبي  أحمد من خيرة الشباب سألها أبوها : ألا تشتكين فيه شيئاً أجابت : لا أشتكي شيئاً في خلقه ودينه ابتسم الأب وقال : وغير الخلق والدين ابتسمت ليلى ضاحكة : وماذا بعد الخلق والدين يا أبي قال أبوها : قولي يا ليلى ، لا تخفي عني شيئاً ، ماذا تفتقدين في أحمد ردت ليلى : ليس أمراً مهماً يا أبي ضحك الأب من جديد : أيا كان فأرجو أن تخبريني به قالت ليلى في حياء : هو ما تشتهيه كل زوجة من زوجها : أن يسمعها كلمات الحب والود والثناء ضحك الأب وهو يـربت على كتف ابنته : سيسمعك قريباً إن شاء الله ما ترغبين في سماعه منه

زار أحمد عمـه – والد زوجته – في عمله فكان مما سأله عمه : كيف رضاك يا أحمد عن ليلى أجاب أحمد في أدب : لقد ربيت يا عمي فأحسنت التربية ، ليلى نعم الزوجة سأله عمه : هل تسمعها كلمات الحب والغزل والإعجاب والثناء رد أحمد في استحياء : والله يا عمي أنا مقصر في هذا  أعود من عملي متعباً لا طاقة لي على شيء  والحياة تشغلني قال عمه : ولكنهن يحببن منا هذا كثيراً يا أحمد ، يحببنه أكثر من أشياء كثيرة نحضرها لهن  أمها مع كبر سنها مازالت تسعدها الكلمات الطيبة التي أسمعها إياها 

?تساءل أحمد متعجباً : أنت يا عمي تقول لها مثل تلك الكلمات ؟قال عمه : أرأيت ! ألستم أولى منا أنتم معشر الشباب ؟صمت أحمد وقد سرح بذهنه واصل عمه حديثه : ما رأيك يا أحمد لو أعطيتك عشرة دنانير عن كل كلمة طيبة تسمعها زوجتك قال أحمد : سأسمعها يا عمي كلمات طيبة دون مقابل قال عمه : جزاك الله خيراً يا ولدي ، ولكني أحب أن أهديك هذا  فهل ترد هديتي أجاب أحمد : لا أستطيع رد هداياك يا عمي  وأشكرك جزيل الشكر قال العم : لنبدأ من الغد ، أعطني رقم حسابك في المصرف ، وسأتصل بك مساء كل يوم لتخبرني بعدد الكلمات الطيبة التي أسمعتها زوجتك لأودع في حسابك ما وعدتك به في فجر اليوم التالي ؛ صحا أحمد على يد زوجته ليلى تهزه برفق وهي توقظه لأداء صلاة الفجر  فتح أحمد عينيه وقال لها : ما أرق هذه اليد وما ألطف صاحبتها ! فرحت ليلى بكلمات أحمد فردت عليه : وما أعذب هذا اللسان الذي ينطق بهذه الكلمات الجميلة نهض أحمد وتوضأ وخرج لأداء الصلاة في المسجد ، ولما عاد وجد ليلى في ثياب الصلاة وهي جالسة تذكر الله بعد أدائها صلاة الفجر فقال لها : أي نور هذا الذي يشع من وجهك ! ردت عليه زوجته : ليس أجمل من نور وجهك وقد عدت من المسجدكان أحمد في عمله حين أرسل إلى زوجته هذه الرسالة الهاتفية : مضت ثلاث ساعات على مغادرتي البيت وكأنها ثلاثة شهور  كم أنا مشتاق إليك ! ردت عليه زوجته : أنا والله أشوق إليك وحين عاد أحمد إلى بيته بعد الظهر ألقى على زوجته السلام ثم قال لها : ما أراك إلا تزدادين جمالاً على جمال وعندما جلس إلى مائدة طعام الغداء قال لها : ما أجمل ترتيبك صحون الطعام  إنك تجعلين عيني تأكل قبل فمي  وبعد أن وضع أول لقمة في فمه قال : تسلم يدك  ما أطيب هذا الطعام 

في المساء اتصل أبو ليلى بصهره وسأله : ما الأخبار يا أحمد ؟ أجاب  أربع عشرة كلمة طيبة أسمعتها ليلى هذا اليوم  قال عمه : ستجد في حسابك غداً مائة وأربعين ديناراً في اليوم التالي أسمع أحمد زوجته عشرين كلمة طيبة وقد هاتفه عمه في آخر النهار يسأله عن عدد الكلمات فأخبره فقال له : لقد أودعت في حسابك اليوم مائة وأربعين ديناراً وغداً سأودع في حسابك مائتي دينار وتوالت الأيام ، ولم ينقضِ شهر على بدء أحمد بإسماع زوجته الكلمات الطيبات حتى كان مجموع ما وضعه عمه في حسابه خمسة آلاف وثمانمائة دينار اتصل والد ليلى بابنته وسألها : كيف صار أحمد قالت ليلى بفرح : لقد صار رائعاً يا أبي ! إنه يشعرني بسعادة ورضا كبيرين  قال والدها : الحمد لله يا ابنتي  اشكري الله على ذلك 

أخي الزوج: ألن تفعل مثل ما فعل أحمد لو أعطاك عمك مثل ما أعطاه عمه ؟ ألن تسمعها كلمات طيبات كل يوم لتحصل لقاءها على آلاف الدنانير كل شهر ؟

ما رأيك في أن الله يعطيك أكثر مما يمكن أن يعطيك إياه عمك من مال ؛ يعطيك صدقة عن كل كلمة طيبة تسمعها زوجتك ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (( والكلمة الطيبة صدقة )) ، وأنت يوم القيامة أحوج إلى هذه الصدقات من مئات آلاف الدنانير في هذه الدنيا وأكثر من هذا : ستكسب قلب زوجتك ومحبتها ، وستسعد في حياتك معها ، وستقل خلافاتكما الزوجية كثيراً ، وستجد الحياة مع زوجتك أجمل وأسعد وأهنأ وأنت أيضاً أختي الزوجة : بادلي زوجك الكلمات الطيبة  فأسمعيه مثلها ، وتنافسي معه في إطلاقها ، وتذكري أنك تكسبين صدقات كثيرة عن قول هذه الكلمات لزوجك 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين