إحياء الدين وقتال الطواحين

 

إنّ إثارةَ المعارك التي تدور على المظاهر والشعارات والمسمَّيات وشَغْلَ المسلمين بها إنما هو مرضٌ من أمراض العقل المسلم المزمنة التي كان لها أثر كبير في هزيمة الأمة، وهو مرض يستنزف جزءاً كبيراً من طاقة الإسلاميين في قتال الطواحين ولا يدّخر للمعركة الحقيقية الفاصلة إلا الفُضول.

*   *   *

جلس أردوغان على مقعد الحكم وفوق رأسه صورة كبيرة لصنم تركيا الأكبر، مصطفى كمال (أتاتورك)، فلم يُثِرْ معركة لإنزال الصورة، ولا هو لاحق تماثيل الطاغية في الشوارع والميادين، بل ترك ذلك كله واشتغل بنقض البنيان "الكمالي"، فما زال ينقضه حجراً بعد حجر حتى ليوشك أن يأتي يوم قريب فإذا بهذا المشروع الظالم الآثم قد سُوِّي بالأرض وصار خبراً من أخبار التاريخ.

 

لقد ذبح أردوغان مشروع أتاتورك العلماني التغريبي بصمت، وبعضنا يملأ الدنيا صخباً وضجيجاً ثم لا يخرج بشيء. لا نقول لأولئك الصاخبين: اقتدوا بأردوغان، إنما نقول: ليكن قدوتَكم سيّدُ الأنام وأعظم الدعاة على مرّ التاريخ، محمد عليه الصلاة والسلام، الذي لبث يصلّي في المسجد الحرام ويطوف بالكعبة المشرفة ثلاثة عشر عاماً وحولها مئات الأصنام، وكذلك طاف بها هو وأصحابه في عمرة القضاء، فلم يَمَسّها ولا اعترض عليها ولا أرهق نفسه بمعارك استنزافية مع أصحابها، بل أنفق وقته وجهده كله في إصلاح الأنفس وتغيير الناس، حتى إذا ظهر الدين وكان الفتح تفتت تلك الأصنام كلها وسقطت بأدنى جهد، تحطمت على الأرض بعدما تحطمت في القلوب.

 *   *   *

 يا شباب الأمة وعقلاءها: لا تشغلوا أنفسكم وتشغلوا الناس بالمزايدات والشعارات. اتركوا المظاهر واهتمّوا بالجواهر، اهدموا الباطل في قلوب الناس ينهدم الباطل على الأرض، وأحْيوا الدين في نفوس الناس يصبح الدين هو مشروع الناس في الحياة. أيها العقلاء المخلصون: كُفّوا عن قتال الطواحين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين